الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فن اللغة

محمد كاظم جواد
شاعر

(M0hammad Kadom)

2008 / 10 / 28
الادب والفن


بعيدا عن اشكاليات التنافر في التسمية التي جمعت بين الضدين الشعر والنثر وعن اللغة التي تماهت فيها هذه التسمية على اعتبار ان لغة الشعر ايحائية بينما لغة النثر دلالية وان الأفق الذي انطلقت فيه قصيدة النثر هو أفق مفتوح ...من خلال اللغة التي كشفت عن امكانيات واسعة يمكن الاستفادة من رموزها التي كانت في السابق تصطدم بصخرة التنافر ،ان تجاور المفردات وفق سياق جمالي وحسي يجعل من اللغة كائنا حيا ،يمتلك المقومات التي تجعل هذا الكائن يمر بمراحل الحياة (ولادة،تجدد،موت) فاللغة برموزها التي تتشكل من تزاوج الحروف ..والتي نطلق عليها المفردات بدلالاتها المعرفية .
فلو تصفحنا أي معجم لغوي فاننا سوف نرى الكثير من المفردات قدغادرت استخدامنا اللغوي ..ان موت هذه المفردات سيقابلها ولادة تعوض مافقدناه.
وما دامت قصيدة النثر هي وليدة الحداثة الشعرية من خلال تعاملها الدقيق والواسع مع اللغة فانها قد كسرت بشكل نهائي جميع القيود التي كانت تكبل الشعر من وزن وقافية.... فاذا كان الفراهيدي قد قيدالشعر بوضعه علم العروض فانه أسقط كل من تجاوز هذا القيد من خانة الشعراء .....وقد حاول الشعر الحر ان يطلق يديه فقط من اسر القيد وظل يشمربيديه الطليقتين دون ان يتمكن من السير على ارض التغيير.....واستطاع ان يداعب الذائقة الشعرية دون ان يتجاوز كثيرا على قيود الفراهيدي ان هذه الحرية المقيدة انتجت شعرا استفاد بشكل محدود من امكانية تفاعل اللغة واستطاع ايضا ان يتحرر من رتابة القافية الموحدةوان يتجاوزها فيما بعد.
مما حدا بالشعراء الذين قادوا دفة الريادة الى كتابة قصائد تداخلت فيها بعض بحور الشعر او انهم كانوا يتعمدون احيانا الى احداث كسر في الوزن الشعري محاولة منهم في الخروج بشيء جديد قد يجلب انتباه النقاد ...ولاحتسابها أيضا ضمن محاولات التجديد في الشعر لقد خدش الشعر الحر في بداية ظهوره الذائقة الشعرية التي سيطر عليها نظام التشطير لفترة طويلة من الزمن أضف الى ذلك ان هذا اللون الجديد من الشعر قد تجاوز بحور الشعر الطويلة والتي كانت تستخدم لأغراض معينة انتفت حاجتها في الوقت الحاضر ،واكتفى بالبحور ذات الايقاع الذي يتلائم مع المستجدات الآنية والتي شكلت أغلب المنتج الشعري.
لقد اتجهت قصيدة الشعر الحر نحو مسار الغنائية وبقي نهر الايقاع الخارجي متدفقا دون ان تتجاوز علاقة الدال بالمدلول من خلال طرحها الكثير من المعانات التي انتجتها الحياة بايقاعها المتسارع وكانت تتميز ايضا بالقصر والتكثيف عبر لغتها الشعرية الموحية .
ان قصيدة الشعر الحر لم تستغل امكانية تقارب المفردات المتنافرة ولم تحاول توظيفها من اجل خلق صور شعرية تخرج عن اطار المألوف وهذا بالطبع يتطلب حرية أكثر وهذه الحرية تتحقق في كسر قيد الوزن واللجوء الى الانزياح والذي يصنع صورا جديدة يمكن توظيفها من خلال شعرية النص الذي ينطلق في فضاء مفتوح.
وعندما تخسر القصيدة ايقاعها الخارجي المتمثل في الوزن فانها ستقف امام معضلة جديدة ...فنتساءل مادا بقي من الشعر ضمن كل هذه الخسارات والتي اطلقنا عليها كما اسلفنا لفظة القيود على الرغم من انها تضفي بعض اللمسات الجمالية،فالتكرار في الوزن والقافية يخلق نوعا من الانسجام في الايقاع ...اذن لا بد من وجود بديل يحقق انعطافا كبيرا في الذائقة الشعرية فقصيدة النثر تتكأ على التركيز والتكثيف وزج المفردات بفوضى مرتبة وكذلك ابتعادها الواضح عن القصد دون ان تلغي المضمون وتركيزها على الشكل الذي ياخذ ابعادا بصرية في فراغ الورقة ....
فاذا تركت قصيدة النثر أثرا لدى القاريء فاننا سنؤشر على نجاحها في التوصيل ومادمنا نتحدث عن البدائل التي تسهم في نجاحها فاننا سنواجه معضلة اخرى الا وهي البحث عن بديل للايقاع الخارجي الذي يولده الوزن اذن فالايقاع الخارجي واضح لانه من نتاج الوزن الذي يسير بتراتب مع الزمن أي اننا نستطيع وبثوابت ان نؤشر على وجود هذا الايقاع لكن في قصيدة النثر لايمكن ان نتحقق من ذلك لانعدام هذه الثوابت بسبب وجود البديل الذي نطلق عليه( الايقاع الداخلي) ويبقى الحكم على وجوده في قصيدة ما غير مشروط لعدم وجود ثوابت محددة اي انه محسوس ويقع ضمن سياقات تاثيرية ونفسية دون اللجوء الى الدلائل والبراهين في تقديري ان الايقاع الداخلي في قصيدة النثر والذي اصبح فيما بعد بديلا للايقاع الخارجي في قصيدة التفعيلة (في حالة وجوده في النص ) فان التكثيف والاختزال وتقارب المفردات التي كانت متنافرة في الاستخدام اللغوي هي التي تصنع هذا الايقاع اضافة الى الاستخدامات اللغوية الاخرى والتي تضيف بعدا جماليا واضحا والتي نسميها البلاغة (تشبيه –استعارة –مجاز- كناية ) وكل هذه تصب في مجرى الانحراف اللغوي الذي يعطي النص حرية في تزاوج المفردات التي تخلق تبادلا في التناغم والرنين وبالتالي ستحدث توترا لدى المتلقي وهذا التوتر ينتجه الايحاء وبمعنى ادق ان هذا المنتج هو من فعل اللغه بتقارب مفرداتها واجتيازها حاجز المالوف على اساس ان لغة الشعر ايحائية بينما لغة النثر دلالية فالشعر هو اكثر الفنون الابداعية قربا من اللغة بسبب انتقاءه المفردات التي تقربه من هويته فهو على حد تعبير بول فاليري (الشعر فن اللغة ) .
ان غياب القيود من قصيدة النثر ادى بها الى ترك ابوابها مشرعة مما سمح بدخول الكثير من الادباء الذين فشلوا في ضبط قوانين قصيدة التفعيلة والمتمثلة في الوزن والتى لايمكن ضبطه الا من خلال القراءة والحفظ للتراث الشعري ويكون قياسه بالسليقة اعتمادا على الاذن التي تفرق بين انواع البحور وكذلك تؤشر على السقطة التي تحدث في الوزن والذي حدده الفراهيدي في علم العروض .
ان الشاعر او الناقد الذي لايمتلك العدة التي تؤهله خوض غمار هذه التجربة فانه يقطع الحلقة الكبيرة التي توصله الى حافة الابداع لاننا وان تجاوزنا كل هذه القيود فهذا لا يعني قطعا الغاءها من قامو سنا المعرفي لانها تبقى الحجة التي تبرر فعلنا المعرفي وبسبب ذلك اسيء فهم قصيدة النثر من قبل بعض الذين اوهموا انفسهم بان تشكيل السطور وفق النسق الشعري يقربهم من جادة الشعر.
ان الكيفية في اختيار الوعاء الذي يصب فيه الشاعر منتجه تبقى مرهونة به من خلال لغته الخاصة ومن خلال المعرفيات التي اكتسبها ومن يمتلك العدة والاداة لن يقف الشكل عائقا في توصيل الابداع الشعري في هذا العالم المضطرب و(ما يبقى يؤسسه الشعراء) على حد تعبير هولدرلين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى