الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحيل البراءة

خالد فؤاد الشافعى

2008 / 10 / 25
الادب والفن


انة الغروب
لعمرى لم ارى ما هو اجمل من الغروب والشروق
وكانى ارى الحياة تموت وتبعث كل يوم

كنت مع اصقائى اطفالا نلعب بلا انقطاع ولا نضع للدنيا فى اذهاننا اى حسابات ولم يكن وجود المقابر جوار منازلنا يزعجنا او يخيفنا بقدر ما كانت تبهجنا وتسعدنا وقد يستغرب البعض كيف تكون المقابر مبهجة؟
والحقيقة اننا كنا نرى فيها سبب لتميزنا وسط باقى الاطفال فى البلدة وكأنها ملكنا بل هى كذلك بالفعل
فنحن نلعب فيها ونأكل بها ونقضى الاعياد فيها ايضا
ولابد ان هذا غريب اذ كيف يقضى اطفال اعيادهم فى المقابر ولكن كما قلت كنا نرى فيها كنزنا الكبير
لقد حفظناها شبرا شبرا وقرأنا كل كتابة ساذجة كتبت عليها وحفظنا كل شواهد القبور ووجدنا الكثير من الاشياء المفقودة
وتلصصنا على بعض القبور المفتوحة فكان لنا معها حكايات وقصص طويلة
وعندما كنا نقول لأحد من اصدقائنا اننا نسكن جوار المقابر كنا نلحظ نظرات الدهشة وعدم التصديق فى عيونهم وعندما كانوا يأتون لرؤيتها كانوا ينبهرون بها ويحسدونا عليها وكنا نستمتع بأرعابهم وسرد قصص وهمية مخيفة تجعلنا نشعر بنشوة سادية عندما نرى نظرات الرعب فى اعينهم
كم مرة اوقعنا بهم فى افخاخ
كم كنا نضحك عليهم ونسخر منهم
اما نحن فلم نكن نخشى شيئا
ظلت هكذا حتى جاء يوم ودخلت جنازة صغيرة من بضعة اشخاص يحملون لفافتين صغيرتين وقاموا بدفنهم فى الارض وليس فى قبرا
فاصبحوا كقطعتين مرتفعين من الارض وقالوا لنا وقتها انهما طفلين اخوة ولدا وبنت توفيا فى حادثة حيث احترقا حتى الموت عندما اشتعلت النار فى بيتهما
لا اعلم لما اصابنا الخوف هكذا لماذا كنا نبتعد عن هذين القبرين الترابيين ولا نطيق ان نراهم
نحن الذين جبنا المقابر وفحصنا كل قبر وكل مدفن وعشنا وسط القبور
لماذا نخشى من هذين القبرين؟
كيف عرف الخوف طريقة الينا؟
لماذا اصبحنا نتحدث كثيرا عن الموت؟ لقد قضينا ما مضى من عمرنا بين القبور دون ان يتبادر الى ذهننا اى فكرة عن الموت فقط كانت المقابر ملهانا وملعبنا
على اية حال لم يمنعنا ذلك من دخول المقابر واللعب فيها والحفاظ على كنزنا الثمين
فقط كنا نتجنب المرور امام هذين القبرين او رؤيتهم
ربما لأنهما كانا طفلين مثلنا ودفنا امامنا فشعرنا لاول مرة بجهامة الموت ورعبة


انة الغروب
يكتمل الان وتختفى الشمس وراء الافق البعيد مستبقية بعض الاضواء الحالمة الرقيقة تنير العالم من حولنا حتى يصل كل ضال الى ماواة وكل طفلا الى والداة
وكالعادة نتسابق للعودة وليس السباق الا تعبيرا عن روح المنافسة التى فطرنا عليها
لذلك لم اكن لأرضى ان يسبقنى احد فرغم تقدمهم الا انى قررت ان اخذ الطريق المختصر من فوق المقابر ان المقابر هنا كبيرة وملتصقة
الحقيقة اننا كنا ناخذ هذا هذا الطريق دائما الى ان جاء الطفلان ففضلنا الطريق الاخر حتى لا نضطر الى القفز بجوارهم عندما نصل لنهاية ذلك الصف من القبور
ولكنى لا املك خيار الان وعلى كل حال يمكننى ان اقفز قفزة كبيرة اتخاطاهم بها


وها انا اتنقل بين اسطح القبور واقترب اكثر واكثر حتى سبقتهم ولم يعد سوى القفزة الاخيرة
وها انا اقفز لأتخطى ذلك القبر الترابى و
اوة ما هذا
لم تكن قفزة كافية لقد غاصت قدمى فى القبر الترابى
الذى لم اكد المسة حتى سمعت تلك الصرخة
صرخة طفلا مدفون وقعت علية الان
وشعرت بقدمى تطأ جسدا صغيرا يتلوى من تحتها
فلم اشعر بنفسى الا وانا ازحف على الارض وقد امتلىء قلبى رعبا لاول مرة فى حياتى
عشت بعدها اسود ايام اتنقل من كابوس الى اخر
اصبحت اخاف من كل شيئا واتخيل كل ما فى عقلى من مخاوف ومسوخ وهى تتمثل امامى وتستفرد بى عندما اكون وحدى



الان انا اعلم ان هذا كلة كان وهما
وبسبب خوفى المسبق من هذا القبر تكفل عقلى بصنع خيالات تتناسب الحادث الرهيب الا ان كل هذا لم يجدى
لقد تغير كل شى ولن اعود كما كنت مرة اخرى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن