الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا و«استراتيجيات التوتر» الأطلسية

رشيد قويدر

2008 / 10 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


اختارت روسيا الجديدة طريق التقارب والتكامل مع أوروبا، وعبر جميع مؤسساتها، ولخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً أن جوهر نظرية التجارة الحرة، هو احترام الشخصية السياسية والسيادة الحرة للدول الأخرى، في طائفة من الموضوعات المشتركة، بما فيها أمن الطاقة والاستثمارات التي تتم عبر الحدود. وعبر ذات الدرب رسخت البوتينية الروسية نهج «الديمقراطية السيادية» في المحافظة على جهاز الإنتاج الوطني المستقل، وفي مواجهة ما ترى فيه خطراً بالارتهان للشركات الأجنبية، ما أظهر وبإيقاع متسارع النهوض الروسي من الآلام.
لم تصمد الإسقاطات الغائية الإعلامية الأميركية حول الفشل في القوقاز، ولم يعد بإمكان الإدارة الراهنة الاختباء وراء العديد من الكليشيهات والشعارات، وسبق وفرضت أصوليتها النيوليبرالية، ومن رمال مستنقعاتها المتحركة ما هو من نوع إيغور غايدار ـ أب العلاج بالصدمة ـ في روسيا، ومثله بينوتشيت في تشيلي، والعديد من الأسماء في الفضاء ما بعد السوفييتي وفي حيزه الجغرافي، وعلى وقع التوسع الأطلسي في أوروبا الشرقية، بعد التدخل الغربي في البلقان (كوسوفو) 1999، والثورات الملونة التي سرعان ما بهتت ما بين العامين 2003 ـ 2004 في جورجيا وأوكرانيا وفيرغيزستان.
ثاني البيادق من صنف غايدار، سقط على وقع التهديد لخطوط أنابيب النفط البديلة، حين فكفكت موسكو ألغاز المجموعة النفطية «يوكوس» واعتقال صاحبها خودور كوفسكي عام 2003، وهو القادم من الغابات الأطلسية الداكنة، وفي أعمال كارتيله 40 بالمئة من الأسهم بـ(أكسون ــ موبيل)، ويوكوس كلاشيه واجهة. أما الهدف فهو الهيمنة على البترول السيبيري، مع تمويل واسع لأحزاب المعارضة النيوليبرالية، وتبعية مباشرة لإدارة بوش والأوليغارشية الروسية، بهدف تهيئة خودوركوفسكي ذاته لانتخابات الرئاسة الروسية التي جرت في آذار (مارس) 2008.
بيد أن نهج روسيا في الديمقراطية السيادية، وحماية جهاز الإنتاج الوطني المستقل حول أحلام النيوليبرالية إلى كابوس، بعد أن استهدف أولويات التنمية الاجتماعية، رغم أن الاقتصادي الروسي لا يتوقف على النفط والغاز وطرق الإمداد وفق ما هو شائع. ولكن ومن خلال محاولات السيطرة عليه، تدور السيناريوهات لاستهداف دينامية النشاطات الداخلية. لقد جرت محاولة استعادة سيناريو هذا الحلم في العام 2007، عبر «حركة روسيا الأخرى» بزعامة غاري كاسباروف المدعوم من المؤسسة الأميركية: «صندوق التمويل الوطني من أجل الديمقراطية»، نحو تغيير المصير والتوجهات الوطنية الروسية، الأمر الذي أجج الحملات الإعلامية المتلاعبة والمعادية لروسيا، ومعها وسائل إعلام الأولغارشية ــ بوريس بيروزوفسكي، والتي تلخص روسيا الراهنة ببضعة كلمات هي: أن الاتحاد السوفييتي ما زال موجوداً، وإطلاق التهويمات حول الحرب الباردة.
على صعيد الحيز الجغرافي في الفضاء ما بعد السوفييتي، جاءت الدرع الصاروخية الأميركية في بولونيا وتشيخيا، ومجموع الحجج الواهية التي لم تقنع موسكو بأنها موجهة ضد الصواريخ الإيرانية، وقد سقطت هذه الحجج الآن. وبولندا بحسب تصريحات الإدارة الأميركية هي أكثر أطلسية من كونها أوروبية، بما في ذلك من معضلة للمشروع الأوروبي ذاته: «إن بولندا هي أكبر حلفائنا في أوروبا» ويأتي في السياق ما نشره عضو مجلس الشيوخ ديك مارتي للبرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا بتاريخ 7/6/2006، بأن وارسو قد وضعت «سجوناً سرية» بتصرف أجهزة الاستخبارات الأميركية، وسبق لقوات خاصة بولندية في عهد الحكومة السابقة، أن شاركت في احتلال العراق، وسعى وزير الدفاع البولندي الجديد رادوسلاف سيكورزكي، المرتبط بمؤسسة «أميركان انتربرايز» المقربة من الجمهوريين، أن ساهم بفعالية في مشروع المؤسسة: «من أجل قرن أميركي جديد»، البرنامج الذي استحضر برنامج بوش الرئاسي. وزير الدفاع ذاته سبق وأن أكد: «إن وارسو مستعدة للمشاركة في هجوم محتمل ضد إيران» علماً أن بولندا هي المستفيد الأكبر من مساعدات الاتحاد الأوروبي، عبر التصاق بولندا اللصيق بواشنطن، فضلاً عن نزعة التشكيك في البناء الأوروبي ذاته.
في استراتيجيات التوتر، اعتمد المحافظون الجدد على المحاربين الجدد في الرقعة والحيز الجغرافي، ولعب ساكاشفيلي جورجيا رأس الرمح في هذا الدور الفاشل، حين هاجم أوسيتيا الجنوبية، محاولة كتابة فصل جديد من تاريخ القوقاز المضطرب، والمنطلق من فكرة قومية شوفينية باللون الجورجي، فساكاشفيلي المحاط بمستشارين أميركيين وإسرائيليين، فضلاً عن طمأنة بوش لجورجيا وأوكرانيا بالانضمام إلى حلف الناتو، وذاته هو بمثابة الضوء الأخضر لخوض الحرب، باعتبارها الأجندة السابقة للعضوية في الناتو.
بينت أزمة جورجيا أنها كارثية على أوروبا ذاتها، وجاءت تصريحات نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، في زيارته الأخيرة لتبليسي حول انضمامها لحلف الناتو، بعد أن فشلت في الحصول على عضويته، لتثير غضب أقطاب الغرب الأوروبي، وكانت قد تلقت مساعدات عسكرية ملحوظة، ومالية ــ عسكرية عبر عنها وزير دفاعها ديفيد كيزيراشفيلي حين أعلن زيادة الميزانية، ورفع أرقام عديد جيشه في العراق، وبناء قاعدة عسكرية جديدة بالقرب من أبخازيا في سيناكي، وأخرى في غوري بقرب العاصمة الأوستيتة تسخينفالي.
بذات السياق عادت رهانات تشيني على أوكرانيا، محاولة توظيفها في الحلقة الثانية من مخطط المحافظين الجدد، والفارق أن الاتحاد الأوروبي لا يريد إغضاب روسيا في أوكرانيا. وعليه حاول رئيسها يوشنيكو تحديد تحركات الأسطول الروسي في البحر الأسود، عبر قاعدته الحيوية في ميناء سيفاستيبول بمنطقة القرم، وقد أصدر مرسوماً يفرض قيوداً على حركته، الأمر الذي أدى إلى تفكيك الائتلاف الحاكم، والذي أوصل يوشينكو ذاته إلى سدة الرئاسة، فحزب رئيسة الوزراء تيموشينكو سبق وأن كان ضمن الائتلاف الحاكم، حثت على تعلم الدروس من التجربة المريرة التي مرت بها جورجيا، وانتقدت موقف يوشينكو من أسطول البحر الأسود الروسي بالقول: «إن المعاهدات مع روسيا ينبغي أن تحترم» وأن يوشينكو يتحمل كل السلبيات التي تظلل العلاقات مع روسيا. علماً أن شبه جزيرة سبق أن القرم أهداها الزعيم السوفييتي خروتشوف إلى أوكرانيا في العام 1954، التصريحات الروسية اتسمت بالتهدئة كدعوة للعودة للتاريخ المشترك، وبينهما الكثير على كافة الصعد وفي عمق التاريخ.
في الثامن تشرين الأول (أكتوبر) 2006، نشر فيكتور يانكوفيتش رئيس الوزراء حينها، وزعيم حزب الأقاليم المعارض في «واشنطن بوست» و«لوس أنجلوس تايمز» مقالاًَ، قال فيه: «نتعرض لسوء فهم متعمد بالغرب الذي يشير إلى كلمة أوكرانيا، باسم أوكرينا، والتي تعني حرفياً الأراضي الحدودية الفاصلة بين الحضارة الغربية وروسيا النائية»، ويعدد في عرضه بأن أوكرانيا لها وضعية تاريخية واجتماعية خاصة، تجعل من قطع علاقاتها مع روسيا أو عدم التواصل معها، هو قطيعة مع نفسها، فهي دولة شقيقة لروسيا عبر التاريخ السلافي، وبمثابة امتداد طبيعي لها، شعور مادي ومعنوي يتعزز بوقائع الحياة على الأرض، و54 بالمئة يتحدثون الروسية، و60 بالمئة يرفعون أعلام الكنيسة الأرثوذكسية، ويستخلص بضرورة انضمامها لـ«معاهدة الأمن الجماعي» أي لمنظمة الأمن الجماعي شرقاً.
بعد أن فشلت أوكرانيا في قرع أبواب الاتحاد الأوروبي، وفشلت في الانضمام إلى حلف الناتو، جرى تعويضها بمنتصف أيار «مايو» الماضي بإدخالها إلى منظمة التجارة العالمية.
في لعبة الشد والجذب بين القوتين العالميتين، يستمر الاتحاد الأوروبي رهينة لأعضائه الجدد، ومعاملة روسيا على أنها الاتحاد السوفييتي السابق، وإبراز قيود الجغرافيا واللعب بها على خلافات السياسة، لكن المصلحة مع روسيا تقتضي ضرورة التكامل، وضرورة الشراكة بين روسيا والاتحاد الأوروبي. ومعالجة المعضلات بدءاً من نشر الصواريخ المضادة (الدرع الأميركي) في أوروبا، وصولاً إلى الأسئلة الوجودية لحلف الناتو ذاته، حين يحلم البعض ومن خارج الغرب الأوروبي بالحلف، كاتحاد عابر للأطلسي، يكلف بمهام السيطرة الأميركية على العالم عبر خلق مهمات جديدة، فتبرز التساؤلات الأوروبية حول الخطر الكامن على أوروبا ذاتها من الاستراتيجيات الأميركية.
تقول دروس القوقاز وغير مكان في العالم، سيترك الأميركيون حلفاءهم في العراء، ولا يتحركون لإنقاذهم، عندما يدركون أن التكلفة باهظة، وتقول أيضاً إن روسيا استعادت زمام المبادرة، ووضعت خطوطاً حمراء، بشأن عدم اللعب بها أو بمصالحها الحيوية في حيز جغرافيتها السياسية، خصوصاً فيما يتعلق بالقوقاز وموارد الطاقة، في نقطة تحول في العلاقات الدولية مع دور روسي صاعد في توازنات القوى الدولية، مصحوباً بتعثر وأزمات السياسة الأميركية وفشلها في غير مكان في نقاطها الساخنة، اليوم لا يمكن لأحد أن يقفز عن الدور الروسي، فلم يعد بالوسع الاستخفاف به.
• كاتب فلسطيني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يوم ملتهب في غزة.. قصف إسرائيلي شمالا وجنوبا والهجمات تصل إل


.. مصر تعلن تدخلها لدعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام -العد




.. الاحتلال يهدم منزل الأسير نديم صبارنة في بلدة بيت أمر شمال ا


.. حريق بمنزل لعائلة فياض في وسط مخيم جباليا بعد استهدافه من قو




.. بوتين يقيل وزير الداخلية سيرغي شويغو ويعينه سكرتيرا لمجلس ال