الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة متأخرة لمسرحية المحطة رؤية مغايرة لأبن الجنوب

علي جاسم

2008 / 10 / 23
الادب والفن


حرص النظام السابق وضمن سياسته الهوجاء على تكريس الاعمال الدرامية والمسرحية لخدمة اهدافه وتوجهاته المحمومة ، من خلال تسخير الاقلام المأجورة للنيل من بعض تركيبات المجتمع العراقي بطريقة مباشرة وغير مباشرة عبر استخدام النصوص الدرامية التي تعرض على شاشة التلفزيون وكذلك على خشبة المسرح ، حيث حولت تلك الاقلام العادات العشائرية الاصيلة وطبائع المجتمع في بعض المناطق الى اشبه بالسخرية ، فتجد شخصية عامل الخدمة الذي يعمل في دائرة ما او الخادمة التي تعمل في احد المنازل او الفلاح الذي يعمل في الحدائق غالباً ماتلصق بمواطني تلك المناطق سيما الجنوبية منها ، وأتخذ كتاب النصوص من رجال الجنوب هزواً في محاولة لطمس الدور الفكري والاجتماعي والسياسي لابناء تلك المنطقة في حين ان الدور الفكري والثقافي والسياسي لجنوب العراق يتعدى كل تلك المحاولات التي سعت بعض النصوص الى طمسها ، فمن الجنوب انطلقت شرارة اول ثورة في وجه الاحتلال البريطاني انذاك وتحت اقدام الثوار البسطاء انسحقت اكبر الرتب العسكرية ناهيك عن دورهم الثقافي والاجتماعي فمنهم جاء شاعر العرب محمد مهدي الجواهري ومن ماء ارضهم شرب الشاعر عبد المحسن الكاظمي وعلى سعف النخيل خط البصيري اجمل قصائده ، فالدور الثقافي والاجتماعي لم يكن مقتصراً بمدينة او موقعاً جغرافياً بذاته انما اشتركت كافة اجزاء العراق في تكوينة بصورته الحالية ، وهذا الامر لم يستطع النظام السابق فهم مفرداته او بلوغ غايته العرفانية .
ولو لاحظنا مختلف الاعمال المسرحية والتلفزيونية التي قدمت انذاك لوجدنا بان هناك سخرية واضحة ومقصودة من الشخصية الجنوبية تلك الشخصية العشائرية التي تجمع بين مورث اسلامي متنور وبين عادات وتقاليد اجتماعية لتاخذ دورها الانساني في الارياف والنواحي وتمد بمفاهيمها الاخلاقية الى عمق المدينة حيث الخليط الاجتماعي المتنوع ، فتلك الاعمال جعلت من تلك الشخصية بهلواناً مضحكاً بيد انها ولدت من رحم المعاناة في الواقع الجنوبي الذي اوصله النظام السابق الى حافة الهاوية باستثناء بعض الاعمال القليلة جداً التي اخذت فيها الشخصية الجنوبية دوراً اوسع ، ومنها مسرحية المحطة التي وظفها الى المسرح صباح عطوان حيث تجد ملامح شخصيته واضحة ومستقيمة فقد عكس المؤلف المزايا الخلاقة تلك في شخصية ابن الجنوب من خلال الممثل طالب الفراتي الذي كان اسمه "زاير" وهو فلاح من عشائر مدينة البطحاء في الناصرية جاء الى المحطة ليسافر عبر القطار الى محافظة اخرى لغرض العلاج وفي المحطة يلتقي بـ"عبد الجبار كاظم " وهو شخصاً مدنياً لايمتلك نظرة اجتماعية او انسانية بقدر نظرته الى الواقع من مفهوم علمي صرف اي انه يخضع كل شيء للجانب العلمي وليس هناك مجال للقضايا الانسانية .. وتدور ثيمة القصة حول الانسانية التي يتمتع بها الرجل المسن "زاير" عندما تأتي امرأة من احدى المناطق الريفية وهي تتألم من شدة المرض في ليلة ممطرة وعاصفة حيث قطعت كل وسائل النقل ، وفي ظل هذه الاجواء العصيبة ينهض هذا الرجل الجنوبي والذي يلقب "ابو سنسول" لانه مصاب بمرض شديد في العمود الفقري ولايستطيع حمل اي شيء لان في ذلك اثر على صحته قد يؤدي الى اصابته بشلل تام ، وبالرغم من تلك المعاناة ينهض ويضع تلك المرأة بين يديه رامياً الآمه وتحذيرات الطبيبة خلف ظهره ولم يفكر في تلك اللحظة المؤلمة بغير كرامته وعنفوانه ، فكيف سيدخل دواوين العشائر ويضع عينيه بعيونهم وهو الذي وقف مكتوف اليدين امام صراخات تلك المرأة المسكينة ، حملها وهو يدرك ان مصيره الهلاك لكنه لم ينحن امام توسلات الطبيبة والشاب البرجوازي الذي بدأت كلمات وحكم "زاير" تدق باب ضميره وأخذت الانسانية تتحرك بين ثناياه ليترك كل شيء جانباً في تلك الليلة الموحشة وينطلق وراء "زاير" .
هذه التراجيدية التي جعلها صباح عطوان في هذا النص المسرحي وضعت نقطة بيضاء وسط الظلام الحالك الذي اختطته العديد من الاقلام الاجيرة للنظام المباد والتي حاولت النيل من واقع الشخصية الجنوبية التي عكسها زاير عبر مسرحية المحطة ، وللاسف ان بعض الكتاب في الوقت الراهن مازالوا يسيرون بنفس النهج السابق من خلال اعمال كوميدية هابطة تُعرض عبر الفضائيات لاتحمل اية فكرة اومضمون باستثناء الضحك ، وكأن البلد حقق كل متطلبات العيش الرغيد ولم يبق له غير الضحك ، لذلك يتطلب الامر من كتاب النص المسرحي والدرامي ان يضعوا مسرحية المحطة بوصلة ترشدهم نحو المضمون الحي والواقعي الذي يعطي كل ذي حق حقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو


.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق




.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس


.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم




.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب