الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منير السعداوي ... قلق يرمم المعرفة ويعري الساكن

علي رشيد

2004 / 2 / 21
الادب والفن


العمل لدى الفنان التشكيلي العراقي منير السعداوي والمقيم في اسبانيا ،  إغواء للمجهول كي يتشكل ببصرية ينشد الفنان من خلالها رحلة إدراكية لماهية الفن . ماهية لا تتنازل عن هاجس البحث وجوهر الكمال والغوص عميقا في استثارة الأسئلة التي تكمن للمتلقي كي يتحرر من سكونية الرؤى واستدراجه الى أن يتحول طرفا في معادلة قراءة العمل الفني ومكنوناته البصرية :
 (  أعمالي لم تكن فقط حقائق واقعية مجاورة بل خطط لوقائع تحتاج الى الضبط الخلقي للاشيء , وتأمل باطني , وتبعدنا عن لامبالاة  القصور وليكون الفن عنصرا للتفكير والتمرد .. ومحاولة فرض الشاهد على اقحامه سراب الظلم المنتشر في العالم اليوم  على المستوى السياسي , الاجتماعي , الاقتصادي , الخلقي , العنصري , والبيئي ).
 الفن لدى منير لايستجيب إلى الشائع ولايستنسخ البائد ولا تستدرجه غواية السوق وذائقة المشترين الأميين الذين ينساقون وراء الزخرفة اللونية وبهرجة المكرور
 من أعمال تندرج في حداثة المئة عام الماضية ،
 بل هو فن يدخل المجاهيل كي يستحضر نبوءاتها ويغامر بالصعب إدراكا منه لديناميكية وديمومة هاجس البحث  .
فنان يثابر كي يستوفي العمل الفني  شرطه الإنساني و الأخلاقي والجمالي  دون أن يتنازل عن خطابه المعاصر، وبما يخدم فعله المعرفي في عالم معقد متشابك متسارع التحولات و الابتكارات ، عالم البهرجة والانحطاط ، عالم الإنترنيت وتكنلوجيا الخيال في الوقت نفسه عالم الرقاب المحزوزة والأجساد المنثورة وفوضى الموت والجوع والخراب .
 يعي منير مسؤوليته كفنان في استخدام لغة تشكيلية حداثوية تتمكن من الصمود والمجادلة والتأثير واستنفار الأسئلة في مجابهة هذا الشرخ اللاأخلاقي الذي ترسمه العولمة في عالمنا المنكوب بفوضى الانسحاق ومصادرة الآخر.
 تنسج أعماله صدى خفيا لعالم تتضبب دلالالته ورموزه وتتشابك تكويناته لتخلق فضاءا تخيليا ولكن بمرجعية أخلاقية تشارك الآخر انخطافه وشروده أمام كونية مشوهة .
 العمل الفني لدى منير السعداوي لا يدير ظهره لليومي والشائع ولا يستعلي على الإنسان وبؤسه بل يفرد لهذا الوجود ومتاهته مساحته الكبرى :
( أعمالي هي انعكاس لما يدور من أحداث يومية على مدار الساعة التي نعيشها .... أعمال تنطلق قبل كل شيء  من مفهوم فلسفي بمنحى تجريدي , لمساءلة الفراغ الإنساني .. المأساة .. المعاناة .. التهمش . الكفاح .. ذلك الذي لم يبق منه شيء يجعله قادرا على التحدي  ) .

ينحوالفنان منير منحى تجريديا بحتا في عمله الفني والذي يتشكل غالبا من أعمال طباعية ( كرافيك ) ولوحات مصنوعة بمواد مختلفة وألوان اكريليك أو زيت على القماش ، لكن التجريد لديه لايغفل المفردة الحياتية ولا طقوسية الدلالة وسعتها اللامتناهية ، فهو يختزل العمل من أجل إعادة صياغته في الذاكرة وهي تحاول الوقوف عند هذا الاختزال المتمثل في الإشارات والخطوط والبقع اللونية والفراغ بمدلوله الكوني حيث ينفتح على المخيلة باسطا تراكميته المعرفية ، مرسخا حوارا تتسع مراميه .
وبما أن الفنان مشغول باليومي ومنغمس في هاجس التأمل و البوح والمساءلة عن
 هذا الانسحاق المتراكم وتأثيره على الإنسان ، لذلك تراه شغوفا بالصورة ومنتبها لفعل الإدانة وتأثيرها الحاد والمباشر،
لذلك عمد الفنان ومنذ 1998 إلى استخدام الصورة ( الفوتغراف ) كجزء من مشروعه الفني ، حيث أدخل الفنان الصورة في اللوحة وخلق معادلة لايمكن التغاضي عن صعوبتها في إدماج الصورة ( الخارج ) بكل فصاحة المفردة ومباشرة البوح في ( الداخل ) متمثلا في الخطوط والإشارات والبقع التي يدونها الفنان في المساحة المتبقية من العمل ، مستندا إلى ماهية الفن وتأثيره في تشكيل تلك الرؤى بما يخدم التفاعل بين الصورة ( الخارج ) والإحساس (الداخل ) كي يمنح المتلقي قراءة أخرى للصورة بمنحها تركيبة حسية ربما ستغفلها العين إذا ما تأملتها بعيدا عن استنطاق الفنان لخفاياها ولمكنوناتها الحسية البصرية بعد أن أدخلها مختبر اللوحة وبيانها التجريدي والذي كثيرا ما تمتد خطوطه ودوائره اللونية إلى الصورة كي تكسر صمتها وتدخلها في ديناميكية صياغة المطلق والعام .
يبدو لي أن الفنان منير السعداوي يواظب  تجربته الأخيرة في استخدام الصورة الفوتغرافية في اللوحة أو في الأعمال الطباعية ( الكرافيك ) في محاولة منه  لتوسيع الخطاب الجمالي للصورة وسبر أسرارها المعرفية غير مكتف بما تبيحه الصورة من مفردات تستلب فصاحة العقل بسكونيتها ، ولذلك يقحم الفنان هذا السكون بفعل تجريدي يعيد بناء العناصر أو إدماج فعلها بفعل المتلقي حيث الانسياق إلى ماهية الفعل لدى الفنان في منح الصورة ايحاءا مجردا وكسر الرتابة الناطقة في الصورة ،
فالفنان يحاول إزاحة الهوة بين الذائقة السائدة وبين ذهنية الخطاب المعاصر للفن الذي يحرر المتلقي من سكونيته ويدخله في شرك الأسئلة محررا الثقافة البصرية من قيودها ... كاسرا الثابت ومبتكرا المتحول .
تبقى أعمال الفنان منير السعداوي أعمالا تبتكر ، وتخلق ، وتشير ، وتستدرج ، وتخفي ، وتبوح ... إنها عالم يفصح عن حكايا وقلق يرمم المعرفة ويعري الساكن ويؤلف حساسية جديدة في لغة التشكيل .
الفنان منير السعداوي من مواليد بغداد 1952 أكمل دراسته الفنية في مدريد حيث يقيم . أقام وشارك في العديد من المعارض ، في اسبانيا واليابان وتونس وبولونيا وفرنسا والنرويج وهولندا ، حاز على العديد من الجوائز منها الجائزة الثانية في مؤسسة الكرافيك والنحت  مدريد ، والثالثة في صالون الكرافيك مدريد ، وجائزة الشرف في saving banks of Madrid  ، كذلك الجائزة الثالثة في بينالي الكرافيك العالمي في تايوان ، اقتنيت أعماله في العديد من المتاحف منها متحف الكرافيك القاهرة ، ومتحف الجامعة طوكيو ، ومتحف الكرافيك في ماسترخت – هولندا وكذلك في مدريد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي