الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبعة اخطاء في الدعوة الى دولة عراقية قوية

عبدالمنعم الاعسم

2008 / 10 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


دولة عراقية قوية، نعم، لكن ما الذي يميز دولة قوية عدوانية، تهدد جيرانها وتسوم شعبها العذاب، عن دولة قوية مسالمة، ينعم سكانها بالامن والحرية والرخاء؟ ثم، هل يتناقض الخيار الفيدرالي مع امكانية قيام دولة قوية في العراق؟ وهل يمنع توزيع سلطات وثروات المركز المركزمن اقامة دولة قوية؟.
هذه اسئلة نظرية وافتراضية، لكنها مهمة في هذا الوقت الذي تتزايد الدعوات الى اقامة دولة قوية في العراق، وتعبر من فوق هذه الدعوات اخطاء قاتلة، يمكن اجمالها، بالاتي:
اول الاخطاء، يذهب الى ان تحقيق الدولة القوية يتم، فقط، عبر زيادة صلاحيات رئيس السلطة التنفيذية، في حين دولة، مثل الصومال، يملك رئيس حكومتها نور حسن حسين المعروف بـ"نور عدي" صلاحيات دستورية تزيد على صلاحيات رئيس الحكومة البريطانية، لم تستطع هذه الدولة ان تفرض ضريبة واحدة على أي باخرة تجارية ترسو في موانئها العشرين.
ثاني الاخطاء، يتمثل في القول ان قوة الكيانات (الاقاليم) الفيدرالية يحول دون قيام الدولة القوية، او انه يتحقق على حساب الدولة الوطنية، الامر الذي تدحظه تجارب المانيا الاتحادية والولايات المتحدة وجنوب افريقيا والهند، وحتى دولة الامارات العربية، اذ تتمتع حكومات الاقاليم(بافاريا الالمانية ودبي الاماراتية وكيرالا الهندية) بنفوذ اقتصادي وعسكري، يدخل في عداد العناصر الاساسية للدولة الفيدرالية القوية.
ثالث الاخطاء هو القول ان الجمهور العراقي لا يملك تجربة تسمح له في ادارة شؤونه عبر مجالس اتحادية، فيما الحقيقة ان جميع الشعوب التي اختارت الشكل الاتحادي لم تكن لتجرب هذا الشكل قبل ذلك، وان بعضها (السودان. الامارات. جنوب افريقيا) عانى في خلال المراحل الاولى من التطبيق قبل ان يكتشف انه الشكل الافضل لبناء دولة، متعددة الاعراق، راسخة وقوية.
رابع الاخطاء ما له صلة بالظن ان الدولة الاتحادية غير المركزية تكون عرضة لقيام كيانات ضعيفة قد تنسلخ عنها وقد تشجع الدول المجاورة على التمدد والتأثير والاطماع، في حين يضم ملف انهيار الدول والتدخلات الخارجية بين الدول اسبابا لا حصر لها(يوغسلافيا السابقة) كما ان الدول الافريقية الـ53 تبحث منذ عامين خيار اقامة دولة اتحادية لها لمواجهة سلسلة التدخلات والاملاءات الخارجية، ولضمان استمرار وحدتها.
خامس الاخطاء، يبرز في الاعتقاد ان الدولة القوية لا يمكن ان تقوم على يد حكومات ائتلافية، او فيدرالية، وهو اعتقاد يتوهم بان مصادر القوة تتمثل فقط في القبضة الشديدة "الرأسية" التي تدير الحكومة فيما تفصح تجارب الدول بان الشراكة في ادارة الحكومات ضمانة القوة والهيبة، وليس من دون مغزى ان تشكل الدول حكومات طوارئ او حكومات ادارة الازمة او حكومات درأ الاخطار الطبيعية من ائتلافات.
وسادس الاخطاء هو القول الشائع بان الدولة الفيدرالية تبدد الثروة العامة وتحول دون تطبيق المساواة في التمتع بالثروة الوطنية بين الاقاليم من خلال الامتيازات الدستورية لسكان الاقليم الغني في موارد اقليمهم، والحق ان تلك الامتيازات، على حسب تجربة جميع الدول الاتحادية، شكلت حافزا لتطوير وحماية الثروة المحلية(شعور السكان انها ملكهم) عدا عن ان التشريعات تنظم عادة حدود تلك الامتيازات.
سابع الاخطاء، يكمن في الرأي الذي يذهب الى ان الدولة القوية هي الدولة التي تمتلك سلاحا فتاكا وجيوشا جرارة، قفزا من فوق الحقيقة اليابانية وطائفة من حقائق العالم المعاصر حيث تتمتع دول كثيرة بقوة مهيبة ومكانة مرموقة لا تُستمد من الجانب العسكري، وبعكس ذلك فان دولا مهووسة بالتسلح وبناء الجيوش الجرارة فقدت استقرارها وسياداتها وراحة بالها ما ادى الى افقار سكانها وتخلف وانحطاط بنيتها.
الدولة القوية، كمايقول مهندس فكر الدولة الحديثة هارولد لاسكي هي دولة المؤسسات، وان الوحدات الاتحادية هي ارقى تنظيم مؤسسي، والمهم هو شعور الرعايا بالعدالة.. هو ما يميز الدولة عن الغابة.

تعقيب.. وتعقيب
المقالة اعلاه التي نشرت في (الاتحاد) كانت مثارا لردود واستفسارات عديدة، لعل اهمها صلة بالموضوع رسالة من خبير وكاتب قانوني صديق (ف. ح) استطردت، عن موضوع الدولة القوية، الى مفصل الدولة الفيدرالية في العراق، وافترضت، كما افترضت رسائل اخرى، اني أزعم بان الدولة الفيدرالية، وحدها، هي الدولة القوية، وغيرها من الدول المركزية هشة وضعيفة، وأزعم ايضا ان النموذج العراقي للفيدرالية هو التطبيق الديناميكي للدولة الالمانية، وغيرها من الفيدراليات الاوربية، يقول الصديق (ف):
"قرأت هذا اليوم (وصاياك السبع) في جملتك التي ارى انها ستكون اكثر فائدة فيما لو اكدت بان جميع التجارب التي ذكرتها كانت تهدف الى جمع اقاليم متناثرة، او دول ذات سيادة، اريد لها ان تتوحد في دولة واحدة، من خلال تنازل تلك الدول والاقاليم عن سيادتها لصالح مركز واحد. فهل بربك ان ذلك ينطبق على العراق؟. وهل يوجد في الدستور الالماني على سبيل المثال، هذا التنازع الغريب بين القواعد القانونية التي تؤسس لشكل غريب لم تألفه ادبيات القانون الدستوري، سالفها وحاضرها". لقد كنت متعسفا جدا ايها العزير لتشبيهك ما يجري في العراق مع التجربة الالمانية والتي يفرض دستورها، وقوانينها الفرعية، اطرا لا لبس فيها لاعادة الامور الاكثر حيوية بالنسبة للدولة الى المركز (فهل اطلعت على المادة 37 (1) من القانون الاساسي الالماني؟) وهو الامر الذي ينطبق ايضا على جميع الامثلة التي اوردتها. ان اشد ما اخشاه ايها العزيز ان يننتفض على جملتك المفيدة (شيعة يوغسلافيا وسنة المانيا وشبك سويسرا وصابئة روسيا....) انا شخصيا احد اشد المناصرين للنظام الفيدرالي، غير اني ارى ان ما يجري التأسيس له في العراق شكلا يستجيب للمصالح الضيقة للقوى الدينية المقيتة). ان بناء نظام ديمقراطي "وهو العنصر الثالث من عناصر الدولة اضافة الى شكلها المساحاتي وشكل حكمها، اقول ان بناء نظام ديمقراطي سيكون كفيلا بتأمين ما تود الاشارة اليه حتى في ظل دولة مركزية موحدة."
انتهت الرسالة، وبدأ ما هو مهم في تثبيت المفاهيم، فان المقالة الاصلية لم تكرس لموضوع الدولة الاتحادية إلا في مجال القول الخاطئ بان الخيار الفيدرالي من شأنه تفتيت الدولة، وقد ورد المثال (الفيدرالي) في المانيا (وكذلك في الهند والامارات وجنوب افريقيا) كايضاح لدولة الفيدرالية القوية.
وإذ اشارك الخبير الدستوري الصديق بعض ملاحظاته حيال اضطراب وتناقض الصياغات في الدستور العراقي واخطار القبلية والطائفية والفئوية على التجربة الفيدرالية، وايضا في اختلاف التجربة العراقية عن التجارب الفيدرالية الاخرى(ومن يقول ان الفيدرالية كنظام لا مركزي متشابه في جميع الدول الفيدرالية؟) فاني اختلف معه في ما فهمت من رسالته(وردود اخرى) بان العراق الجديد لا يصلح لنظام فيدرالي يقضي بـ "تنازل تلك الدول والاقاليم عن سيادتها لصالح مركز واحد" واني، مثل كثير من الشهود والباحثين في تاريخ العراق وملفات الاضطهاد والتمييز والاستقطاب الطائفي، والتوزيع غير العادل للحقوق والفرص والوظائف، والصراع على الثروة وأزمة السلطة المركزية، والمهم، في استعصاءات القضية القومية في العراق، رأيت (كما رأى كثيرون) بان الخيار الفيدرالي (لا الدولة المركزية) هو الاصلح للعراق على الرغم (وانا مؤمن في هذا الذي سأقوله) من ان هذا الخيار في طور التشكيل المشوب بالكثير من التحديات والمشكلات وسوء الفهم والتبسيط والاعتلال الدستوري، التي جميعا لا تحسّن في نظري (وتحليلي) صورة النظام المركزي، لا في عهد الملكية ولا في عهود الانقلابات العسكرية للسنوات الاربعين اللاحقة، واحسب ان بعض الاراء التي تنتقد، بالحرص (لا بالسلاح) التطبيقات الفيدرالية المبكرة في بلادنا، تاخذ الفيدرالية كمبدأ سليم بجريرة ما يشوبها من علل فئوية وطائفية وقبلية.. مأخذ البريء بجريرة المذنب.

ــــــــــــــــــ
كلام مفيد:
"الفكر في صورة قدسية.. يتلطف بها طالب الاريحية".
السهروردي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تعلق على مساعي الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق


.. من بينهم طبيب ومعلم وطالب.. مقتل 7 فلسطينيين بنيران إسرائيلي




.. مستقبل السياحة في جزر المالديف لن يعتمد على سحر شواطئها فحسب


.. مقتل 7 فلسطينيين وإصابة 9 باقتحام الجيش الإسرائيلي لجنين




.. بين سليماني ورئيسي .. ما هو سرّ الخاتم؟