الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الحُرة-.. وفكرة المركز والمحيط

سامر خير احمد

2004 / 2 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


من حق اميركا ان توظف قدراتها واموالها في خدمة غاياتها التي تعتقد انها تخدم مصلحتها، غير ان من حقنا نحن ايضا ان نتصرف -ولو كرد فعل- بالطريقة التي تخدم مصالحنا او تحفظ بعض ما بقي منها ونحن نعيش هذا الانحطاط الحضاري العظيم، ومن ذلك ان نفهم بوضوح الخلفية النظرية التي تنطلق منها اميركا، في محاولاتها اعادة صياغة وعينا بعد كابوس الحادي عشر من ايلول، وهذه على اية حال ليست مهمة شديدة الصعوبة بالنسبة لنا، فقد سبق ان عشنا عصر الاستعمار العسكري المباشر الذي كان ينطلق من الخلفية ذاتها تقريبا التي ينطلق منها اليوم الاستعمار الثقافي الاميركي الرامي الى مد جذوره اكثر واكثر في الوعي العربي فضلا عن نجاحه في السيطرة على اللاوعي.
اوروبا الامبريالية كانت تبرر استعمارها بلاد الاخرين اخلاقيا بالقول انها تسعى لنقل الحضارة الى العالم غير المتحضر، اي انها كانت تقسم العالم الى مركز اوروبي حضاري ومحيط غير اوروبي لا حضاري، وبهذه الفكرة تكون السيطرة على الشعوب الاخرى بغرض نقل الحضارة اليها مهمة نبيلة، ويكون الاستعمار عملا اخلاقيا وتحريريا.
أليست فكرة «المركز والمحيط» هي ذاتها التي تنطلق منها الولايات المتحدة في مشروعاتها لدمقرطة العالم العربي والمسلم غير الديمقراطي، بما في ذلك قناة «الحرة» التي تنطلق من فكرة مفادها ان الاميركي حر وديمقراطي وعليه فان من واجبه الاخلاقي ان يحرر ويدمقرط العربي غير الحر وغير الديمقراطي؟! هي اذن الفكرة القديمة ذاتها مع تبدل الادوات وفقا لتغير الزمان والاحوال، وهي بالضروة فكرة عنصرية لانها تفترض مسبقا ان «الآخر» متخلف حضاريا او ديمقراطيا لانه «آخر» دون الاخذ بالاعتبار العوامل الخارجة عن «ذاته» التي تدفعه للتأخر.
من الضروري الاشارة الى ان فهمنا لهذه الفكرة العنصرية لا يعني انكارنا لتأخرنا الحضاري زمن الامبريالية الاوروبية والديمقراطي في هذا الزمان الاميركي، فتلك حقيقة واضحة ومن الواجب ان نعترف بها حتى نتمكن من اصلاحها، غير اننا هنا نكشف اللانبل وعدم الاخلاقية في هذا السلوك، فلو كان الاوروبيون سابقا والاميركيون حاليا ذوي اهداف انسانية نبيلة لكان عليهم ان ينطلقوا من قاعدة التعاون والمساواة مع الشعوب الاخرى واحترام استقلالها بدل اخضاعها والزامها بالتبعية والطاعة، ذلك ان التعاون معناه الاعتراف بالاخر والثقة به، وهو الوسيلة الطبيعية التي لا يمكن بغيرها النجاح في نقل الحضارة والديمقراطية بافتراض ان هذا النقل عملية مجردة من اية رغبة في السيطرة على الاخر.
ولنلاحظ ان قناة «الحرة» لا تنطلق من احترام العرب والمسلمين وابداء الرغبة في التعاون معهم بغرض افادتهم من الحرية والديمقراطية التي يعيشها الاميركيون، بل من الافتراض مسبقا بان العرب والمسلمين غير مؤهلين، وبحاجة لمن يعلمهم وهو ما يعني عدم الاعتراف بهم تماما كما فعلت الامبريالية من قبل، ما يقودنا الى الاستنتاج ان الشعوب العربية والمسلمة سترفض المشاريع الاميركية تماما كما رفضت الاستعمار العسكري.
نجد -اخيرا- من واجبنا الاخلاقي ان نشير على الادارة الاميركية صاحبة مشروع دمقرطة العرب بان تغير «فلسفتها» القائمة على احتقار الاخر العربي والمسلم بحيث تقيمها على قاعدة التعاون مع الشعوب العربية والمسلمة المؤهلة والمحترمة والتي يمكن الوثوق بها، فبغير ذلك ستذهب هذه المليارات من الدولارات هباءً ولن يكون للمشروع الاميركي فرصة كبيرة في النجاح، وستظل اميركا بالنسبة للشعوب العربية قبيحة وعدوانية ومتغطرسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس التنفيذي لدائرة الحلول منخفضة الكربون في -أدنوك-: أسو


.. الجزيرة ترصد مبنى الشركة المتهمة بتصدير أجهزة البيجر التي ان




.. الإعلام الإسرائيلي يناقش تداعيات اغتيال القيادي بحزب الله ال


.. تصعيد إسرائيلي ضد حزب الله.. هل نشهد غزة جديدة في بيروت؟ | #




.. الرئيس التنفيذي لدائرة الحلول منخفضة الكربون في -أدنوك-: نست