الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية -2-

بلكميمي محمد

2008 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


2- تطور الراسمالية الكولونيالية المغربية .
في البدء اذن كان الجوهر .. كان انصهار الراسمال الفرنسي بالعمل المغربي .. لكن ذلك الجوهر ، لانه جوهر ، لايمكنه بالتالي ان يظل جامدا على حالته البدائية الاولى كجوهر .ان منطقه الخاص يدفعه الى تحقيق ذاته . فالمسالة اذن تشبه الخلية الاصلية الاولى للكائن الحي . ان جميع الكائنات الحية تبدا من خلية واحدة ، التي هي بدورها نتاج لانصهار خليتين متناقضتين : خلية جنسية ذكورية ، وخلية جنسية انثوية . ومن الخلية الواحدة المخصبة ، التي يتم فيها توحيد طرفي التناقض الذكوري – الانثوي ، تنطلق صيرورة الانقسام والتكاثر الخلوي التي تقود الى تشكيل مختلف اعضاء واطراف الجسم الحي .
ان تخصيب العمل المغربي بواسطة الراسمال الفرنسي ، شبيه بتخصيب بويضة المراة بواسطة سبيرماطوزويدات الرجل مع هذا الفرق : وهو ان التخصيب الثاني تخصيب طبيعي ، ولذلك يشعر فيه اطرافه بالانجذاب الى بعضهما البعض ، وبالمتعة الجنسية . بينما التخصيب الاول هو تخصيب فوق –طبيعي ، أي اجتماعي، ولذلك لايتم تحقيقه الا بقوة الحديد والنار .
من الجوهر .. من الخلية الاولى المخصبة .. من انصهار الراسمال الفرنسي بالعمل المغربي ، انطلقت اذم صيرورة تشكل الراسمالية الكولونيالية .
لقد مرت تلك الصيرورة بمرحلتين اساسيتين :
أ‌- المرحلة الاولى وتمتد من سنة 1912 الى سنة 1932 : في هذه المرحلة ، كان بناء الراسمالية الكولونيالية يعني بناء الينية التحتية لتلك الراسمالية . من هنا تحددت طبيعة وشكل الراسمال الذي قاد العملية . لقد كان ذلك الراسمال في اساسه ، راسمالا عموميا . جسدته الدولة الكولونيالية ، التي كانت بدورها ممثلة لراسمالية الدولة الاحتكارية الفرنسية في المغرب .
ولهذا يمكن حصر منجزات تلك المرحلة في التالي : حفر المناجم ، تشييد الموانئ – شق الطرق والسكك الحديدية ، بناء مراكز الطاقة ، اقامة السجون ، الثكنات العسكرية ، البنايات الادارية والحكومية . بناء الاحياء السكنية للموظفين والمعمرين الفرنسيين ، الاستحواذ على اراضي الفلاحين الخصبة ، وتحويلها الى ضيعات راسمالية ( اذ منذ تلك المرحلة يمكن التحدث عن تشكل ، من حيث الجوهر ، لأراضي المعمرين لانه تمت السيطرة في ذلك الوقت من 800000 هكتار من مجموع المليون هكتار ، التي تم انتزاعه من الفلاحين المغاربة ابان الفترة الكولونيالية .)
ب‌- المرحلة الثانية وتمتد من سنة 1932 الى سنة 1956 ، اذ بمجرد ما ان انتهت الراسمالية الكولونيالية من بناء ذاتها ، على اساس الراسمال العمومي ، حتى انتقلت الى تطوير ذاتها على اساس جديد ، هو الراسمال الفرنسي الخاص .
وبالطبع فالفقيد عبد السلام المؤذن عندما قال بان الشكل العمومي الراسمالي الكولونيالي ، كان هو اساس المرحلة الاولى .. وان الشكل الخصوصي هو اساس المرحلة المرحلة الثانية ، فلا يعني بذلك غياب الثاني من المرحلة الاولى ، ولاغياب الثاني من المرحلة الاولى . وانما يقصد فقط بان لكل مرحلة تاريخية ، شكلها الراسمالي الذي يطبعها ويميزها .
لقد مر الراسمال الفرنسي الخاص نفسه في تطوره ، من مرحلتين متميزتين :
المرحلة الاولى : وتتميز بانحصاره في ثلاث انشطة رئيسية : 1- الزراعة .2- العقار 3- التجارة والمال (فلقد كان يستعمل المؤسسات البنكية والشركات التجارية ، لاغراض تامين من جهة ، عمليات تجميع وتصدير المنتوجات الزراعية والمعدنية ، ومن جهة اخرى ، استيراد المنتوجات المصنعة والطاقوية ، والسلع ذات الاستهلاك الواسع مثل : الشاي والسكر والألبسة ).
المرحلة الثانية وتتميز بانتقاله من الشكل العقاري – الخدماتي الى الشكل الصناعي .
لقد تمكن الراسمال الخاص من بناء صناعة تحويلية تتكون من سبعة انواع : 1- المواد الغذائية ..2- المعلبات ..3- الجلود..4- النسيج..5- البناء. .6- الكيمياء..7- الحديد والميكانيكا.
ان العوامل التي ساعدت على بناء ذلك النسيج الصناعي هي : 1) تراكم الراسمال الكولونيالي المحلي ووفرته في الابناك بحيث اصبح قابلا للبحث له عن منافذ استثمارية في الصناعة ..2) انجذاب الراسمال الخاص الخارجي الى المغرب ، بسبب اغراءات مالية وتجارية واجتماعية مثل : سعر قوة العمل الرخيص ، التحرر من المنافسة الاوربية ، الاعفاء العملي من اعباء الضرائب ، تسهيلات التصدير الى افريقيا السوداء والى فرنسا نفسها ( مثلا ان الراسماليين الفرنسيين المقيمين في المغرب ، المنتجين لمصبرات السمك ، كانوا يصدرون لفرنسا حوالي 600000 علبة وبذلك كانوا يهددون من الخارج المقاولات الفرنسية الصغيرة لصناعة السمك ) ..3) خلال الحرب العالمية الثانية ، مثلت عزلة المغرب عن مصادره التقليدية التي كانت تمده بالمنتوجات المصنعة ، حافزا قويا لانتاج بعضها في عين المكان . وبعد نهاية الحرب ازدادت كثافة التصنيع ( تعتبر سنوات 1946-1953 اوج الازدهار الاقتصادي بالنسبة للمرحلة الكولونيالية كلها ) ..4) ثم هناك عامل عسكري استراتيجي محض ، اذ اعتبر المغرب من طرف استراتيجيي الحلف الاطلسي ، بمثابة مؤخرة عسكرية هامة لاوروبا الغربية ( خصوصا بعد اندلاع التوتر بين المعسكرين الراسمالي والاشتراكي غداة حرب كوريا ) .
ولذلك رأى الحلف الاطلسي ضرورة تزويد المغرب ببنية صناعية كافية .
واذا اردنا عرض حجم الاستثمارات الكولونيالية التي جندت مئات العمال مئات آلاف العمال المغاربة الذين قامت على ظهورهم الدولة والمجتمع الكولونياليان ، فيمكن اجمالا ذلك في التالي :
لقد تم انفاق ، خلال المرحلة الكولونيالية كلها ، ما مجموعه 1500 مليار فرنك ( قيمة 1959 ).
وضمن هذا المقدار ، يتكون الراسمال العمومي من الف مليار ، والراسمال الخاص 500 مليار .
من سنة 1912 الى سنة 1940 ، تم انفاق 712 مليار .
ومن سنة 1940 الى سنة 1953 ، تم انفاق 807 مليار .
ان الحجم السنوي للاستثمارات ، قد بلغ في السنوات ما بين 1949و 1957 ، اكثر من اربعة اضعاف حجم ماقبل الحرب ، وتسعة اضعاف حجم سنوات 1939-1944 وضعفين ونصف حجم سنوات 1945 – 1949

3- تناقضات الراسمالية الكولونيالية المغربية .

في اللحظة البدائية لقدوم الراسمال التمويلي الى المغرب ، كانت العلاقة بينه وبين العمل المغربي ، على الشكل التالي : من جهة ، وجود راسمال فرنسي تحركه الحاجة للاستثمار ، ومن جهة اخرى ، غياب قوة العمل المغربية المستجيبة لتلك الحاجة ( اذ كان الانتاج التقليدي المغربي ، يمتص كل قوة العمل المتوفرة . اما البطالة التي يعاني منها المجتمع المغربي اليوم ، فهي ظاهرة حديثة تماما ) .
وقد لاحظنا في الفقرات الاولى ، بان ذلك التناقض لم يتم حله الا عن طريق العنف ، الذي ادى الى فصل الفلاحين من وسائل انتاجهم ، واخضاعهم بالقوة للانضباط للعمل الراسمالي الحديث .
لكن الأمور في نهاية المرحلة الكولونيالية ، ستنقلب الى نقيضها . اذ لم يعد الراسمال هو الذي يرغب في العمل ، بل بالعكس اصبح العمل هو الذي يبحث عن الشغل الراسمالي ولا يجده . ان منطق التطور الراسمالي الكولونيالي نفسه ، قد ادى الى بلترة جماهير عريضة من الفلاحين والحرفيين ، دون ان يكون قادرا في نفس الوقت على تشغيلهم واستيعابهم .
وهذه البلترة لم تتم فقط بوسائل العنف التقليدية ، بل ايضا بوسائل اقتصادية محضة ، كان ابرزها انتشار وتغلغل التعامل النقدي في الحياة الاقتصادية التقليدية ( فالفلاح الذي اصبح مجبرا على دفع الضرائب نقدا لا عينا ، اصبح في نفس الوقت في قبضة الدائنين والمرابين الجشعين ، الذين كانوا يستغلون عجزه عن تسديد ديونه في اجالها المحددة ، للسطو على اراضيه وتشريده ).
وخلاصة القول ، ان التفاوت في التطور بين الراسمال الكولونيالي والعمل المغربي ، ادى تدريجيا الى احتدام التعارض الى تناقض صارخ . ولقد كان ذلك التناقض بين : من جهة ، ظهور طبقة عاملة مغربية فتية ، كان حجمها يتعاظم باضطراد ، ومن تم تعاظم حاجتها الى الشغل والى شروط العمل اللائقة بالانسان . ومن جهة ثانية ، عجز الراسمالية الكولونيالية عن حل مسالة البطالة ( التي لم تظهر في المغرب الى بظهور تلك الراسمالية ذاتها ) ، ورفضها التخفيف من حدة الاستغلال الراسمالي الاجنبي للعمال المغاربة .
هذا اذن هو الوجه الاول للتناقض .
فماهو الوجه الثاني ؟
بعد ان راينا الوجه الاول للتناقض ، فالوجه الثاني للتناقض هو هذا :
في بداية التغلغل الرأسمالي للمغرب ، كان الرأسمال الكولونيالي كولونياليا فعلا ، لانه كان لايزال هامشيا ومعزولا وسط المجتمع المغربي التقليدي ، لكن في نهاية المرحلة الكولونيالية ، اصبح الاقتصاد الكولونيالي اقتصادا وطنيا ، تمتد أبعاد تاثيراته المباشرة والغير مباشرة الى كل الحياة الاقتصادية – الاجتماعية المغربية .
من هنا هذا التناقض : بين الطابع الوطني للاقتصاد المغربي الراسمالي ، وبين الملكية الحقوقية الكولونيالية الاجنبية لذلك الاقتصاد .
هذا من جهة .
من جهة اخرى ، في بداية المرحلة الكولونيالية ، كان العمال المغاربة مجرد فئة اجتماعية صغيرة ، هامشية وسط قوة العمل الفلاحية التقليدية . لكنهم في نهايتها ، اصبحو يشكلون طبقة عمالية وطنية ، تقوم على اكتافها الدولة الكولونيالية برمتها .
من هنا هذا التناقض : بين الطابع الوطني للطبقة العاملة المغربية ، وبين الطابع الكولونيالي للطبقة البورجوازية الفرنسية السائدة ، التي تقوم بتحويل وتهريب الجزء الاعظم من ارباح الراسمال الى الخارج .
ان التناقض المذكور بكل أوجهه وجوانبه السالفة ، هو التناقض الجوهري الذي حكم المجتمع المغربي في نهاية المرحلة الكولونيالية ، لكن رغم جوهريته ، لم يكن لوحده كافيا للقضاء على الاستعمار الكولونيالي وتخليص الوطن من نيره .
اذ من اجل ذلك ، كان لابد ان تتناقض مع الوجود الكولونيالي ، مصالح كل طبقات وفئات المجتمع ، او على الاقل اغلبيته الساحقة . وهذا بالضبط ما تحقق في تلك الفترة :

اولا : بلترة الفلاحين بدون ان تتوفر لهم بدائل جديدة للعمل .

ثانيا : افلاس الحرفيين والتجار الصغار ، بسبب انهيار القوة الشرائية للفلاحين ، وبسبب مزاحمة المنتوجات المصنعة المستوردة . وهذه المزاحمة زاد في تفاقمها ، ظهور الصناعة الراسمالية المحلية .

ثالثا : الازمة المزدوجة للمثقفين التقليديين ، فهم من جهة ، عانوا مرارة ازمة ابائهم الفلاحين والحرفيين ، المتمثلة في سقوطهم الاجتماعي ، ومن جهة ثانية ، عانوا ازمتهم الذاتية الخاصة بهم كفئة مثقفة ، فقدت الامتيازات الاجتماعية التي كانت تتمتع بها في عهد سيادة الدولة المخزنية .

رابعا : ازمة البورجوازية المغربية ، فلقد استطاع الراسمال المغربي الخاص ، الذي كان ينشط في مجالات التجارة والعقار ( بشكليه الزراعي والحضري ) ، مراكمة اموال هامة ، جعلته يتطلع لتنميتها وتوسيعها . وبعد انتقال الراسمالية الكولونيالية من شكلها العمومي الى شكلها الخصوصي ، كان الراسمال المغربي الخاص يعتقد بامكانية الاستفادة من الامكانات الجديدة التي فتحتها تلك المرحلة جنبا الى جنب مع الراسمال الفرنسي الخاص . لكنه سرعان ما أدرك أوهامه . فالدولة الكولونيالية ، وموظفوها المحافظون ، والراسماليون الفرنسيون العنصريون ، لم يقبلوا ولا يمكن لهم قبول خلق مساواة في الفرص بين الراسمال الفرنسي والراسمال المغربي . ولذلك اعتبر الراسمال المغربي ، القوانين والتشريعات المالية والتجارية والاقتصادية ، التي كانت تسنها السلطات الكولونيالية ، كلها حيف وجور ضده .( ان بعض الراسماليين الفرنسيين القلائل جدا الذين حاولوا الانفتاح على الراسمال المغربي ، قد تمت تصفيتهم جسديا من قبل منظمات ارهابية فرنسية عنصرية . وهذه حال رجل الاعمال الشهير « جاك دوبروي» المعروف بدفاعه عن اطروحة الانفتاح ، والذي كانت تربطه مصالح اقتصادية بعائلة السبتي الراسمالية ، حيث تم اغتياله سنة 1955 ).
ان انسداد الافق الذي عانت منه البورجوازية المغربية ، قد عانت منه ايضا نواة الملاكين العقاريين المتبرجزين المغاربة .

خامسا : الازمة المزدوجة للمثقفين العصريين ، لقد عانوا من جهة ، من ازمة ابائهم البورجوازيين المنبوذين من طرف الدولة الكولونيالية والراسمال الخاص . ومن جهة ثانية ، عانوا من ازمتهم الذاتية الخاصة بهم كفئة من الاطر العليا ، الذين ترفض لهم السلطات الكولونالية حق المساواة مع الفرنسيين ، في ولوج نفس المناصب في أجهزة الدولة والادارة .

4- تحول الراسمالية الكولونيالية الى راسمالية تبعية .


لا حظنا في الفقرات الاخيرة ، بان التناقض الجوهري الذي كان يحكم الراسمالية الكولونيالية في نهايو مهدها ، والذي تمحمورت حوله كل اوجه التناقضات الاخرى ، هو مابين الطابع الوطني للاقتصاد الراسمالي المغربي ، وبين الطابع الكولونيالي الاجنبي للملكية الحقوقية لذلك الاقتصاد ( انعدام السيادة الوطنية عليه ) .
وواضح ان حل ذلك التناقض ، كان يقتضي احداث تطابق بين طابع الاقتصاد وطابع الملكية ، او الاصح ، جعل طابع الملكية يتطابق مع طابق الاقتصاد تطابقا سياسيا .
ان الراسمالية التبعية المغربية ، قد مثلت الاطار التاريخي المغربي لذلك الحل ، فهي بقضائها على الدولة الكولونيالية الفرنسية وتقوية السيادة السياسية للدولة المغربية الحديثة الفتية ، وبجعل الدولة المغربية تسيطر على المرافق الاساسية للاقتصاد ، تكون بذلك قد وضعت الاسس الضرورية لتوحيد طابع الاقتصاد بطابع الملكية السياسي .
لكن توحيد الاقتصاد بالدولة السياسية ، يعني في جوهره ، توحيد العمل المغربي بالراسمال المغربي ، لان الانتقال من الشكل السياسي الكولونيالي للدولة المغربية الى شكلها الوطني ، هو تعبير عن انتقال مواز من الشكل الكولونيالي للراسمال الى الشكل المغربي .
ان التاريخ المغربي قد كرر اذن نفسه ، لكن في شكل نوعي جديد ارقى ، في الفقرات الاولى من هذا العرض ، انطلقنا من وحدة الراسمال والعمل ، وفي الفقرة الحالية عدنا الى وحدة الراسمال والعمل لكن مع هذه الاختلافات : اولا ، ان الوحدة الاولى كانت مابين الراسمال الفرنسي والعمل المغربي ، في حين ان الوحدة الثانية اصبحت بين الراسمال المغربي والعمل المغربي . ثانيا ان الوحدة الاولى لم تتحقق الا عن طريق العنف ، الذي قاد الى تحرير العمل المغربي التقليدي من العلاقات الماقبل راسمالية ( فصل الفلاحين عن وسائل انتاجهم لتحويلهم الى قوة عمل بروليتارية ، تحت تصرف الراسمال التمويلي الفرنسي ) . اما الوحدة الثانية فهي الاخرى لم تتحقق الا عن طريق العنف ( المقاومة المسلحة المغربية ) . ثالثا ، وكما ان وحدة الراسمال الفرنسي والعمل المغربي ، قد مثلت في المرحلة السابقة الجوهر الاقتصادي - الاجتماعي الذي قام عليه تطور الراسمالية الكولونيالية من سنة 1912 الى سنة 1956 ، فكذلك ان وحدة الراسمال المغربي والعمل المغربي قد مثلت في المرحلة الحالية الجوهر الاقتصادي – الاجتماعي الذي قام عليه تطور الراسمالية التبعية المغربية من سنة 1956 الى الان .
ونحن ان اردنا ان نتحلى بنظرة تقييمية علمية الراسمالية الكولونيالية ، وان نضعها بالتالي في سياقها التاريخي الموضوعي ، فيجب الا تسقط نظرتنا في النزعة الوطنية العاطفية المجردة الواحدة الجانب ، بل يجب ان ننظر الى الظاهرة الكولونيالية في وحدتها المتناقضة .
من هذا المنطلق النظري الوحيد الممكن علميا اذن ، فان الراسمالية الكولونيالية ، في حقيقتها ن تتاسس على واقعين متناقضين هما اولا : مظهرها الخارجي التعبيري ، المتمثل في السيطرة الاجنبية ، وفي النهب والاستغلال لثروات البرد ولقواها العاملة ، وهي تعريض الشعب لشتى انواع المعاناة والعذاب والشقاء ، وفي الاستعلاء العنصري واحتقار قيم الشعب الوطنية .
وثانيا : جوهرها الداخلي الاساسي ، الذي يتحكم في صيرورتها ، ويجعلها لاتستطيع تنمية وتطوير مظاهر النهب والاستغلال والاضطهاد ، بدون تنمية وتطوير في نفس الوقت للقوى الاجتماعية الصاعدة المعارضة لها والمتناقضة معها .
ان الراسمالية المغربية التبعية ، قد عبرت تاريخيا اذن عن تلك القوى الاجتماعية الوطنية الصاعدة ، التي افرزتها الراسمالية الكولونيالية نفسها ، لكمها تناقضت معها تناقضا عدائيا ، ولذلك فان الانجاز التاريخي للراسمالية التبعية المغربية ، يكمن في كونها قد حلت المشاكل الملحة التي كانت مطروحة على المجتمع المغربي في نهاية المرحلة الكولونيالية .، فهي قد اعادت الاعتبار للراسمال المغربي المضطهد من طرف الراسمال الكولونيالي . وقد ساهمت في توفير الشغل للعمال ، ابان فترة الاندفاع الراسمالي المغربي الاول ، الذي رعته االدولة . وقد حلت ازمة المثقفين العصريين ، عن طريق دمجهم في اجهزة الدولة والادارة التي تمت مغربتها . كما انها خلقت بديلا ايجابيا للتعليم التقليدي ، تمثل في فتح مدارس عصرية جماهيرية لابناء العمال والحرفيين والفلاحين ، وفي توفير الشغل لهم عن طريق دمجهم في المناصب الصغرى لادارات الدولة والمؤسسات الاجتماعية التابعة لها . كذلك عملت على تنشيط الحركة التجارية ، مما سمح بظهور فئة اجتماعية جديدة قوية من التجار اتلصغار ، تمثلت اساسا في الدكاكين السوسية ، كما انها خلقت بديلا جديدا للصناعات الحلافية المنهارة ، تمثل في ظهور حرف عصرية ، مثل الميكانيكا ، والحدادة ، والنجارة ، واصلاح السيارات واجهزة الراديو وغيرها .
وهنا نصل الى السؤال التالي : ماهي حقيقة الراسمالية التبعية المغربية ؟ .

ان الراسمالية التبعية هي اولا راسمالية تبعية . وهذا يعني انها تمثل التواصل والاستمرار التاريخيين للراسمالية الوكولونيالية السابقة عنها . ان ذلك التواصل والاستمرار يتجسدان اساسا ، في الموقع المحدد الذي تحتله ضمن قسمة العمل الدولية ، وهو الموقع الذي يجعلها تتخصص في تصدير المواد الاولية المعدنية والزراعية ( او بعض المنتوجات المصنعة الكلاسيكية ، في مرحلة اعلى من التطور )، واستيراد المنتوجات المصنعة ذات التكنولوجيا المتطورة .
وبالطبع ان تلك العلاقة الدولية لقسمة العمل ، هي في اساسها علاقة غير متكافئة لانه لايمكن المساواة بين من يبيع الفوسفاط ومن يبيع الوسائل المتطورة تكنولوجيا لانتاج ذلك الفوسفاط ، وحين يكون طرفا المعادلة الاساسية غير متكافئين ، يصبح ، بالضرورة ، التبادل التجاري بينهما ، هو نفسه غير متكافئ . ان الازمة النقدية الخانقة التي يعاني منها حاليا الوضع المالي المغربي ، تجد احد اسبابها الحاسمة ، في التبادل اللامتكافئ ( ففي الوقت الذي انهارت فيه اسعار الصادرات المغربية ، ارتفعت فيه ارتفاعا صاروخيا ، وارادته الاساسية من منتوجات مصنعة مدنية وعسكرية ) .
لكن من ناحية اخرى ، ان الوقوف عند حد اعتبار الراسمالية التبعية المغربية ، هي مجرد راسمالية تبعية وكفى اي انها لاتمثل سوى التواصل والاستمرار التاريخيين للراسمالية الكولونيالية السابقة عنها ( كما يفعل العديد من الاقتصاديين المغاربة ، وبعض الكتاب العرب مثل برهان غليون ) ، ان ذلك الموقف ، بالتالي ، ينطوي على خطا نظري كبير ، لان اصحابه ( بحكم نظرتهم التجريدية الواحدة الجانب ) ، لايرون سوى جانب التواصل والاستمرار ، وليس ايضا جانب القطيعة التاريخية مع الراسمالية الكولونيالية .
ان النظرة العلمية للراسمالية التبعية ، التي هي بالضرورة نقيضة للنظرة السياسية الذاتية ، هي التي تنظر للراسمالية التبعية المغربية كوحدة متناقضة ، أي انها في نفس الوقت راسمالية تبعية وراسمالية وطنية . ان تبعيتها تستمدها من امتدادها الخارجي بصفتها تحتل موقعا ضمن قسمة العمل الدولية ، اما وطنيتها فتتأسس على جوهرها الداخلي نفسه ، الذي هو وحدة العمل المغربي والراسمال المغربي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل سيؤدي تعليق شحنة الأسلحة الأمريكية لإسرائيل للضغط على نتن


.. الشرطة الهولندية تفض اعتصام طلاب مؤيدين لغزة بجامعة أمستردام




.. هل بدأت معركة الولايات المتأرجحة بين بايدن وترامب؟ | #أميركا


.. طالبة تلاحق رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق وتطالبها بالاستقا




.. بايدن يقول إنه لن يزود إسرائيل بأسلحة لاجتياح رفح.. ما دلالة