الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كركوك بالتأكيد مدينة عراقية ولكن....

درويش محمى

2008 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


عمداً أو ربما عن "طيب خاطر", نجد معظم من تعرض لقضية كركوك, اعتبرها قضية نزاع بين طرفين كردي واخر عراقي, مثل هكذا طرح وتوجه وبغض النظر عن الغاية منه, لا يتميز بالدقة ولا يعكس الحقيقة لسبب بسيط جداً وهو عدم وجود اي وجه للتناقض بين كردستانية كركوك وعراقيتها كمدينة وكمحافظة, فالمدن والمحافظات التابعة اليوم لاقليم كردستان, كأربيل ودهوك وسليمانية, تعتبر مدناً ومحافظات عراقية وكردستانية في الوقت ذاته, ولا تناقض قانونياً دستورياً في حقيقة التبعية المزدوجة لتلك المدن .
الصراع على هوية كركوك, لا يخرج عن كونه صراعا كرديا ¯ عربيا والى حد ما تركماني اثني بحت, ولا يمكن بأي حال من الاحوال, اعتباره صراعاً عراقياً - كردياً كما يحلو للبعض تسويقه للرأي العام, وباعتبار الصراع على كركوك يدور ضمن اطار ما يسمى بالعراق الدستوري الفيدرالي الديمقراطي الموحد, لذا لا مناص من العمل لاعادة الامور الى نصابها, ورفع الغبن الذي تعرضت له المحافظة الكردية من تغيير قسري لتركيبتها الديموغرافية, ولا مناص كذلك, من اعتماد واتباع اليات دستورية في حل مشكلة كركوك المستعصية, والمشرع العراقي فصل "مشكوراً" في امر تبعية المحافظات العراقية وخصوصاً تلك المتنازع عليها, اذاً لما كل هذا التعقيد? واين هو الاشكال ?
الوثائق البريطانية وقبلها الوثائق العثمانية, تؤكد حقيقة كردستانية كركوك كمدينة وكمحافظة على حد سواء, كذلك الحال بالنسبة للاحصاء السكاني العراقي للعام 1957, فهو يؤكد بارقامه العربية الواضحة كردستانية محافظة كركوك, اما عمليات التعريب التي طالت كركوك وضواحيها, على مدى اكثر من ثلاثة عقود من العهد القومي للجمهورية العراقية, من تهجير قسري للسكان الكرد وجلب سكان عرب وتوطينهم في كركوك, بالاضافة الى التقطيع المتعمد لحدود المحافظة المتنازع عليها, بهدف تسهيل عملية التعريب العنصرية السيئة الصيت, أضحت اليوم حقيقة مؤلمة لا ينكرها احد, والمشرع العراقي الذي ترك أمر تقرير مصير محافظة كركوك في ايدي ابنائها, بعد تطبيع الاوضاع وعودة المهجرين طبعاً - وفق ما ورد في المادة 140 من الدستور العراقي ¯ لا يتميز فقط بعدالته وشرعيته, بل يعطي الحق للكرد العراقيين في المطالبة بضم كركوك لاقليمهم, والزام العرب العراقيين بالرضوخ للمطلب الكردي والعمل على تحقيقه, لان العملية الجارية في العراق الجديد, ينبغي ان تشمل رفع كل المظالم التي وقعت في زمن الاستبداد البعثي, وما تعرضت له كركوك من انتهاكات انسانية واخلاقية, تعتبر بحق من اشد المظالم واقساها على الاطلاق في تاريخ العراق .
لا شك ان ازمة كركوك قديمة وتعود بجذورها الى عراق ما قبل العام 2003, لكن بقاء الازمة واستمرارها, مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفكر القومي العروبي المتفشي حتى العظم لدى معظم العراقيين العرب, اذ نجد العامة منهم والخاصة, وعلى اختلاف توجهاتهم ومشاربهم وانتماءاتهم السياسية والطائفية, لا يدركون ان كرد "العراق"هم اصل البلاء الذي ألم بقطرهم العراقي, والكرد بالتحديد لا اتباع عمر ولا اتباع علي, هم السبب الرئيسي وراء كل الازمات والمحن التي اجتاحت بلاد "بابل" لاكثر من نصف قرن, والكرد من مواطني "شمالهم الحبيب", هم دون غيرهم من يقف وراء الحروب المتلاحقة التي المت بالعراق, وهم السبب في الخلل الحاصل في التركيبة السكانية العراقية ذات الغالبية النسوية, والكرد بتمردهم على بغداد هم من دفعوا بالنظام العراقي السابق, لتبذير البلايين من العملة الصعبة لشراء الاسلحة الحربية بانواعها التقليدية منها والكيماوية, ولولا العصيان الكردي على المركز بغداد, لما احتل العراق الكويت, ولا برز نجم صدام القائد الضرورة, ولا اعدم القائد فيما بعد, ولا بكت عليه امة العرب, ولا زغردت نساؤهم لمقتله او بالاحرى "استشهاده", ولولا الكرد وقضيتهم العادلة واصرارهم على احقاق حقوقهم, لما"سقطت" بغداد ولا وجد اربعة ملايين عراقي انفسهم في المهجر, ولولا احفاد صلاح الدين الايوبي من الكرد العراقيين, لربما كان العراق الغني بثرواته وموارده مثله مثل دول الخليج اليوم, ينعم بالرخاء والاستقرار والخير الكثير .
الاثار الوخيمة لسياسة الارض المحروقة التي مورست ضد الكرد خلال وما قبل الحقبة البعثية, كانت شاملة واصابت العراق كل العراق, بعربه قبل كرده, ومن المؤسف اليوم, ان يتعامل المركز بغداد, حكومة وبرلماناً وشعباً, مع قضية تعريب كركوك بنفس قوموي ونزعة عروبية مفرطة, وبعقلية الماضي لا المستقبل, رغم الكم الهائل من العبر القاسية والذكريات الاليمة في صفحات التعامل الخاطئ مع الملف الكردي, واصرار بغداد اليوم على التمسك بالانتصارات القومية المجيدة "الغابرة" في ربوع كردستان العراق, والتي انجزت في عهد النظام السابق وبفضله, من تعريب وتخريب لكركوك وضواحيها, من المرجح ان تؤدي بالازمة الى المزيد من التعقيد والاضطراب, وليس من المستبعد ان تنتهي مشكلة كركوك بحرب اهلية داخلية, سيكون من الصعب حينها, التكهن بمن سيكون الخاسر الاكبر, لكن من المؤكد, لن يكون هناك طرف رابح مطلقاً .
معضلة كركوك تعتبر المحك الحقيقي الذي يمكن من خلاله استشراف مستقبل العراق وشعبه, كما تعتبر"كجسر الصلاة" الواصل بين العراق القديم والنعيم العراقي الجديد, فإما اختيار العراق الجديد الديمقراطي الفيدرالي الحر, كما هو معلن ومتفق عليه, وبالتالي الالتزام بالدستور العراقي بجميع مواده ومن ضمنها المادة 140, التي تضمن حلا عادلا للازمة المستعصية, وإما اختيار عراق الماضي بويلاته واختلافاته وقيمه وثقافته العروبية المميتة .
حل ازمة كركوك او استفحالها, امر يتوقف برمته على ارادة العراقيين العرب, ورغبتهم في فتح صفحة عراقية جديدة, تقوم على مشاركة حقيقية بينهم وبين شركائهم في الوطن من الكرد, وعلى مدى قدرتهم على التخلص من التركة الايديولوجية القومجية النتنة, فهل ستتغلب يا ترى, النزعة العراقية لدى عرب العراق على نزعتهم القومية ? وهل يدرك اهل البصرة واهل الفلوجة ان ازدهار اربيل الكردية واستقرارها هو بداية الطريق لازدهار العراق كل العراق ? وكركوك بالتأكيد مدينة عراقية لكنها ليست عربية, والفارق كبير بين هذا وذاك, وكركوك من دون ادنى شك عراقية, لكنها كردستانية, ولا غرابة ولا تناقض في ذلك, اليس كذلك ?








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا