الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أقنعة و حقائق

أزهار الصفا

2008 / 10 / 21
الادب والفن


كان يحفر في إحدى المقابر , في القرية , عندما مر من جانبه شابان , كانا يقومان بزيارة لصديقهما الذي يقوم ببناء "فيللا" له , خلف المقبرة , ودون معرفة مسبقة لهما بحفار القبور "فاتح" , قام أحدهما بتجميع ما يحتوي عليه فمه من لعاب , و بأقصى قوته بصق , و باتجاه فاتح ,متجها فمه . لم يعلم فاتح إن كان تصرف زياد هذا , تصرف عفوي أم مقصود , حاصة أن الحادثة هذه ليست أول مرة تحدث معه من قبل . فأكثر من شخص وجلهم يكونون بزيارة لنفس الشخص "سعيد" مالك الفيللا القريبة ... ظن فاتح أن سعيد يدفع زواره لأن يضايقوه , لذلك , قرر التقرب منه , عله يجد حلا مع الشبان , ويعرف سر البصقات المتتالية الموجهة صوبه .دون أن يعرفه أحد من أصحاب تلك البصقات , أو حتى يعرف من أين جاء, و من هو ,وما اسمه . وكل ما يعرفه فاتح أنه : مجرد مرور شاب من أمامه , ينظر إليه نظرة تصغير وتحقير , وفي أقل الحالات يتلافى وجوده .


وفعلا ... تقرب فاتح من سعيد و استغرب كثيرا ,لما وجد من طيبة قلب سعيد , و تواضع أخلاقه . على عكس زواره . وعندما سأله فاتح ,عن سبب تصرف أصدقائه أجابه :
_ أناس يركضون وراء المال ... ويعبدون ملاكه .!
توالت الأيام , وكلمات سعيد تنخر في ذهن فاتح مكانا لها , حتى جاء اليوم الذي عرف به فتاة تدعى سمية . أثبتت له صحة نظرية سعيد , فسمية فتاة باهر جمالها , و تسكنها الطيبة , و يتخذ الأدب من سلوكها ملجأ له . كانت تتردد على المقبرة , لزيارة قبر شقيقها الذي توفي في الآونة الأخيرة بحادث سير مؤسف . اشتعلت رغبة فاتح بالتحدث إليها , خاصة أنها عاملته بالأيام التي جاءت بها إلى المقبرة , بلطف بالغ , على عكس جميع زوار المقبرة , أو المارين منها . ذات يوم , اقتربت منه طالبة بعضا من الماء ,لترش القبر ... فرح فاتح وبينه وبين نفسه قال:
_" جاءت بقدميها عندي ".
ثم سألها :
_ ما قصتك و هذا القبر ؟؟
سبحت الدمعة في شطآن الحزن داخل محيط عينيها . وقالت:
_ كنا ننتظره حتى يكبر . كي ينتشلنا من الذل الذي أغرقنا الفقر به .
ووقفت ذاكرتها عند أعتاب أيام ماضية , تراقب من خلالها كيف كان جميع الشبان الذين يتقدمون لخطبتها , يرفضون الزواج بها , بسبب فقر حال أهلها , وسكنهم في بيت صغير , يغطيه لوح من "الزينكو" ويفترشه التراب , ويرثى للحياة فيه . وكم من شاب شده جمالها , وقتله سحر عينيها , وتراجع عنها عندما أدرك فقرها .


نظرت سمية إلى عيون فاتح , تلك العيون التي يملؤها الشعور ذاته ... الذل بسبب الفقر ... وقالت له , محاولة مبادلته بعضا من حاله :
_ عندما يكون الإنسان فقيرا , يهينه الناس دون أن يكترثوا بمشاعره , وكأنه بلا إحساس , فالناس لا يهابون الفقير مهما بلغت قوته . وبما أنه لا يملك المال ؛ فهو لا يعنيهم أمره , لأن المال هو السلطان .
اقتربت بكلماتها من جرح فاتح و آلامه , و لأول مرة في حياته , شعر بأن هناك طبقة تسمى الكادحين والفقراء , يجتمعون حول مائدة واحدة , ويأكلون من ذات الصحن , من المذلة و الإهانة , وعلى رأس هؤلاء , تقف سمية ,التي تسانده وتحترم مكانته , بالرغم من انعدام مكانة جيوبه .

عادت سمية إلى منزلها , دون أن يؤثر عليها فاتح ... أما هو : الذي عاد للحفر... ولا يزال يفكر بكلام سمية عقله , ومنطقها الذي يتظلل بحكمة عقلها الواعي ... وإذا بفأسه الذي زرعه بالأرض بضربة غل و وجع , يتحول إلى ضربة حظ وسعادة . و يصطدم بشيء ما يصدر أصواتا .فكر فاتح وللوهلة الأولى أنها أصوات جماجم تتكسر بفأسه , ارتعب و ابتعد عن المكان قليلا ,حتى هدأت نفسيته . ومن جديد عاود الحفر في نفس المكان , ليعرف سر الأصوات الصادرة هذه , حتى ظهر له سطح بني غامق , ذو لمعة لم يغسل التراب منها شيئا , سارع الحفر حتى استبان له أن ما في الأرض هو صندوق خشبي مقفل . قفز إلى داخل القبر و بإزميله , حدد مكان الصندوق من جميع الجوانب , وأخرجه –بصعوبة- وبدأ يمسح ما عليه من تراب . خرج من القبر حاملا معه الصندوق مندهشا بما وجد واتجه نحو غرفته بسرعة تفوق سرعة الريح ... وضع ازميله على القفل وبدأ يضرب رأس الأزميل بالشاكوش ,حتى فُتح القفل , وصُعق نظر فاتح بما وجد ... الصندوق ممتلئ بالمجوهرات الثمينة , من مصاغ و ذهب, و الماس .

بدل فاتح ملابسه واتجه نحو المدينة , وبالتحديد : إلى أحد تجار المجوهرات , ليتعرف أصل ما في الصندوق . وذُهل فاتح عندما أخبره التاجر بأنها مجوهرات حقيقية . و أنها ثمينة جدا .
خرج من عند التاجر , وجلس يريح قدميه ,على أحد المقاعد المزروعة بجانب أرصفة شوارع المدينة , يحتضن الصندوق بين يديه , ويتأمل ما به من مجوهرات , حتى سقطت عيناه على سوار , يخطف الأنظار ببريقه ...فانتشلته يداه , وانتشلت معه عدة قطع , قائلا مع نفسه :
_" هذه لا تليق إلا على جمال سمية ".
وضع ما أخرجه من الصندوق داخل محرمة قماش مطرز عليها ثلاث وردات حمر , و ربطها جيدا قبل أن يضعها بجيبه ويتجه صوب تاجر آخر يبيع عنده ما تبقى في الصندوق .

بعد وقت وجيز , خرج من عند التاجر يحمل كيسا ممتلأ بالنقود . فرحا سعيدا بما أنجزه ...نظر من حوله وهو يفكر مع نفسه: أين يذهب؟؟ وماذا سيفعل ؟؟. وأخيرا قرر : بعد أن أصبحت تنام السعادة في قلب أحلامه , لم يجد سوى للقرية التي أهانته موعدا معها , كي ينهي بعض الأعمال هناك . وأول هذه الأعمال : حديثا مع سمية , فبعد أن جاءت لزيارة المقبرة , فتح حديثا معها :
_ لو تقدمت لخطبتك , أتوافقين علي ؟
_ ولماذا أرفضك ؟ الإنسان الأصيل بأخلاقه وليس بعمله أو ماله.
_ وإن علمت بأنني ثري؟ أتصرين على قرارك أم تغيرين رأيك ؟؟
نظرت إليه بعيون تستخف كلامه وقالت :
_ طبعا لا أوافق لأنك حينها ستكون من الطبقات المتعالية التي تستمتع بإهانة الآخرين .
أُعجب فاتح بقناعة سمية ,تلك القناعة ,التي تنبع من تجربتها وخبرتها الطويلة بأهل قريتها المُنساقين وراء المادة وأهلها . و فعلا . قرر خطبتها ولكنّه أجل الموضوع إلى بعد إنجاز مهمة أخيرة , وهي : الطلب من سعيد بيعه الفيللا التي يبني بها . وأن يقوم سعيد بإخبار جميع زواره بأنها من الأساس ملك لفاتح .الشاب الشديد التواضع . الشديد الغنى . وافق سعيد على مطلب فاتح . الذي أصبح يمتلك الفيللا . كما أصبح يمتلك اهتمام عيون ونظرات و أحاديث الناس أنفسهم الذين كانوا يبصقون بجانبه عندما كانوا يمرون من أمامه في القرية . حينما كان فقيرا معدما .
في أحد الأيام المشرقة بهجتها على قلب فاتح . وبينما كان يقف مع سعيد و زياد الذي أهانه بأيام فقره. ابتسم سعيد واقترب من أذن فاتح هامسا:
_ الآن, أصبح لديك معجبين مثلي . ولن يضايقك هؤلاء الشباب , باحتقارهم لقيمتك . كما في السابق .
ابتسم فاتح ابتسامة صفراء وقال :
_ ولكن الفرق بيننا أنني أعرف معدن هؤلاء المنافقين الطامعين وأعرف جيدا صديقي من عدوي , ومن هو يحبني فعلا ومن هو يجاملني لمالي . ليس مثلك ولدت وفي فمك ملعقة من ذهب , ويحيط بك أناس وأناس لا تعرف قصدهم و مبتغاهم الحقيقي من صداقتك !!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب


.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج




.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت


.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال




.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب