الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
عن نهاية حل الدولتين في فلسطين
سلامة كيلة
2008 / 10 / 17ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين
أود أن أوضح أولاً بأن مفهوم الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين طرح قبل النكبة سنة 1948، من قبل عصبة التحرر الوطني. بينما كانت سياسة الحركة الوطنية الفلسطينية تراوح في حدود تحقيق الاستقلال دون تحديد لشكل الدولة المبتغاة، ولا وضع المستوطنين الجدد فيها. وفقط كان يشار إلى اليهود الذين كانوا يقطنون فلسطين قبل سنة 1918.
لكن هذا المفهوم/ الهدف غاب بعد النكبة، وارتبطت القضية الفلسطينية بالميل التحرري العام الذي اجتاح الوطن العربي، والذي رفع شعارات التطور والوحدة وتحرير فلسطين. بمعنى أن التركيز على التغيير الداخلي في البلدان العربية هو الذي حظي بالأولوية، على أمل تأسيس وضع جديد قادر على بناء القوى القادرة على هزيمة الدولة الصهيونية وتحرير فلسطين.
أفضت هزيمة حزيران سنة 1967 إلى ميل الفلسطينيين إلى تجاوز انتظار التغيير الداخلي في الوضع العربي، حيث لم يفضِ كل الميل التحرري ذاك سوى إلى الهزيمة من جديد. لهذا تقوّى الميل الفلسطيني الذي يدعو إلى المقاومة وتحرير فلسطين. هذا الميل الذي نشأ في تناقض مع الحركة القومية العربية، وكسعي لسحب القضية الفلسطينية منها. وهو الميل الذي عبّرت عته حركة فتح بالأساس في اتصال مع حركة الإخوان المسلمين الذين كانوا في صراع تناحري مع النظم القومية، خصوصاً مع عبد الناصر. وبالتالي سعت لإضعافه عبر سحب القضية الفلسطينية منه، من خلال القول بأنها عادت إلى أصحابها الشرعيين: الشعب الفلسطيني. لكن هزيمة النظم القومية منذ الانفصال إلى هزيمة حزيران أقنع الشعب الفلسطيني بأن "يأخذ قضيته بيده"، وهو ما مهد لأن تتحول حركة فتح إلى القوة الأولى والقائدة للنضال الفلسطيني.
كان الهدف المطروح هو: تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، دون التطرق الجدي لطبيعة الدولة. وحينها ربما جرى التطرق من قبل حركة فتح إلى الدولة الديمقراطية العلمانية عرضياً، كبديل بعد التحرير. فقط بعض قوى اليسار تبنته كحل إستراتيجي، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. حين كررت حركة فتح الإشارة إليها نظرت إلى العلمانية من منظور "ديني"، أي كونها المؤسس لتعايش الأديان الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية.
وقلت أنه جرى التطرق عرضاً إلى هذا المفهوم/ الهدف لأنه سرعان ما تلاشى لمصلحة سياسة، قيل أنها تكتيكية، تهدف إلى الإفادة من الوضع الدولي الذي نشأ عن وجود المقاومة، من أجل القبول بما يمكن أن يسمى "الحدّ الأعلى" الذي يقبل بع العالم، و"الحدّ الأدنى" للفلسطينيين. وهي السياسة التي قامت على قبول دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، كونه جرى احتلالهما سنة 1967، ولم يجرِ الاعتراف العالمي بهذا الاحتلال كما توضح في القرار 242. وقيل بأن هذا الحل هو حل مرحلي على طريق تحرير كل فلسطين.
هذه السياسة هي التي مورست طيلة العقود الثلاث الماضية (أي منذ 1974- ..)، والتي أفضت إلى اتفاقات أوسلو، وتشكل السلطة الفلسطينية (سلطة الإدارة الذاتية المدنية، حسب التحديد الرسمي لاتفاقات أوسلو). بعد أن جرى تحويل السياسة التكتيكية والحل المرحلي إلى سياسة مبدئية وحل نهائي، وبالتالي الإقرار الرسمي بوجود الدولة الصهيونية والاعتراف بها، والبحث في وضع اللاجئين في حدود "الدولة المستقلة" تلك، وهو ما كان يعني الإقرار بإلغاء حق العودة، لأن هذه الخطوة أقرت بأن لا عودة لهم إلى أرضهم في فلسطين المحتلة سنة 1948.
رغم ذلك، أصبح واضحاً اليوم بأن جملة الوقائع التي حققتها الدولة الصهيونية في الضفة الغربية تحديداً لم تعد تسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلة، وهو يسمح فقط بأن تبقى السلطة الفلسطينية سلطة إدارة ذاتية مدنية للسكان الذين تقلصت أرضهم إلى النصف تقريباً، على ضوء التوسع المستمر للاستيطان الذي كان يحاصر المناطق السكانية، ويقسم بينها، يعزل المدن عن بعضها، ويسيطر على الأرض المحيطة بها بما يمنع تواصلها مع أية حدود عربية. وجاء بناء جدار العزل ليكمل ذلك، حيث بات السكان محاصرون في كانتونات منفصل كل منها عن الآخر. وتقلصت مساحة الأرض التي في حوزتهم إلى أقل من النصف. إضافة إلى السيطرة على المعابر والتحكم في الأجواء.
أين ستقام "الدولة المستقلة" إذن؟
هذه الواقعة فرضت إعادة التفكير في الوضع. حيث لا دولة مستقلة ممكنة على الأرض، نتيجة السياسات التي اتبعتها ولازال تتبعها الدولة الصهيونية، وهي السياسات التي قامت على السيطرة المستمرة على الأرض والتوسع المضطرد للاستيطان، من منطلق أنه "لا دولة فلسطينية مستقلة". وهذه أحد اللاءات التي كانت في صميم السياسة التي قررتها منذ احتلال الضفة الغربية سنة 1967. والتي تشمل: لا وقف للاستيطان، ولا عودة إلى حدود الرابع من حزيران، ولا انسحاب من القدس وغور الأردن. بمعنى أن أساس السياسة الصهيونية قبل أوسلو، وخلال التوقيع على الاتفاقات، وبعد ذلك، قامت على السيطرة على الأرض، فهي في العقيدة الصهيونية "أرض إسرائيل". ولقد كانت المشكلة التي تواجهها الدولة الصهيونية، وهي تسعى للسيطرة على الأرض، هي السكان. حيث كانت معنية بعدم دمجهم في الدولة التي يجب أن تبقى يهودية الطابع، وكذلك من حيث تقليص أعدادهم. وبالتالي كان هدف السيطرة على الأرض وتوسيع الاستيطان هو حصر السكان الفلسطينيين في غيتوات (كانتونات) صغيرة، تدار ذاتياً، لكي تكون في داخل الدولة الصهيونية، وفي خارجها في الوقت ذاته. ولكي يؤدي الحصار المستمر، والضغط الاقتصادي، إلى هجرة "طبيعية"، ترانسفير "طبيعي".
هنا كان اتفاق أوسلو مدخلهم لذلك. حيث أنه يعطي الإدارة الذاتية لسكان منفصلين عن الدولة التي تسيطر على كل الأرض.
يشير هذا السياق التحديدي إلى أن الإستراتيجيتين الصهيونية والفلسطينية، التي تبلورت سنة 1974، كانتا "متناقضتان" بمعنى ما. كانت الدولة الصهيونية تعي ذلك، ومازالت. وكان التناقض يكمن في أن القيادة الفلسطينية كانت تؤسس على وهم، وهم الحصول على دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة. بينما كانت الدولة الصهيونية تسرق الزمن من أجل إكمال السيطرة على الأرض وتوسيع الاستيطان. وبالتالي فقد كان انقياد هذه القيادة وراء وهم يعطي الدولة الصهيونية مدى واسعاً لاستمرار تنفيذ سياساتها، تحت غطاء المفاوضات، وأوهام الحصول على دولة مستقلة.
المسألة المحورية هنا هي أن الدولة الصهيونية تنطلق من أن قوتها، الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لا تتثبت إلا عبر التوسع، وأنها لا تكتمل إلا عبر الهيمنة، ليس على كل فلسطين فقط بل على المحيط العربي كذلك، لأنها تعي (أكثر من كثير من السياسيين العرب) عمق العلاقة بين فلسطين والوطن العربي.
وبالتالي فقد أوضحت تجربة التفاوض التي بدأتها م.ت.ف.، والتي توجت بقيام سلطة الإدارة الذاتية، أن ليس من حل جزئي للفلسطينيين، وأنه ليس من الممكن التعايش مع الدولة الصهيونية إلا بالقبول بكونها قوة مسيطرة، كما الإمبريالية، أو بالترافق معها. وهو الأمر الذي يفرض التأكيد على أ، الصراع مستمر حتى يتحقق التغيير في ميزان القوى الذي يسمح بإنهاء الدولة الصهيونية، وقيام الدولة الديمقراطية العلمانية، في إطار التغيير العميق في الوطن العربي.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر