الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرحيل عن بيروت

يوسف ليمود

2008 / 10 / 15
الادب والفن


في مراهقته، في مطلع الستينات، قام روجر ووترزر ، قبل أن يؤسس فريق بينك فلويد، وصديق له، برحلة إلى لبنان على طريقة الهيتش هايكينج أو الأوتوستوب، التي يغامر فيها الشباب المفلسون. في رد فعل على غزو العراق وحرب تموز، كتب ووترز هذا النص وطاف به في جولته الموسيقية العالمية 2006 والتي شملت قرية "نيف شالوم" أو "واحة السلام" في اسرائيل أمام جمهور من خمسين ألفا. حينها، أعلن أن إسرائيل لن تعرف الأمان ما لم تزل الحائط العازل في الضفة الغربية. من دون الحاجة لذكر اسم ألبومهم الأعظم شهرة "الحائط". في كل العروض الموسيقية التي يلعب فيها هذا النص، يستخدم ووترز المؤثرات البصرية السردية التي تصور حكاية عاشها وهو صبي على تراب لبنان وبين ناسها. هنا النص:

. . .

تركنا بيروت إذن، ويلا وأنا
هو اتجه شرقا إلى بغداد وضواحيها, وأنا شمالا
مشيت خمسة أو ستة أميال إلى آخر مصباح في الشارع
جلست على الرصييف المحاذي للغسق
رافعا إبهامي في غير أمل كبير
أمام موكب سيارات العائدين من العمل إلى بيوتهم
أوه! ميكروباص قديم ماركة مرسيدس
وسيلة النقل الأجرة المنتشرة هنا
أخرجت أحشاء جيبوبي ومحفظتي
قلت للسائق:
" J ai pas de l argent "
" Venez! "
أجابني صوت ناعم من المقعد الخلفي
مال السائق بعفوية وفتح الباب الخلفي بدفعة
انحنيت للنظر في الداخل على الرجلين هناك
أحدهما في بدلة، نظارات، شارب. متوترا كان، منسحبا، ومتأخرا يبدو
الآخر كان من تكلم
ضعيف، في الخامسة والخمسين، أصلع، شاحب
يرتدي قميص قطن أزرق باهتا نصف كم
قلم جاف في جيب الصدر
موظف ربما، غارقا قليلا في المقعد
" Venez! "
قالها ثانية وابتسم
" J ai pas de l argent "
"Oui, Oui, d accord, Venez!"

. . .

أهؤلاء من نرميهم بالقنابل
أمتأكدون نحن جدا أنهم يريدون إيذاءنا
هل هذه سعادتنا أم عقابنا أم جريمتنا
هل هذا الجبل ما نريد أن نتسلقه حقا
الطريق صعب طويل
الكيل بمكيالين
هؤلاء الناس لن يغلقوا الباب في وجهك
جورج! يا جورج
تعليمك ذاك فى تكساس حين كنت غرا صغيرا
لا بد أنه أفسد عجيزتك

. . .

أشار بحركة صغيرة من يده كطفل يلوح بالوداع
وضع السائق جيتاري القديم وحقيبة الظهر في صندوق العربة وانطلق
" Vous etes Francais, monsieur? "
" Non, Anglais "
" Ah! Anglais "
" Est-ce que vous parlais Anglais, Monsieur? "
"Non, je regrette"
وهكذا
حديث عابر بين عابرين، فرنسيته ذات لكنة لكنها سليمة
تسلية وإدخال السرور
لكن التوصيلة هي توصيلة
الرجل ذو الشارب غادرنا بشكل فظ
بعد عدة أميال تباطأت الحافلة في تقاطع طرق ينيره مصباح وحيد
تأرجحت العربة في إستدارة إلى الخلف وتوقفت في سديم غبار
فتحت الباب وخرجت
لكن فاعل الخير لم يقم بأي حركة لأتبعه
ألقى السائق جيتاري وحقيبتي عند قدميي
أعاد شكري علي وعاد إلى سيارته
ظهر ثانية مع عكازين كان حشرهما على أرضية الجانب الأيمن من الباص
دخل إلى العربة ورفع رفيقي
ساق واحدة فقط
رِجل البنطال الأخرى مثبتة بعناية تحت الفخذ المبتور
" Monsieur, si vous voulez, ca sera un honneur pour nous
Si vous venez avec moi a la maison pour manger avec ma femme "

. . .

عندما كنت في السابعة عشرة، أمي، باركتها الحياة، حققت حلمي الصيفي
أعطتني مفاتيح السيارة
اتجهنا إلى باريس، محمّلين بوقود الديكسيدرين والخمر
نفد وقودنا في أنتيب ولجأنا الى الشرطة
وسرقنا بعضُ الملاعين في نابولي
لكن الجميع كان لطيفا معنا، كنا الرجال الإنجليز الأنيقين
آباؤنا ساعدوهم في كسب الحرب
كنا نعرف جيدا من نحارب ولمَ
لكن الإنجليزي الآن، في الخارج، ليس سوى مسخ، أضحوكة، كلب حراسة أمريكا
بولدوج، يشمشم حول مأوى الأوغاد الأخير

. . .

"Ma femme",
الحمد لله! رجل واحدة لكن لا بأس
تركتنا سيارة الأجرة عند الضوء الخافت للمبة المتأرجحة وانطلقت
لا بناية على مرأى البصر
ماذا بحقّ الجحيم
"Merci monsieur"
"Bon, Venez!
وجهه يطفح بالسرور أمامي
يؤرجح ساقة بين العكازين بحرص متألم
في عتمة الطريق الجانبي المترب
نصف ميل قطعناه في نصف ساعة
حين لاح على اليمين جانب مبنى منخفض
صاح بالعربية معلنا وصولنا
وبعد شجار صغير بالداخل، أضيء مصباح
وأشار الضوء المتحرك في الشريط الفارغ اسفل الباب إلى اقتراب شخص ما
فُتح الباب بصريره، وهناك، بيدها مصباح زيتي كما في لوحة لمنظر توراتي
وقفت، إمرأة بشارب، تنحنى لنا بابتسامة
تنحّت جانبا لتدعنا ندخل
حين استدارت
أدركت سبب انحنائها
كانت حدبة مفزعة تضغط ظهرها
أومأتُ وابتسمت لها أرد التحية، محاولا السيطرة على مشاعري
كان هذا كثيرا علي
لطف الرجل ذي الساق الواحدة وزوجته الدميمة
كان كثيرا علي

. . .

هل اللطف كثير علينا
يجب أن يقابل اللطف بالتعاطف
نتعاطف مع طفل الآخر
في كل مرة ندفع ثمن القنبلة الذكية ونحصد سوءاتها
طفل الآخر يموت وأسهم البورصة ترتفع
أمريكا، أمريكا، اسمعي نداءنا أرجوك
لديك الهيب هوب، البي بوب، الزحام والحركة
لديك أتيكوس فينش
لديك جان رسل

لديك حرية الكلام
لديك الشواطئ العظمى، البراري، والسوبرماركات الضخمة
لا تدعى القوة واليمين المسيحي يفسدان كل شيء
عليك وعلى بقية العالم

. . .

تحادثا في إثارة
أخذت عكازيه بعناية روتينية
شتم، أومأ
عندنا ضيف
محرجةً من زلتها
أخذت أشيائي وضعتها بلطف في الزاوية
"Du the?"
جلسنا على المساند المهترئة في زاوية الغرفة ذات السرير الواحد
كانت الأرضية من الطين المدكوك ترتفع إلى الحائط كرصيف
السرير ستة أقدام فى أربعة مغطّاه بفرش بسيط
المرأة الحدباء انهمكت في أواني النحاس الصغيرة على الموقد
جاءتنا بالشاي الساخن الحلو
بعده كان العشاء
أرغفة رقيقة من دون خميرة
مخبوزة في مقلاة حديد على الموقد
تغمس في الأحشاء الناعمة لقنافذ البحر
مضيّفتي لم تأكل، أكلت أنا عشاءها
لم تكن لتهتم بأي شيء آخر، أنا كنت ضيفهم
بعد ذلك انسحبت خلف ستارة
وتركت الرجال يجلسون يشربون أقداح الآراك
مشروب يصب بعناية من قنينة صغيرة مدموغة بعلامة باهتة
بعدها بقليل ظهرت ثانية متألقة
في حضنها طفل، بهجتهم ومفخرتهم
لم أر أبدا حَوَلا كهذا
كما لو أن عينا واحدة تنظر والأخرى تلتف خلف الأنف

. . .

ليس باسمي يا توني، أنت زعيم حرب كبرى
الإرهاب مايزال هو الإرهاب، من الذي يستطيع أن يؤطر القواعد
التاريخ لم يكتبه المقهورون أو الملعونون
نحن الآن جنكيز خان، لوكريشيا بورغيا، ولد سام
في عام 1961 أخذوا هذا الصبي الذي كنته إلى بيتهم
أتساءل الآن ماذا جرى لهم
في المرجل الذي كان يوما لبنان
لو أستطعت الآن أن أعثر عليهم، هل أقدر أن أصلح الأمر؟
كيف تنتهي الحكاية إذن ؟

. . .

وهكذا، إلى السرير كنت أنا، ليس هما
بالطبع ناما على الأرض خلف الستارة
وظللت صاحيا طوال اللّيل على سريرهم الطيني
ثم جاء الفجر بحركتهم الهادئة
حتى لا يوقظا الضيف
تثاءبت في تظاهر كبير
وأخذت طاسة الماء الساخن واغتسلت
رشفت قهوتي في فنجانها الصغير
وبعد ذلك مع كثير من
"merci-ing"
وإنحناءات وتلويحات أياد
تركنا المرأة إلى أعمالها اليومية
وسلكنا نحن الرجال الطريق راجعين إلى المفترق نفسه
البطء المؤلم في تقدمنا إشتد مع نور الصبح البازغ
ظهرت عربة النقل ثانية
ناولني مضيفي عكازا، ومتكئاً على الآخر
صافحني وإبتسم
"Merci, monsieur,"
قلت
" De rien "
" And merci a votre femme, elle est tres gentille "
ترك عكازه الآخر
وانسل إلى المقعد الخلفي نفسه
"Bon voyage, monsieur,"
قالها بنصف انحناءة
بينما توجهت سيارة الأجرة جنوبا إلى المدينة
استدرت أنا ناحية الشمال، جيتاري على كتفي
ونسمة الهواء الأولى الساخنة
جففت الدموع المالحة على خدودي الغضة
.

الترجمة عن الإنجليزية: يوسف ليمود
النهار اللبنانية
رابط سابق لمادة ذات علاقة:
http://www.doroob.com/?p=31500








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى