الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات السورية- الإيرانية 2/2

أشواق عباس

2008 / 10 / 20
السياسة والعلاقات الدولية


هل يمكن إنهاء التحالف السوري-الإيراني على خلفية التحولات التي تشهدها المنطقة حالياً.
للإجابة على هذا السؤال تجدر الإشارة أولاً إلى جملة من النقاط الأساسية التي يجب أخذها بالحسبان عند دراسة العلاقات السورية الإيرانية. وهي أن هذه العلاقات باتت إستراتيجية بين البلدين، لكنها في المقابل ليست حلفاً بالمعنى الرسمي للكلمة، فكلا البلدين وجدا في الآخر ترياقا يمكن أن يمده بأوراق إضافية من شأنها أن تفيده في مواجهة خصومه. فالعلاقات بينهما إلتزمت بجملة من الثوابت الإستراتيجية، التي عكست مظاهرها في كثير من المناحي السياسية، وتجاوزت بمهارة مجموعة طويلة من التحديات والمطبات الإقليمية، وتمكنت من مقاومة كافة المحاولات التي استهدفت فك الارتباط والتلاحم بينهما تمهيداً لتصفية قائمة من الحسابات الدولية مع هذا الطرف أو ذاك، على الرغم من حساسية البيئة التي تحيط بالدولتين. بعبارة أخرى تمكنت دمشق وطهران من الإحتفاظ بحيوية علاقاتهما الثنائية وقاومت سلسلة من الضغوط، ونجحت في تجاوز حزمة من الصعوبات، استناداً إلى ارتباط مصير كل دولة بالأخرى, من زاوية أنَّ تفكيك عوامل القوة ونزع أوراق المناورة لدى واحدة يمهد الطريق للنيل من الثانية بوسائل متعددة.
فقد وضعتهما الولايات المتحدة في سلة عدائية واحدة تقريباً، بعد ضمهما إلى قائمة ما يسمى بالدول المارقة، أي الرافضة للتصورات والسياسات الأمريكية في المنطقة، وبالتالي تولدت حاجة كبيرة للإقصاء وعزيمة جامحة في التطويق، أملاً في التدجين ورغبةً في إعادة تشكيل واقع يتخلى عن شعارات وأدبيات مرحلة تعتبرها كثير من الأوساط الأمريكية تم تخطيها. لذلك تعرض البلدان، وما زالا، لضغوط مختلفة، رضخا أحياناً لبعضها وقاوما معظمها، لكن في الحصيلة قدَّم كل منهما تنازلات صعبة، كان من الصعوبة توقعها في ظروف مغايرة. فسوريا قبلت على مضض بانسحاب قواتها من لبنان، وتكيفت إيران مع معطيات الاحتلال الأمريكي للعراق، وساهم التطوران الدقيقان في خلق مناخ جديد، أفضت تداعياته الواضحة الى تحول في كثير من المفاهيم التي من الراجح أن ترخي بأثقالها على مكامن الصمود في العلاقات بين دمشق وطهران. فالممانعة السورية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والمكانة الإقليمية لسوريا هما عاملان داعمان لإيران، كما يشكل الملف النووي الإيراني (رغم عدم مشاركة إيران لسوريا به) عاملاً داعماً وورقة قوة تعتمد عليها سوريا لجهة تدعيم وضعها الإقليمي والدولي.
إلا أنه وعلى الرغم من أنَّ العلاقات السورية-الإيرانية وثيقة جداً، لكن هذه العلاقات ليست بلا حدود، فمثلاً لم تقم إيران بمشاركة سورية أو حزب الله في المعرفة النووية التي تمتلكها، أو تكنولوجيا الصواريخ المتطورة. كما أنَّ كلاً من دمشق وطهران لم يتورط عسكرياً أبداً بشكل مباشر في مواجهة يخوضها الطرف الآخر. مثل هذه الإشارات تؤكد أن العلاقة بين البلدين هي علاقة «مصلحة»، وأنَّ الظروف التي مرا بها هي التي أدت إلى هذا التحالف. ناهيك عن أنَّ العلاقات بينهما لم تسر على نمط واحد، ففي البداية كانت سوريا (في عهد حافظ الأسد) هي التي تقدم الدعم السياسي لإيران، ولها اليد الطولى في العلاقة (دعم دمشق للثورة الإسلامية في إيران 1979). الآن إيران هي التي لها اليد الطولى في دعم سوريا، لاسيما في ضوء العزل الدولي الذي تعرضت له، والقوة الإيرانية اليوم.
ما يمكن أن نصف به العلاقات بين البلدين هو "زواج مصلحة"، له حدود ويمكن تجاوزه، وربما من هنا جاء الحديث عن خطط فك حلقة التحالف بين طهران ودمشق. لكن التحدي أمام سيناريو «إغراء الحلقة الأضعف»، سوريا، هو أنَّ الإدارة الأمريكية وإسرائيل لا تبدوان مستعدتين، ولم تطرحا على الإطلاق فكرة مشروع شامل للسلام في المنطقة. فهما لا تودان أن تبدأ الخطوة الأولى بدون إشارة ما من سوريا على فك ارتباطها بإيران، كما أنَّ إدارة بوش لم تكن لديها أي خطط واضحة المعالم للعلاقات مع سورية، وكذلك سيكون عليه الحال تجاه الإدارة الأمريكية الجديدة بغض النظر عمن يصل إلى البيت الأبيض. لذلك يُعتقد أنَّ المشروع المفترض لفك علاقات دمشق وطهران مجرد تمنيات، وتفكير ساذج من أعضاء داخل الإدارة الأمريكية تعتقد أنها قادرة على فك الروابط بين دمشق وطهران.
إنَّ مسألة حصول انقسام سوري – إيراني، وتغيير سوريا لتوجهات تحالفاتها باتجاه الغرب، والابتعاد عن إيران بسبب تصاعد الضغوط عليها بسبب ملفها النووي، مسألة غير ممكنة في الفترة المقبلة (على الأقل). فالتحالف السوري الإيراني «استراتيجي»، وهما يؤلفان معاَ، بالإضافة إلى قوى أخرى في المنطقة محور ممانعة لأي مشروع خارجي لا يأخذ بالحسبان مصالح شعوب المنطقة، وبالتالي فإنَّ سوريا وإيران تواجهان المشروع الأمريكي، والحديث عن دق إسفين في العلاقات السوريةـ الإيرانية هو محض أمنيات أمريكية، ولا إمكانية واقعية لتحققه.
حتى في حال افتراض عودة أقنية الحوار بين سوريا وأميركا، فإنَّ ذلك لن يعني أي خلل في العلاقات السورية الإيرانية. فدمشق لا ترفض الحوار مع واشنطن من حيث المبدأ، بل ترغب بهذا الحوار، لكن هذه الرغبة مقترنة لديها بوضع رزمة من الحلول لكافة القضايا، وهو ما لا ترغب به أميركا وتصر على كسر محور الممانعة عبر إضعاف حزب الله والفصائل الفلسطينية، ومن ثم السعي نحو فك ارتباط سورية وإيران، ببث شائعات والتلويح تارة بصفقات بين سورية وأميركا، وتارة بين أميركا وإيران. وكلما ازدادت المحاولات الأمريكية في هذا الاتجاه زاد التحالف السوري ـ الإيراني التحاماً.
هذا لا يعني في المقابل أن مسار العلاقات السورية – الإيرانية لا يمكن أن يتغير، بل هو قابل لذلك، ولكن ليس في المنظور المستقبلي القريب. وهو أمر مرهون فقد بتباعد مصالح البلدين، فالمصالح السورية-الإيرانية تتقاطع اليوم جداً، بل إنها الآن في أقوى حالاتها، لاسيما في ضوء الظروف الإقليمية والدولية لكلا البلدين. فمع وجود سورية وإيران تحت الضغوط من أميركا وأوروبا ......الخ، فإن البلدين يتحالفان طبيعياً معاً. لكن عندما كان الوضع الإقليمي هادئاً، مثلاً، مثلما كان الوضع عليه في التسعينات، خلال عملية سلام الشرق الأوسط، فإن العلاقات بين إيران وسورية كانت أقل تماسكاً، لذلك يمكن القول أن العلاقات يمكن أن تتغير، ولكن ليس في المنظور القريب أبداً. ويمكن لنا هنا الإشارة إلى ما تحاول الولايات المتحدة القيام به لجهة إضعاف هذا التحالف، وتتزايد أهمية هذا الاتجاه، في ظل أربعة ملامح:
 أولها ميل الولايات المتحدة إلى الاعتماد على إيران في حفظ أمن العراق وتطويق المقاومة التي تقودها قوى سنية فاعلة ، وفي هذه الحالة يمكن إثارة غضب سورية التي تراهن على المقاومة في تغيير كثير من أنماط السياسة الأمريكية.
 ثانيها تصاعد النفوذ الإيراني في العراق ودوره في التأثير على بعض التوازنات التي تستفيد منها سورية بصورة غير مباشرة.
 ثالثها تعميق التحالف بين الشيعة والأكراد وتفاهمهما على أهمية الدور الإيراني الذي لا يمانع في إقرار الفيدرالية باعتبارها تحقق مصلحة إيران في إضعاف الدولة العراقية، في حين يمثل ذلك تهديدا للمصالح السورية.
 رابعها الغياب اللافت للدور السوري والعربي بشكل عام عن العراق، وهو ما جعل بعض الخبراء لا يستبعد عودة واسعة لجدليات الخلاف بين السنة والشيعة، خاصة أن طهران عازمة على ترسيخ نفوذها، الأمر الذى قد يؤدي إلى خلق بؤر لحساسيات غير مبررة، وفي هذا المجال يعتقد بعض الخبراء أن الانسحاب السوري من لبنان أضعف دمشق لحساب طهران، التي سوف تتزايد مكانتها كراعية للطائفة الشيعية وحزب الله في لبنان.
إنَّ حدوث تغيّر في العلاقات السورية – الإيرانية في الوقت الراهن مسألة صعبة. فهذا يتطلب تحولاً جوهرياَ في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، من أجل إقناع سوريا بكسر حلقة وصلها مع طهران، أو على الجانب الآخر أن تتغير سوريا داخلياً. بمعنى آخر سيكون على واشنطن أن تحوّل بشكل جذري سياساتها حيال سوريا، أو أن تقوم سوريا بالموافقة على المطالب الأمريكية المتعلقة بحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية وإيران، وكلا الخيارين غير وارد في هذه الفترة، بل على العكس مواقف كل من واشنطن ودمشق تزداد حدة حيال الطرف الآخر، فأميركا ترى سوريا محركاً للازمة الحالية، وسوريا ترى أميركا تتحرك بدافع من إسرائيل. وبالتالي عملية فك الارتباط بين طهران ودمشق غير واقعي في الوقت الراهن، فالمخاطر التي تواجه البلدين توحدهما وهي أميركا وإسرائيل، فطالما ظلت إسرائيل متمسكة بهضبة الجولان، وليست لديها خطط للدخول في مفاوضات حقيقية لإعادة الجولان إلى سوريا، فإنَّ لدمشق مصالح في الإبقاء على علاقاتها دافئة مع طهران. وطالما بقيت الدول العربية تشن هجوماً ضد ما تسميه بالنفوذ الإيراني في المنطقة، فإنَّ لإيران مصالح في الإبقاء على علاقات دافئة مع سوريا.

لا بد أن تتغير الكثير من الظروف الإقليمية والدولية المتشابكة، لكي تغيّر سوريا تحالفاتها مع إيران، لكن هذا غير ممكن في الوقت الراهن. لذلك تبدو فكرة فك «زواج المصلحة» بين إيران وسورية مستبعدة، خصوصاً أن كل الأطراف تلعب بورقة الوقت والانتظار، وليس هناك «صفقة مغرية» مطروحة قد تغري دمشق أو طهران بفك ارتباطهما الذي يبدو مربحاً على الأقل في الوقت الراهن. فسوريا تراهن اليوم على سياسة "الوقت"، وإذا استطاعت الانتظار لحين إضعاف الولايات المتحدة أكثر في منطقة الشرق الأوسط، أو انتهاء الولاية الثانية لبوش، فيمكن لها أن تخرج كمنتصر، فهي لا تبحث عن المواجهة، بقدر ما تريد أن تخرج منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا