الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليبرر أعضاء مجلس النواب الثقة التي منحها لهم الناخبون

دحام هزاع التكريتي

2008 / 10 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


توجه الناخبون العراقيون إلى صناديق الانتخابات في أول دورة لمجلس النواب بعد انهيار الطاغية وسط مزيج من المخاطر التي لم يعهدها الشارع العراقي. فالٳرهاب كان في أشد شروره، ومحاولات إذكاء لهيب الحرب الطائفية في أوجها، وسطوة المجاميع المسلحة يقلق راحة المواطن العراقي وتثير الرعب لديه، وفي ظل هشاشة وتخلخل في الدولة والسلطة والأجهزة الأمنية. ولم يكن المواطن العراقي في تلك الأيام يتنبأ بالمصير الذي ينتظره جراء الفوضى التي عمت في البلاد وخاصة في شوارع العاصمة. وطغت على البلاد حمى فتاوى التكفير ومقاطعة الانتخابات والتهديد والويل والوعيد لكل من يجرؤ على المشاركة في الانتخابات. ومع كل هذه العقبات والمخاطر، فقد أصر المواطن العراقي على خوض هذه المعركة متجاوزاً كل التحديات ومصمماً على ممارسة حقه الطبيعي الذي حُرم منه طوال عقود مديدة.
ويعد إصرار العراقيات والعراقيين على إنجاح الانتخابات والشروع باستكمال القواعد الدستورية والقانونية للعراق الجديد الديمقراطي الخالي من العسف والاستبداد والتمييز الطائفي والعرقي والديني، مأثرة سيقيّمها عالياً تاريخ بلادنا المفعم بالعواصف والتقلبات السياسية والمآثر الشعبية. لقد كانت تلك بحق مأثرة ومن نوادر المآثر التي مرت على شعوب كرتنا الأرضية. ومهما حاولت أطراف داخلية وحتى إقليمية التستر على هذا الحدث أو تجاهله أو التقليل من أهميته باعتباره قد حدث في ظل وجود قوات أجنبية على أراضينا، إلاّ أن الشعب العراقي قال كلمته الفصل في شأن يخصه وحده، وعبّر بمظاهر الفرح عن نجاح أول تجربة انتخابية حقيقية في تاريخ الدولة العراقية الحديثة.
هذا الخيار العراقي الجريء يجب أن يقابله وفاء وشعور عال بالمسؤولية من قبل من وضع الشعب ثقته فيهم وأوصلهم إلى مقاعد مجلس النواب.
ولكن كأية تجربة جديدة وممارسة حديثة في تاريخ أي شعب، فلابد أن يصاحبها التلكؤ والأخطاء لجهل البعض من النواب بقواعد العمل الديمقراطي الجديد على العراقيين. كما أن الجو الذي أحاط بالانتخابات وتصاعد الموجة الطائفية والتستر بالدين والمؤسسات الدينية والانتماء العرقي على حساب البرامج السياسية والاجتماعية للحصول على مقاعد إضافية، قد ساهمت إلى حد غير قليل في تضليل الناخب العراقي ووصول ممثلين للشعب إلى مقاعد مجلس النواب دون أن يتمتعوا بالآهلية والخبرة بل وحتى النزاهة لتولي هذا الشرف.
وهكذا شهدنا خلال الفترة الماضية من عمل مجلس النواب تعثراً واضحاً في قدرته على تنفيذ مهماته المصيرية دون أن يعني تجاهل ما أنجز خلال هذه الفترة. كما شهدت الفترة الماضية ممارسات غريبة على الممارسات البرلمانية المتحضرة من بعض النواب من قبيل التلويح "بالقنادر" لإمرار مشاريع معينة يستهويها هذا النائب أو ذاك. وبلغ الأمر في بعض الممارسات السلبية أن قام البعض بالتوسل بالأيادي والقناني الزجاجية للتعبير عن آرائهم وفي ظل حمى النقاش واشتداد سخونته.
كما لوحظ تهميش لدور النساء الأعضاء في مجلس النواب، بل والسخرية من قبل بعض المتنفذين فيه من دور النساء في العمل البرلماني العراقي. فما شهدناه خلال هذه الفترة هو مشاركة لأعضاء معدودين من النساء في المناقشات والنشاط اليومي، إلى حد وللغرابة أن لوحظ أن عدد غير قليل منهن وكأنهن قد قبلن بهذا التهميش وسلمن أمورهن، "ربما كواجب شرعي"، إلى الرجال من أعضاء القوائم النيابية الممثلة في المجلس. وهكذا فقد النص الدستوري قيمته الذي حكم بتمثيل النساء بنسبة 25% في كل المؤسسات المنتخبة في العراق. ولقد حاول بعض النواب تجاهل هذا النص في قانون انتخابات مجالس المحافظات.
ويمكن الإشارة إلى حزمة أخرى من الممارسات السلبية، ولكننا سنقف عند أحدها وأشدها استخفافاً بمن صوّت وانتخب أعضاء مجلس النواب. إن كل نائب في المجلس يكلف خزينة الدولة مبالغ لا يستهان بها، وتدفع الآن لمن لا يمارس دوره النيابي وحتى لا يشارك في أعمال المجلس. فهناك العديد من رؤساء الكتل النيابية لا نجد لهم أي حضور في جلسات المجلس، وبعضهم يجد مستقراً له في دول مجاورة أو يعمل أما للتآمر لإسقاط الحكومة خارج الأطر الشرعية ومجلس النواب الذي هو عضو فيه أو التوسل بشركات أجنبية لترشده على كيفية إسقاط الحكومة وعرقلة العملية السياسية برمتها. كما تجرأ أحد هؤلاء النواب وعلى الملأ وعبّر عن فخره بالانتماء إلى حزب البعث المحظور نشاطه من الناحية القانونية. كما يلاحظ المواطن ومن على شاشة التلفزيون عدم جدية بعض النواب وعدم احترامهم لناخبيهم ولمن صوّت له من خلال عدم استكمال النصاب القانوني للجلسات الرسمية، بما يعرقل المصادقة على القوانين، وما يتركه من أضرار جسيمة على الاقتصاد وعلى الحياة اليومية للمواطن العراقي وعلى الشؤون السياسية التي تمس مستقبل البلاد. وبالرغم من تشريع قانون من قبل مجلس النواب يتضمن إجراءات عقابية ضد من يتخلف عن الحضور ليوم واحد بدفع غرامة تبلغ 500 ألف دينار وسحب الثقة بعضو المجلس في حالة غيابه لمدة عشرين يوماً.
وانتبه السيد خالد العطية النائب الأول لمجلس النواب في جلسته المنعقدة يوم الأحد المصادف 12 تشرين الأول 2008 إلى ظاهرة الغياب المتكرر للبعض وهدد بالغرامة المالية، ولكنه أشار في الوقت نفسه إلى ظاهرة إيجابية في نشاط المجلس اقترح تثمينها وتكريم صاحبها. فقد ذكر السيد النائب الأول لرئيس مجلس النواب أن لدى المجلس عدد كبير من القوانين، منها بحاجة إلى التصويت ومنها المناقشة، وأكد بان هيئة الرئاسة مضطرة لتطبيق الإجراءات الواردة في النظام الداخلي وذلك باستقطاع خمسمائة ألف دينار عراقي مقابل غياب يوم واحد للنائب. كما اقترح تكريم النائب حميد مجيد موسى، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ورئيس الكتلة الشيوعية في المجلس، وذلك لالتزامه التام بجلسات المجلس والمواعيد، وأطروحاته الموضوعية أثناء المناقشات. إنها بادرة تستحق الثناء من قبل السيد النائب الأول لمجلس النواب في تكريم الخيرين من أبناء الوطن ومن ممثلي الشعب، ونأمل أن تكون بادرة لتصحيح عمل ومسار المجلس، ونذيراً لمن لا يبرر الثقة التي أولاها الناخب العراقي له، ومن يتهاون في الدفاع عن حقوقه وحماية عراقنا العزيز. فلا يمكن إدارة بلد عصري وإسعاد شعبه إلاّ بالتحلي بهذه الصفات التي يتحلى بها النائب حميد موسى الذي يتميز بالانضباط والهمة والتمسك بأعلى أشكال الإحساس بالمسؤولية والمواظبة على أداء الواجب واحترام ثقة الناخب العراقي، والتحلي بالنزاهة والتسامح ونبذ العنف والإكراه. وبهذه الميزات يمكن التصديق على القوانين المجمدة في أدراج المجلس، وبهذه الصفات يمكن للعراق أن يشفى من الأمراض التي فتكت به في عهود الظلام والاستبداد والعنف والفوضى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟