الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكائن الإنساني إذ يتجاوز الحدود الزائفة لحجمه الفسيولوجي والعقلي…!

كامل السعدون

2004 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


حسب الموروث الإنساني الذي وصلنا عبر العصور ، ومن خلال الاختبارات العلمية الحديثة ، واعتماد أجهزة الفحص دقيقة الحساسية للإشعاعات الإلكترونية المنتجة في المخ ، وعبر الرصد والملاحظة والاختبارات في علم الباراسيكولوجي ، عرفنا من أسرار الكائن البشري ما لم نكن نعرف ، وأمكن تفسير ما كان عسيرٌ تفسيره إلى ما قبل بضعة عقودٍ من السنين  …!
مما عرفناه  من عجائب أسرار الكائن البشري ، أنّ لديه مرونة هائلة وقدرة عظيمة على تجاوز حدود حجمه الفسيولوجي ، وحجم معطياته الحسية وقواه العقلية …!!
تلك المرونة تتمثل في قدرة الحواس على تجاوز حدودها الفسيولوجية القياسية ، وقدرة الجسم على تجاوز حدوده الجغرافية القياسية ، وقدرة الخلية المفردة على توسيع مديات وظيفتها ، كماً ونوعاً ، كما وقدرة العقل على تجاوز حدوده التفكيرية والتي هي بالمحصلة حدود المُتلقى من الخارج عبر التربية والوراثة وانعكاسات الحواس في مستواها الاعتيادي الواطئ …!
هذه المرونة الواسعة ، سعةٍ خيالية خارقة في أحايين كثيرة ، تعتمد أصلاً على نمطٍ أو مستوى رفيعٍ وشفافٍ وعميقٍ من الوعي بالذات والخارج ، أكبر بكثير من هذا الوعي الذي نعتمده عادةٍ في حياتنا اليومية …!
وقد ُرصدت عبر أجهزة الكشف الحديثة الحساسة للغاية ، مويجاتٌ مخيةٌ كهرومغناطيسية متباينة في الكثافة والطول الموجي ، في حالات أو مستوياتٍ مختلفة من الوعي ، وأدق تلك المويجات ,أكثرها عمقاً تلك التي تُنال في حالات التأمل أو الشفافية الروحية الخالصة ، إذ تكون المويجات من فئة ( ألفا) ، في حين تلك التي هي أدنى منها ، مويجات ( بيتا ) ، وهناك نوعٌ ثالث لمستوىٍ ثالث من الوعي …!
وعيُ الألفا ، هو ذلك الوعي الداخلي العميق الجميل للذات والكون ، والذي يمكن أن تناله لحظةْ ، ثم تعكف على تعميقه بالثقافة الروحية وبالممارسة والمران الروحي المتدرج …!
إنه وعيُ الذات والكون والروابط السرُية الخبيئة التي تشدُ عناصر الكون صغيرها وكبيرها ، جمادها وحيّها إلى بعضها ، وهو الأيمان العميق بوحدانية الكون وسعته ولا نهائيته وخلوده ، والأيمان لاحقاً وفي مرحلة ربما متقدمة من المراس والتثقيف بأن هناك مكنوناتٌ خبيئةٌ كامنةٌ ، وهناك تراتبية غير مرئية ، تبدأ بالواحد الأحد الخالد المطلق ، ثم تمتد عبر شبكةٍ دقيقة الخيوط إلى العناصر المختلفة من المحسوسات والملموسات ومظاهر الطبيعة وأجسام الأحياء والجمادات …!
الوصول إلى هذا المستوى من الوعي والفهم والأيمان ، هو سمةُ أهل الحقيقة من المتصوفة مثلاً ، وبعض وهج الحقيقة ، يناله الشعراء الحقيقيون ( لا النظّامين ) ، وبعضه يناله السحرة الحقيقيون ، والكثير منه ناله الأنبياء ، وبين هؤلاء وأولئك يقعُ الروحانيون بمستوياتهم المختلفة ، من معالجون روحانيون إلى فلكيين وقرّاء الطالع ، و…و…و…الخ …!
تلك القدرات ، كانت في العصور الخوالي ، من نصيب الكهنة والسحرة والروحانيون ، وبحجم أكبر مما هي عليه في العصور الحضارية المتأخرة …!
لقد تدهورت العلوم الروحية مع تعقد الحضارة وتوسعها ، وتلك ضرورةٌ كان لا بد منها ، إذ إن شفافية ومرونة العلوم الروحية ولا محدوديتها وصعوبة طقوسها وعدم القدرة على منهجة العمل الروحي وصعوبة نيل الوعي الفائق في أي وقتٍ يشاءه المرء ، دفع إلى تطوير العقل وتغليب وعيه الاعتيادي القائم على تراكم الخبرات وانعكاسات الحواس ، ثم توريثها فسيولوجياً وتربوياً إلى الأجيال …!
وكما إن مستوى الوعي الاعتيادي ، ينتج نمطه الحياتي ، ويتأثر بذات الآن بهذا النمط ، فأن إنتاج وعي عقلي فائق ، يفترض بذات الآن ( ولكي ما يدام ) ، يفترض نمط حياتي معين ، يغلب عليه طابع الشفافية الأخلاقية والأثرة والحب والترفع عن الماديات والشهوات مضافاً لطقوسٍ تبدو غريبة في عيون الإنسان العادي ، وتؤدي إلى اتهام الروحاني أما بالهبل أو الجنون أو تعاطي السحر الأسود ( وتلك الطقوس ، هي في واقع الحال منشطاتٌ  ومخصباتْ للوعي المرهف الحاد) ، وبكل تلك الأحوال فأن من الصعب التنازل عن العقل الاجتماعي ووعيه الواطئ والعيش الآمن في ظله ، والركون إلى هذا الذي لا يمكن حبسه في بيت العقل أو الجسد …!!
في تصوري ( وهو تصورٌ قديمٌ لكثيرٌ من البحاثة والمفكرين ) أنْ الأنبياء عاشوا هذه التجربة ، وتواصلوا مع عوالم مما يقع خارج حدود العقل الاجتماعي ( الذي هو رهين المحبسين …الجسد الفسيولوجي ، والجسد المجتمعي ) ، وبغض النظر عن صحة أو زيف ما أدعوه أو بعض ما أدعوه من تواصلٍ مع الرب ( الواحد الأبدي القديم ) ، وبغض النظر عن طبيعة وصفهم لهذا الرب ، خواصه وهويته والتي أسهب البعض منهم فيها ، فأن مما لا شك فيه أنهم توصلوا إلى قبسٍ من الحقيقة …!
المشكل كما ذكرنا في ما سلف ، أن العلم الروحاني ، دقيقٌ شفافٌ ، وإن الانتقال من مستوىٍ من الوعي عالٍ إلى مستوىٍ آخر واطئ ، هو انتقال غالباً ما يكون سلسٍ ، وبالتالي فأن هناك إمكانية للخلط بين الرؤية الحقّة المنتجة من الوعي الخارق ، وتلك المنتجة من الخيال وأحلام اليقظة ( الوعي الواطئ )  ، ولهذا فأن من المشروع الشك ، وبقوة بكثير مما قاله الأنبياء ، مما هو واطئ القيمة ، غير عادلٍ وعسيرٍ على العقل احترامه ، لأنه منافٍ وبقوة لحقيقة الربّ وعظمته ورحابته وجماله وعدله …!
مثل هكذا مستوىٍ واطئ من الإبداعات التشريعية والتفسيرات والأساطير والعبادات ، تجده في جلّ الأديان السماوية والوثنية ، التي راد مسيرتها ، عباقرةٌ روحانيون ، أختلط عليهم ما هو من الرب على ما هو من شطحات الخيال ، ومن إبداعات العقل في مستواه الاجتماعي ( الأناني والمادي والنفعي ) …!
وإذا كان المبدع الأول ، مبدعاً حقيقياً ومالك لزمام الروحانية ، والقدرة على الوصول إلى ناصية الرب ، فأن التابعين المقلدين ، ما كانوا يمتلكون إلا مصالحهم السياسية والسلطوية ومخاوفهم وأطماعهم في رضا الرب ومرضاة الناس ، ولهذا فقد أثقلوا المُنتجْ الإبداعي بالتفاصيل الغير مجدية ، والتطبيقات العملية السلطوية والتنظيمية ، وبذات الآن جردوه من أجمل ما فيه ، وهو الجانب الروحي ، وما فيه من فرص لإعادة إنتاج المستوى الفائق من الوعي ، مما أمتلكه النبي ذاته …!
هذا ما يصح على الأتباع ، في كل الأديان ، ولو نظرت إلى هرون ، لوجدته غير موسى ، ولو نظرت إلى بولس ، لوجدته دون يسوع في الروحانية ، وقد أثقل الأتباع وإلى يومنا هذا بما لم يقله يسوع …!
ويصح الأمر ذاته على الخلفاء الذين جاءوا بعد محمد …!
لو ننظر إلى التطرف في عصرنا ، وهو بالمناسبة شبه قاصر على الإسلام ، نجد أن الغلو في تطبيق الغث قبل السمين ، والمنتج من الوعي الواطئ على ذلك الذي أنتجه الوعي الحقيقي المرهف العميق ، هو السبب ( بين أسبابٍ عديدة ، بعظها سيكولوجية وتربوية واقتصادية )  في ظهور هذا الإرهاب …!
إن مسؤولية مفكرينا ومثقفينا ، التمعن في جوهر الأديان ، والنظر إليها كما نحن فاعلين هنا ، من خلال منظار العلم  وأدواته المادية  ، والعقل والبصيرة الروحية الجريئة ، التي تطلق جناح الرب من قفص النبي المبدع الملهم ، وأتباعه ( وكم في الأتباع من روحانيون زائفون ) ….!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يؤيد قصف منشآت إيران النووية: أليس هذا ما يفترض أن يُض


.. عاجل | المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: هذا ما سنفعله مع إيران




.. عاجل | نتنياهو: لم نستكمل تدمير حزب الله وهذا ما سنقوم به ضد


.. قصف مدفعي إسرائيلي وإطلاق للصواريخ أثناء مداخلة مراسلة الجزي




.. نائب عن حزب الله للجزيرة: الأولوية لدينا حاليا هي لوقف إطلاق