الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة..أم إنهيار!

كفاح حسن

2008 / 10 / 22
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تتصاعد موجة التفاؤل - هذه الأيام - وسط جبهة القوى اليسارية و الماركسية في أرجاء المعمورة. و يرتبط ذلك بالأزمة العاصفة التي هزت أركان القطاع المالي و المصرفي الإقليمي و المحلي. و بدأت هذه الأزمة تهدد إقتصاديات البلدان الرأسمالية. و أخذت أنظار القراء تتوجه مجددا لقراءة كلاسيكيات الماركسية، و على رأسها سفر ماركس الخالد - رأس المال -.
كما و إن الحلول المقدمة للتخفيف من وقع الأزمة تؤدي إلى إعادة دور الدولة في الإقتصاد، و تنامي رأسمالية الدولة الإحتكارية، على الضد من النهج الذي ساد ثمانينيات و تسعينيات القرن الماضي في الخصخصة، و تقليص دور الدولة في ملكية وسائل الإنتاج. و الإكتفاء بدورها الرقابي لسير العملية الإقتصادية. فقد تعرض أنصار المدرسة الليبرالية الحديثة في الإقتصاد إلى إنتقادات شديدة تحملهم مسؤلية الأزمة و فداحتها في الأسواق المالية و المصرفية . كما عادت الحياة إلى النظرية الكينزية التي تطالب بدور أكبر للدولة في إدارة الإقتصاد المحلي و الإقليمي و العالمي. كما إشتدت الإنتقادات لعملية العولمة التي أدت إلى إنخفاض إمكانية الدول في السيطرة على آلية الإقتصاد التي تتحرك بدون حدود وطنية أو إقليمية.

في البداية، ينبغي الإشارة إلى إن الأزمة تشمل القطاع المالي وليس القطاع الإنتاجي. و سبب الأزمة يكمن في عقود خلت. عندما تم تحرير الدولار من الغطاء الذهبي ( تعويم الدولار خلال حكم الرئيس نيكسون). و أصبح الدولار يحدد قيمته بنفسه كأي سلعة موجودة في السوق، أي تحول العملة من وسيلة للدفع و الإدخار إلى بضاعة تتعرض قيمتها في الإرتفاع و الإنخفاض لأسباب عدة تتعلق بالعرض و الطلب على العملة، و الذي يتحكم بها البنك المركزي من خلال سعر الفائدة المصرفية التي تضبط كمية السيولة النقدية. و خلال حكم الجمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية و المحافظين في أوربا، تم إتخاذ إجراءات خطيرة في القطاع المصرفي، أدت إلى خصخصة الديون العقارية، و رفع الرقابة المركزية عليها. فصارت البنوك العادية و الإستثمارية تصدر سندات قروض عقارية ، تفتقد لضمانات حقيقية على تسديدها. كما إن عجز ميزان المدفوعات الأمريكي، كان يتم تغطيتها لعقود من خلال سياسة نقدية مغامرة هددت القطاع المالي و المصرفي العالمي. فالدولار كعملة عالمية تستخدم لتحديد أسعار المواد الأولية في البورصات أدت إلى إن الطلب على شراء الدولار لايتم لإعتبارات تتعلق باإقتصاد الأمريكي و قطاعه المالي و سوقه النقدية. فبالرغم من أزمة القطاع المصرفي كانت قديمة، و كل المؤشرات تشير إلى ضعف الدولار كعملة للتداول، إلا إن الطلب عليه لم ينخفض. كما إن البنوك المركزية في أوربا و شرق آسيا تسعى دائما لشراء كميات كبيرة من الدولار الأمريكي، لإبقاء سعر صرف الدولار عاليا. لأن ذلك يؤدي إلى تسهيل تصدير بضاعة تلك الدول إلى السوق الأمريكية.

و لكن المؤسسات المالية الأمريكية كانت و لاتزال تسعى إلى خفض سعر الصرف للدولار مقابل العمل الأخرى من أجل تحريك الإقتصاد الإنتاجي الأمريكي، حيث إن الدولار الضعيف يؤدي إلى زيادة الطلب على البضاعة الأمريكية سواء داخل السوق الأمريكية أو خارجها.

لقد تحول نظام عمل البورصات و الشركات المالية الأمريكية و العالمية إلى نوع من المقامرة ، أو ما يطلق عليه " إقتصاد الكازينوهات". حيث إنطلق رجال المال و شركاتهم إلى المضاربات اللاقانونية و التي تعتمد على إخفاء المعلومات عن المستثمرين و الدولة، و دفع أسعار السندات و الأسهم للإرتفاع إلى مستويات غير حقيقية، في وضع يشبه بالون ينتفخ ، إنفجر مع إنطلاق الأزمة المالية و المصرفية الأمريكية، و تحولت معظم المبالغ المستثمرة في البورصات إلى رماد. إن أزمة سوق المناخ الكويتية في القرن الماضي، تكررت ، و لكن على مستوى عالمي بسبب من إنفجار البالون في مركز الإقتصاد المالي العالمي (نيويورك).

و عودة إلى كارل ماركس و سفره الخالد "رأس المال" فإن ملامح هذه الأزمة و سابقاتها تعرض لها ماركس. حيث إن الإقتصاد الرأسمالي يتنقل بشكل آلي مابين إنتعاش و إنكماش. فعقب كل إنتعاش إقتصادي، تأتي أزمة تؤدي إلى خفض سرعة عجلة الإقتصاد. و هذا يؤدي بالرأسماليين إلى البحث عن أسواق جديدة أو إعادة هيكلة ماكنتهم الإقتصادية لتحريك عجلة الإقتصاد مجددا نحو إنتعاش إقتصادي جديد.

و يدعي أدم سميث - مؤسس علم الإقتصاد - إلى إن هناك يد خفية تحرك هذه العجلة مابين إنتعاش و إنكماش. و أطلق على هذه اليد إسم آلية السوق. و بمعنى آخر، فإن الإقتصاد يستطيع تجاوز أزماته بشكل ذاتي بدون تدخل خارجي من الدولة. بينما يعترض الكينزيون على ذلك، و يطالبون بتدخل الدولة. حيث عند تحرك العجلة بشكل سريع، تتدخل الدولة و البنك المركزي من أجل خفض سرعة العجلة. لأن السرعة الشديدة تهدد بتضخم نقدي يؤدي إلى عواقب وخيمة على الإقتصاد. وعندما تخف سرعة هذه العجلة، تتدخل الدولة و البنك المركزي بإجراءات مالية و نقدية لتسريع العجلة. و عملية تحريك هذه العجلة يتم من خلال تحديد مسبق للسرعة المقبولة لها. و تقاس سرعة العجلة من خلال أداتين هما..نسبة البطالة و سعر الفائدة المصرفية. حيث هناك علاقة عكسية مابين هذين الأداتين. أي عندما تزداد سرعة العجلة، تنخفض نسبة البطالة، فيتم تخفيف سرعة العجلة من خلال رفع سعر الفائدة المصرفية. و عند الكساد الإقتصادي، ينبغي خفض سعر الفائدة المصرفية، لدفع الشركات إلى زيادة إستثماراتها الممولة من خلال قروض مصرفية، وهذا يؤدي إلى إنخفاض نسبة البطالة. و هنا يطالب الكينزيون أثناء الكساد الإقتصادي أو الأزمات الإقتصادية إلى زيادة الإنفاق الحكومي و توسيع حجم قطاع الدولة، مقابل خفض الإنفاق الحكومي و ترشيق قطاع الدولة أثناء وصول الإقتصاد إلى وضع الإنتعاش.

فكما قال ماركس، و كما يقول إقتصاديو النظام الرأسمالي، فإن الأزمات الإقتصادية تدخل ضمن آلية حركة الإقتصاد الرأسمالي، و تشكل عامل دفع لهذا الإقتصاد و ليس العكس. فالنظام الرأسمالي يستطيع التكيف مع أزماته و يتجاوزها. و لكن هذه الأزمات تعيد من هيكلة الإقتصاد محليا و عالميا، و تعيد توزيع العمل مابين قطاعاه و أقاليمه. و من خلال الأزمات ، يستطيع الرأسماليون تحميل الطبقات المسحوقة و الفقيرة تبعات هذه الأزمات، و يخرجون منها بقوة و قدرة أكبر. فماركس يوضح كيف تتعرض الطبقة العاملة و الفئات الفقيرة للإستغلال و الإضطهاد، حيث تدفع هي ثمن الأزمات الدورية في النظام الرأسمالي، بينما لا تجني أي شيء من أرباح الإنتعاش الإقتصادي الدوري. ومن خلال توضيحه لمصطلح فائض القيمة، يكشف ماركس كيف يخادع الرأسماليون العمال و الموظفين بنظام إجور قائم على سرقة قوة العمل مقابل إجور زهيدة. و بالرغم من قوة النقابات العمالية في المجتمع الرأسمالي، إلا إنها لا تستطيع إيقاف هذه السرقة. فكما هو معروف إن دافع الرأسمالي هو مضاعفة أرباحه بأي شكل. بالتالي لا يتوارع الرأسمالي من إرتكاب الجرائم من أجل مضاعفة أرباحه.

إلا إن الأزمة الحالية لا تعني إحتضار النظام الرأسمالي..حيث إنه قادر على تجاوز أزماته. لكن هذه الأزمة ستعيد رسم الأدوار مابين الدول و الأقاليم. حيث ستؤدي إلى إضعاف الدور القيادي للولايات المتحدة الأمريكية و سوقها المالي في الإقتصاد العالمي. كما إن هذه الأزمة ستدفع إقتصاديات الدول و المناطق الأخرى للبحث عن عملة أو سلة عملات أكثر إستقرارا من الدولار.

إن إنهيار النظام السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي. و إعادة بناء النظام الإقتصادي في الصين نحو رأسمالية الدولة، يشكل طوق نجاة للنظام الرأسمالي. فليس هناك نظام إقتصادي منافس له عالميا.

إن الحركات اليسارية مدعوة لإعادة دراسة الكلاسيكيات الماركسية، وفي مقدمتها " رأس المال " لفهم آلية عمل النظام الرأسمالي. لأن ذلك سيساعدها على وضع برامج حقيقية وواقعية لعملها السياسي و الفكري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز