الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قسمة عادلة

أزهار الصفا

2008 / 10 / 17
الادب والفن


تم جمع محتويات قالب الحلوى من السكان المحيطين بالمنطقة : سكان الحي , و فرقة الكشافة الذين انقطعت بهم السبل للعودة إلى بيوتهم , بسبب نفاد الوقود من الحافلة التي كانت تقلهم ...

بدأ وافي , الشاب الأشقر صاحب العينين الزرقاوين , بخلط المحتويات مع بعضها ,استعدادا لصنع الحلوى , واضعا السكر في حفرة وسط الدقيق الذي ينضح بالحليب المتصلب أسفل الاناء...ثم بدأ يضيف البيض المخفوق , مع قشر الليمون المبشور , وباشر تحت إشراف يعقوب , بخفق محتويات الإناء , حتى أصبحت لزجة , ثم وضعها في قالب ... بدأ يعقوب يزين وجه القالب , راشا مسحوق جوز الهند فوق القالب ... و بعد ذلك بدأ بغرس حبات الكرز بعشوائية وسط القالب ...وبعد ذلك رسم ثلاث زهرات مصنوعات من خليط النشأ و السكر والأصباغ , إحداهما: زرقاء تحد القالب من الشمال , وخضراء من الشرق , وحمراء من الغرب ... حتى غدا قالب الحلوى محدود الحجم من الوسط , وأكثرضيقا ,خاصة بعد أن أحاط نصفه الأول بسور من الشوكولاته . بأنامله بدقة تأكل من حجم النصف الأول من القالب ... أنهى يعقوب تزيينه للقالب , و وافي يرقب بحذر ... وضع يعقوب القالب داخل الفرن.

جلس سكان الحي بقيادة المختار , و فرقة الكشافة , تحت إشراف سامح , الذي اعتمدوه لسانا لهم , يناقشون كيفية استلام القالب و توزيعه فيما بينهم , و خاصة أنه من حقهم جميعا ... ساعات متتالية يتناقشون فيما بينهم , دون فائدة ... فلا أحد يتنازل للآخر , بتولي مسؤولية التوزيع . مما ولد إنقسام الفريقين . كل يناقش الأمر على حدة , جالست فرقة الكشافة سامح داخل خيمته , و بدأوا يتحاورون فيما بينهم بموضوع مسؤولية توزيع الحلوى , فاقترح سامح حلا لهم ينهي ضياعهم و تشتتهم قائلا :
_ نبيع النصف الأول من قالب الحلوى , و نشتري بثمنه وقودا يمكننا من العودة إلى بيوتنا , بعد أن قطعت السبل للعودة بنا.
و قال أحد أعضاء فرقة الكشافة :
_ و نقتسم ما تبقى من قالب الحلوى مع سكان الحي , و بذلك نرضيهم و يرضوننا .
و بعيد مشاورات أثمرت لهم حلا لمشكلتهم , خرجوا إلى سكان الحي حاملين إقتراحهم إليهم , و بغياب المختار عن نقاشاتهم , و بعيد طرح فكرتهم ناقصة , لسكان الحي , قال أحد السكان :
_ نحن نعرف المختارجيدا , فطالما انفرد بقوالب الحلوى السابقة بمفرده , و لا يعطينا سوى القليل . فهو صاحب سوابق بالنصب و الإحتيال , و النهب .
همس أحد أفراد فرقة الكشافة , و بصوت يقيده الخفوت ,قال :
_ سامح إنسان أمين ... جيد الأخلاق ... فمن الإستحالة أن يخوننا , و ينفرد بقالب الحلوى وحده ...


و بينما هم يتحادثون , باشرت رائحة الحلوى تتسرب إلى أنوف الحاضرين , بعد وضعها بالفرن بفترة قصيرة . فالناس ينتظرون الحلوى , و رائحتها تتسلل إلى أعماق أنوفهم , و لا زالت الحلوى داخل الفرن , على نار هادئة تشتعل بصمت رهيب ... حتى وصلت مرحلة الطلق لولادة مأزومة السخونة , لحرارة تنطلق بذاتها , بعيد ميلادها , تدغدغ قالب الحلوى من جميع جوانبه ... مما أثار ضحكاته الصاخبة , و رائحة كرائحة المسك , تخرج بشوق من بين حناياه إلى الخارج ... لتأخذ موعدا من الحاضرين بالإستعداد لاستقبال الحلوى ... بقي الفرن على هذه الحال حتى نضج قالب الحلوى .


أخرج وافي القالب و وضعه على الطاولة ... اجتمع جميع سكان الحي , و فرقة الكشافة , إضافة إلى المختار و سامح و يعقوب و وافي , حول قالب الحلوى .
رمق وافي الحاضرين بعين لئيمة , و قال :
_ أنا بدوري صنعت الحلوى , على طريقتي لكم , و أنتم بدوركم ؛ اقتسموها بينكم كما تشاؤون .
و انصرف إلى أشغاله ... لكن , سكان الحي و فرقة الكشافة , لم يتفقوا بعد ... من سيستلم بدوره قالب الحلوى , و زمام المسؤولية يحمله المختار .. أم سامح ؟
وأخذوا بالنقاش من جديد , ويعقوب يرقب ما يحدث بينهم بكل اهتمام ...


و أخيرا ... أثمرت نقاشاتهم حلا , بعد أن نبتت بذورها في خيمة سامح . فقد تم الاتفاق على اختيار الشخص الموكل إليه اقتسام و توزيع الحلوى عن طريق الانتخاب ... و فعلا ... أحضروا صندوقا مغلقا , يحمل شقا من أعلى , و زرعوه وسط قاعة الاجتماع . و كي لايستطيع أحدهم خداع الحاضرين , و التصويت أكثر من مرة , باشر أحد المتعلمين , بتسجيل اسم كل من يدخل ويدلي بصوته داخل الصندوق – لمن يراه وجها للأمانة والمسؤولية-.

بعد الانتهاء من الإدلاء بالأصوات , اجتمع الحاضرون ... و أخذ بعض المتعلمين , و تحت محط أنظار الجميع ؛ من قراءة الأوراق . و وضع نقطة أمام كل اسم تم التصويت له ...و من بعيد ...يرقب يعقوب مايحدث . و النتيجة : فاز سامح بأكثرية الأصوات , و نال وسام الثقة من الناخبين . أما المختار: فلن يتم التصويت له , الاّ من قبل القلة القليلة من الناخبين . فهو صديق أسبقيات بالنصب على السكان , و الإنفراد بالحلوى كاملة .

إذن ... كان القرار في قبضة سامح يربض . و مع أن النتيجة , لم تعجب وافي ولا حتى يعقوب , لأنهما يعرفان كيف يتعاملان مع المختار, أما سامح : فهو يطل عليهم من نافذة جديدة , لا يعرفون أسرارها ولاحتى مكامنها , اضافة إلى نظراته تجاههما ... تلك النظرات التي توحي بالكراهية والحقد .و لكن , ما من فرار , والناس وضعوا باقة اختيارهم , و توجوا بها سامح . و تم الاتفاق ... الحلوى مع سامح ,لتوزيعها على الناس , و لا يستطيع أحدهم الإعتراض على حكمه , لأنهم هم من وضعوه عليهم , و جعلوا منه رئيسا لهم .

باشر سامح بالتحدث مع فرقة الكشافة , و التخطيط للكيفية التي سيبيعون بها نصف القالب , لشراء الوقود الذي سيمكنهم من العودة إلى بيوتهم ...

انتصف الليل أو كاد , ولا زال سامح يتحدث مع فرقة الكشافة , والسكان ينتظرون بالخارج ... خرج سامح و قال :
_اليوم , لانستطيع اقتسام الحلوى لأن الوقت متأخر . غدا صباحا نجتمع ونقتسم الحلوى ...

وفي الصباح ,وُجِدَ قالب الحلوى فارغاً , و موضوعا أمام بيت المختار . لم يجد السكان الحلوى , ولا حتى بقايا من بقاياها ... من الذي أكل الحلوى كاملة ؟؟ ورمى القالب –فارغا- أمام بيت المختار؟؟؟ من الذي دخل خيمة سامح – متخفيا- و سرق الحلوى ؟؟ أمامنا عدة أشخاص . و لكن , من منهم ؟؟؟ :

سامح ؟ الذي وصفوه بالأمن والأمانة , و نصبوه أمينا على حلواهم , و لأن أمانته لم تختبر من قبل , فلا حاجة إليها , ولا فائدة من الشهودعليها!...

أم المختار ؟ صاحب السوابق , و صديقها اللدود , و لكنه ومن كل بد يملأ بطنه من المرات السابقة , و لا داعي للدناءة - بهذا الشكل – هذه المرة!


أم يعقوب ؟ صاحب الفكرة , الذي لاتهمه الحلوى من الأساس , بقدر ما يهمه أمر المسؤول عنها , كما وافي ؟؟؟

انتهت الأماني ,بالنسبة لفرقة الكشافة , بعد أن جرها الحدث لشطآن البداية , و عاد سكان الحي إلى نقطة اللابداية , يقفون على خط الصفر . وطار فؤاد كل من وافي و يعقوب فرحا لما حصل .

النتيجة هذه , تحدث لأول مرة , بسبب ادخال عنصر جديد بالقسمة , لم يُعرف جيده من رديئه الاّ ظاهرا . و لا أحد يعرف شيئا من نواياه المكتنـزة داخله . جلس السكان يتذوقون نتيجة اختيارهم , و يندبون حظهم ونصيبهم من القسمة , التي ظنوها تبني لهم العدل والعدالة . و قال أحدهم :
_لو أن المختار ترأس القسمة لحصلنا على بعض الحلوى , و لو كان قليلا .
و قال آخر :
_ مهما كان الفاعل , فإنه نتيجة حتمية لظروف جديدة , صنعناها ورسمنا أغلفتها بأنفسنا .

و عاد كل من الحاضرين لقواعده الأصلية , مجردا من الآمال , بعد أن أخرجوا من جيوبهم النقود , و اشتروا مستلزمات الحلوى المفقودة ... و في النهاية ... خسروا المال و الحلوى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا


.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم




.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا


.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07




.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب