الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطفولة...ضحية العنف المبررْ للأهل والمجتمع

انتصار الميالي

2008 / 10 / 20
حقوق الاطفال والشبيبة


لقد بات اليوم من الثابت أصولا أن الطريقة التي يعامل بها الإنسان في محيطه الأقرب طوال طفولته المبكرة تشرط الاستعدادات التي يبديها حيال الآخرين عندما يبلغ سن الرشد اشراطاً قوياً. أن "سوء معاملة" الأطفال هو واحد من أكثر أعمال العنف انتشاراً في مجتمعاتنا.في كل مكان من العالم،يكابد الأطفال لطم أهاليهم وأساتذتهم وضربهم، إذ تعتبر القصاصات والعقوبات البدنية- كالضرب الآليتين والصفعات والضربات- التي يكون الأطفال ضحاياها الأبرياء وسائل تأديبية مشروعة تستعمل"لخيرهم"، كما يعتبر عموماً أن المربي الذي يضرب طفلا أنما يؤدبه تأديباً "حسناً" وهذا لأنه، كما يقال "القصاص على قدر المحبة" ! وبهذا لا يتم تغييب الآلام التي تنزل بحق الأطفال وحسب،بل وتنكر أيضا. ففي مجتمعاتنا كلها،يسود "إنكار" حقيقي لمعاناة الأطفال.وغالباً أيضاً ما يبرأ الأهل والمربون من أعمال العنف التي ينزلونها بالأطفال، بحيث يقع الذنب كله على الأطفال أنفسهم. أن هؤلاء،في المحصلة،هم الذين ينعتون "بالسيئين" و"الأشرار".!
في الواقع،تخلف أعمال العنف في نفوس الأطفال رضوضاً خطيرة تسم حياتهم الوجدانية والنفسانية وسماً مستديماً،أن العلاقات الأولى التي يعيشها صغير الإنسان مع أقربائه تسهم أسهاما حاسماً في بناء هويته وتجسد مقدماً،في جانب كبير منها،العلاقات التي سيُقيمها بنفسه لاحقاً مع الآخرين.الطفل المعنف مهدد جداً بأن يصير عنيفاً عندما يكبر، والطفل المهان مهدد جداً كذلك بأن يعدم معرفة كيفية احترام الآخرين. ولسوف يميل إلى معاملة الآخرين على النحو الذي عومل به،كما لو كان يريد الانتقام مما كابده. ليس مقضياً عليه حتماً أن يكون عليه حتماً أن يكون عنيفاً،لكنه سيكون على استعداد مسبق قوي لأن يصير كذلك.بالإضافة إلى ذلك، سيسهل على الإيديولوجيات التي تعلم احتقار الإنسان الآخر تجنيده،وسيكون مهيئا للخضوع المنفعل للدعاوات التي تحض على القتل.
في المقابل،إذا كان صغير الإنسان محترماً ومحبوباً في محيطه، فسيكون عندئذ مستعداً سلفاً لاحترام الآخرين وحبهم كما لو كان يريد التعبير عن " امتنانه".
وستكون حظوظه عندئذ أوفر في أن يجد في دخيلته القوة على مقاومة الإغراءات الجماعية التي تسوق إلى احتقار الآخرين وكراهيتهم وقتلهم.
الطفل سلفاً كائن ذو حاجات ودوافع ورغبات،وطبيعة الطفل تجسد مسبقاً ما ستكونه طبيعة الإنسان،بطبيعته، نزوعٌ إلى الشر ومستعد للخير في آن واحد،فهو في الوقت نفسه،قابل للصلاح وللطلاح.ففي اجتماع الضدين هذا، تحديدا، تكمن حريته،وبالتالي،مسؤوليته.
أن هذا النزوع الطبيعي لدى الإنسان إلى الخبث وذلك لاستعداد الذي لا يقل طبيعية،إلى الحسنى مستقلان عن المعاملة التي يلقاها الطفل.وان نزوع الراشد إلى العنف ليس عاقبة الرضوض التي يكابدها في طفولته وحسب، ففي الواقع ليس قطعاً صحيحاً أن الطفل "بريء" تماماً.بالمثل، لا يجوز لنا الدفاع عن الفرضية القاتلة بأن صغير الإنسان،مادام محترماً محبوباً من أهله،سوف يكون "مبرمجاً" بمعنى ما،على فعل الخير وسيعدم كل نزوع إلى الشهر.أن سر الشر – علة مأساة الوجود البشري- لا يذعن لتفسيرٍ بهذه السهولة.
وحتى لو كان الطفل محبوباً ومحترماً،فإن الذي سيصير إليه هو كائن ذو مطامع ورغبات وشهوات،وسيصعب عليه دائما التغلب على قوى الثقالة هذه طبيعته ليقوى على أظهار الطيبة للإنسان الآخر.وهكذا تصادف الأيديولوجيات القائمة على إقصاء الإنسان الآخر في كل فرد تواطؤاً طبيعياً متأصلاً في دوافعه.
يحتاج الطفل،لكي يبني شخصيته،إلى مواجهة سلطة الراشدين الذين يصدونه بحدودٍ ونواهٍ. لكن هذه السلطة تضلُ عندما يبتغي تأكيد قدرتها بواسطة العنف، سواء كان تعنيفاً بالضرب أو بالإذلال. ليس العنف تأديباً، وهو، في حد ذاته، أخفاق للتربية.أن تحريم ضرب الطفل أو تكبيده معاملة مهينة، بحجة تربيته تربية أفضل، يجب أن يكرس مبدأ لا يمس مطلقاً. وأن أحدى كبرى المهمات المنوطة بالأجيال القادمة هي استئصال شأفة العنف المكبد للأطفال. وانه لتحدٍ حقيقي، رهانه حاسم لمستقبل البشرية نفسه.ولمستقبل كل الشعوب التي تناضل من اجل حريتها وبناء الأفضل لمستقبلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد منح اليونسكو جائزة حرية الصحافة إلى الصحفيين الفلسطينيين


.. الأمم المتحدة التوغل في رفح سيعرض حياة الآلاف للخطر




.. السلطات التونسية تنقل المهاجرين إلى خارج العاصمة.. وأزمة متو


.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص




.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة