الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استرداد الحقائق من -علمية- الثقافة السائدة - 2

هدى ابو مخ

2004 / 2 / 23
العلاقات الجنسية والاسرية


تطرقت في مقالات سابقة لي, الى الادعاء بان الروايات المؤسسة للخطاب الذكوري في المجتمعات العربية, تهدف من بين ما تهدف اليه, بناء اطار نظري يضم الوسائل التي تمكن من استجواب الافراد (في حالتنا النساء), وضمان نجاح هذا, من اجل تعزيز السيطرة عليهن, والتاكد من بقائهن في المكان المخصص لهن سلفا على يد ذات الخطاب. وانا بهذا لا ارمي الى التقليل من اهمية الوسائل المادية للاستجواب ( كالقتل على خلفية شرف العائلة), لكني ارى ان الامر يجب ان يبدا من الخطاب, بسبب قوته الخفية في النظام القائم, وشدة تاثيره على وعي الافراد لدرجة جعلهم يؤمنون بحقائق كاذبه. من هنا فان مصداقية وحقيقة الروايات الذكورية لا تعود مطلقة واكيدة, بل تظهر كمبنى تحكمه علاقات قوة, القوي فيها يحكم الضعيف, والروايات التي تكون وعي الافراد يرويها الاقوى, بصورة تخدم اهدافه. والروايات حول الجنسين (المعايير التي تسير وتحدد موقع كل منهما في النسيج الاجتماعي, الاقتصادي والخ) هي جانب كبير من الثقافة العربية السائدة. من هذا المنطلق, فان اي رجل او امراة مشبع بهذه الثقافة, سياتي بادعاءات تحمل ذات طابع الثقافة ورواياتها. انا لا ازج باحد الى زاوية معينه, بل اعبر بكلمات اخرى (كلماتي) عما يذكره هؤلاء الاشخاص من اعتزازهم بالالتزام بثقافة المجتمع, لكني وفي ذات الوقت ازيل الهالة المحيطة باشكال الثقافة السائدة, والتي يفخر هؤلاء باعتناق مبادئها.
مقال الدكتور لطفي الشربيني "تعدد الزوجات والطب النفسي" المنشور في الحوار المتمدن يشكل مثالا جيدا لتنقل وانتشار الثقافة الذكورية من خلال الافراد المستجوبين او المسوقين لذات الثقافة –باعتناقهم مبادئها. فالمقال يظهر بوضوح اولا, مدى ارتباطه بالثقافة المكرسة لافضلية القوي وتشبعه بها ما يبرر بالتالي كون مقاله رواية مكررة في المجتمعات العربية وجزء من ثقافتها. وثانيا, بروز عمق وجوهرية التناقضات بين النتائج وبين المعطيات المطروحه خلال المقال.
 شدد الدكتور في مقاله على امرين جوهريين: ان المقال كتب على يد طبيب نفسي, شارك في مؤتمرات عالمية, وبالتالي اضفاء الصبغة العلمية على الطرح ما يجعله صاحب صلاحية وسلطة (بعلمه). وذلك على الرغم من ان الدكتور بالكاد تطرق الى الجانب النفسي العلمي, وانهمك عوضا عنه بابداء الاراء الشخصية والاستنتاجات الغير مقنعه. مثال على احد هذه الاستنتاجات: على الرغم من ان المراة تشعر بالاحباط وبحالة مرضية متلازمة لدى قيام زوجها بفعل الخيانة (المسمى تعدد الزوجات), فان الدكتور راى ان تعدد الزوجات يحل المشاكل الاسرية والاجتماعية. ما يبدو جليا من بحث الدكتور لهذا الجانب, ترفعه عن تلمس الالم النسوي, الم الشعور بالخيانة, وتغاضيه عن الانسان الذي في المراة من اجل "اصلاح المجتمع والاسرة", وكانما كتب على المراة ان تكون دوما الحطب الذي يلقى الى موقد المجتمع لاصلاحه.
احد التحليلات "العلمية" الاخرى للموضوع والتي يذكرها الدكتور, ان التعدد هو امر فطري لدى الرجل. فيشير الى ابحاث تؤكد وجود جينات تدفع بالرجال (فطريا!) الى الخيانة (سواء بتعدد الزوجات او باقامة علاقات خارج الزواج) واعطى الرجال الغربيون كاحد النماذج التي تدعم هذا الراي. وانا اسال: الخيانة الزوجية منتشرة في الغرب ليس فقط في اوساط الرجال, بل ايضا في اوساط النساء المتزوجات, فلم لم يتطرق الى ذلك؟ هل لان هذه الحقيقة ستعني حينها حصول المراة على "حصة" من كعكة اللذة هذه؟ النساء الغربيات هن اثبات قاطع على ان الفطرة لدى النساء والرجال واحدة, لكن التربية الصارمة التي تتلقاها الاناث العربيات تهذب فيهن هذه الفطرة, فيما تبقيها لدى الرجال (كرمز للذكورة), وهذا طبعا يخدم الرجل وملذاته ويضمن له في ذات الوقت ان زوجته او اي من قريباته لن تخنه.
اما ان تطرقت الى الموضوعية التي ادعاها الدكتور, فقد اشار الى وجوب التركيز على الجانب الديني لدى تعاملنا مع هذا الموضوع, والجانب الديني كما نعلم مؤيد لتعدد الزوجات, ما يلغي الموضوعية والحيادية المدعاة. اضافة الى تعامل الكاتب مع الموضوع بعين الايجاب والتفهم كقوله "لا بد من البدء بازالة الوصمة والمفاهيم واللاتجاهات المختلفة التي تربط الزواج الثاني بالسلبيات فقط..."

لذا, فككل خطاب شوفيني يصر الدكتور على وجوب اصلاح المجتمع, حتى وان جاء على حساب كرامة واحترام المراة كانسان. فكل ما ذكره جاء لتكريس فكرة واحدة ذكرها في نهاية المقال: القيام بخطوات لاعداد زوجات وامهات المستقبل على نمط بريطانيا (حسنا, وماذا عن نمط بريطانيا في الحرية الجنسية؟ ام ان الامر انتقائي ومتعلق بوجوب بناء العالم بصورة تخدم راحة الرجل وحريته فقط؟)

مقال الدكتور وكما ذكرت هو مثال واضح لخطاب ذكوري متطرف, على الرغم من ادعاءه العلمية والموضوعية والحيادية. كما انه لا يرتكز على علم, بل هو مقال يعبر عن اعتقادات واراء شخصية ذات توجه ديني. اضافة الى عدم التلاؤم بين النتائج المستخلصة وبين المعطيات والاحصائيات. هذا يعزز الادعاء بكون الروايات الذكورية عبارة عن نسيج من الاجزاء المتناقضة, التي تسعى تلك الروايات الى طمسها, من ناحية اولى, من خلال سبكها في الامر "العام" (وهو الادعاء الذي يرى بان علينا عدم التعامل مع الامر بصورة محددة, بل ربطه دوما ببقية قضايا المجتمع.. ويتغاضى هذا الطرح عن ان هذا الموضوع المحدد سوف لن يظهر بسبب كونه بسيطا الى جانب المشاكل العظمى الاخرى), ومن ناحية اخرى, فان الخطاب مبني بصورة لا تمنح الفرد المستجوب مجالا للتساؤل, لان تساؤله قد يقع في خانة الحرام, العيب والخ...

اما لمن يرى بالتعدد حلا للمشاكل الاجتماعية كازدياد نسبة الفتيات العوانس في المجتمعات العربية, فاعد بالرد في مقال اخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكشف عن وجه امرأة -نياندرتال- عمرها 75 ألف عام


.. المشاركة أمال دنون




.. المشاركة رشا نصر


.. -سياسة الترهيب لن تثنينا عن الاستمرار باحتجاجاتنا المطالبة ب




.. لبنى الباسط إحدى المحتجات