الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستجابة الكاذبة، لبنانياً، لاستغاثات مسيحيي العراق!

عاصم بدرالدين

2008 / 10 / 20
كتابات ساخرة


لكي تصير الكذبة حقيقة واقعة، يجب أن يصدقها أولاً مدعيها، أو الناطق بها، وعلى هذا النسق يستحيل دور لبنان الكبير، بحدوده الضيقة المشربكة، حماية كل أقلية تتعرض للاضطهاد، على ما يقول الرئيس السابق أمين الجميل. ومن نافلة القول أن ما يجري اليوم في العراق من قتل وتهجير عمدي للمسيحيين فيه وحشي وقاس، واستنكاره أمر لا بد منه وطبيعي جداً والعمل على منعه فعل أكثر أهمية، رغم أن هذه الأحداث تثير ذاكرتنا، محركة الماضي الراكد، باعثة صوراً سوداء تذكرنا بذاتنا، فما فعلناه في احترابنا المحلي لم يكن أقل وحشية ودناءة، ولم ننتبه ساعتذاك، على ما يبدو إلى بشاعته، حتى جئنا اليوم لكي نتحدث عن بلدنا ذي الرسالتين الإلهية والإنسانية الخالدتين!

ما يثير الريبة حقاً هذا التدافع اللبناني، وخصوصاً بين الأفرقاء المسيحيين، لاستمالة مسيحيي العالم العربي والإنفراد بالدفاع عنهم، والإدعاء أن لبنان هو نقطة الارتكاز المسيحية في الشرق والرافعة الحامية لأبنائها. بينما مسيحييه -أي مسيحيي لبنان-، وللملاحظة فقط، يعانون تعسفاً ذاتياً أشد قسوة مما يلقاه العراقيون اليوم من الآخر المسلم.

لكن المشكلة ليست في كون الدور المسيحي الريادي في لبنان قد تراجع لصالح الطوائف المسلمة بمذهبيها الأكثر نفوذاً وعدداً، على أهمية هذا الموضوع بالنسبة لمجمل الوضع المسيحي في الشرق، إنما الطامة الآنية، هي أن هذه القوى المسيحية التي تستجيب الآن، وفقط الآن!، للـ الاستغاثات التي يطلقها مسيحيي العراق، تساهم بطريقة أو بأخرى بتصفيتهم. وهذا ما تبرره الغاية المحلية لكل فئة، حتى لو كانت الوسيلة قذرة!

فمن يقتل ويهجر ويقمع ويضرب المسيحيين العرب، في فلسطين والعراق ومصر وغيرها من البلدان، هو التطرف الإسلامي ونفوذه الصاعد في الثلاثين عاماً الماضية، شيعي كان أم سني، –بعد فشل ما سمي بمشاريع التحرر الوطني ذات النزعة القومية- والمحمي غالباً من السلطات المحلية القائمة في هذه البلدان، وهنا يقف مسيحيي الوطن المقدس، بلد "الأقليات الدينية" (لبنان)، خلف هذه الدول المضطهِدة وأبنائها من الأصوليات، فيشكلون معها أحلافاً معتدلة أو ممانعة، مستفيدين من نعم النفط والأموال الطاهرة.

لنقل توكيداً أن القوات اللبنانية لا تتوانى عن مدح المملكة العربية السعودية ووقوفها إلى جانب لبنان سياسياً ومالياً ومعنوياً، بينما هذه الأخيرة تعتبر المنبع الأول للأصولية الإسلامية السنية وتكفي الفتاوى التكفيرية التي تصدر في هذا المجال، وحدها كإثبات أخلاقي.

وفي المقابل يتبجح الجنرال عون بديمقراطية إيران وإسلامها المتقبل للتعدد، في استخفافٍ مضحك للعقول، بينما ينسى أن الجمهورية الإسلامية، غير المعتدلة أبداً إزاء النظريات الدينية (والعرقية) الأخرى، تشكل المرجع الأصل للتطرف الشيعي في العراق ولبنان وبعض دول الخليج العربي، حيث ينظر للمسيحي دائماً على أنه خارج عن الصراط المستقيم ويستوجب ذبحه فديةً للقضية الميتافيزيقي.

أما مصر والتي زارها مؤخراً قائد القوات اللبنانية بصفتها دولة داعمة لاستقلال لبنان وسيادته، وبصفته قائداً مسيحياً مؤثراً، فهي تشكل الصدمة لأي متابع، فحتى من يسمو أنفسهم بالمثقفين اليساريين المعارضين للنظام المباركي القائم، لا يستنكفوا عن الوقوف في وجه المسيحية كدين غريب عن ارض الفراعنة ويمارسون عليها "ديكتاتورية الأكثرية" (وليس ديمقراطية الأكثرية) البغيضة في الشارع(أي العلاقات بين الناس) أو على المستوى العام(العلاقات بين المثقفين)، وما الحوادث الأمنية الأخيرة والتعامل السلبي والمؤسف معها من قبل وسائل إعلامية يسارية معارضة كجريدة الدستور إلا دليلاً بسيطاً على هذه الفكرة. أما الحزب الحاكم، فيمتص دمائهم حتى النقطة الأخيرة (ويحرمهم من حقوقهم الأساسية ككل الدول العربية) ليعلنوا الولاء الأبدي له، ولوريثه القادم جمال، بحيث أن التصريحات الرسمية لبعض رجالات الكنيسة القبطية تشي بذلك بشكل جلي.

إن الأزمة لا تكمن طبعاً، في الثقافة المسيحية "المنغلقة"(!)، وهي ما انغلقت على نفسها تقوقعاً إلا جبراً وغصباً، إنما تكمن في تدهور الطباع المسلمة والنفخ الدائم في الأهواء المتطرفة، والانتفاخ الديني المتعاظم في الشرق الأوسط. لذا، وإن كنا نريد أن نحمي ما تبقى من المسيحيين ليعيشوا في أوطانهم أحراراً بقيم مواطنيه صرفة، حالهم حال جميع أبناء البلد(مع أن البلد كله يعيش تحت سوط التعسف)، لا على أنهم أهل ذمة، يجب علينا محاربة هذا الوجه المتطرف، والأكثر شيوعاً، للإسلام.. وأولاً، ولأننا بلد يقتصر دوره، كما اكتشفنا مؤخراً، على حماية الأقليات المضطهدة، يجب أن نبدأ من مجتمعنا المدجج بالأصوليات الدينية المتطرفة جنوباً وشمالاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??