الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ومسؤولية اليسار

المناضل-ة

2008 / 10 / 24
الحركة العمالية والنقابية



تستعمل الصحافة البرجوازية هذه الأيام ما أذاعه أحد القادة المطرودين من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، من فضائح تبقرط وفساد وخيانة، بقصد التيئيس وإشاعة فقد الثقة في التنظيم العمالي.

فقد قامت جريدة الاتحاد الاشتراكي، هذا الحزب الحكومي الذي يتحمل مسؤولية تاريخية جسيمة في تمرير السياسات الامبريالية ببلدنا وتحطيم مكاسب عمالية عديدة، بنشر نص استقالة الانتهازي افرياط عبد المالك في صفحة كاملة، وخصت انضمام الوصولي الرماح عبد الرحيم عضو المكتب التنفيذي لك.د.ش إلى وكالة هذا الحزب النقابية المسماة "فيدرالية ديمقراطية للشغل" بتغطية إعلامية استثنائية، ساعية إلى دفع التصدع في ك.د.ش إلى أقصاه. وراحت الجرائد البرجوازية الأخرى، المسماة "مستقلة" تروج كعادتها لما تتمنى من مزيد تردي النقابات العمالية وتفككها.

هذا بينما تلتزم أغلب قوى اليسار، إصلاحية وجذرية على السواء، صمت من لا يعنيه الأمر. وهذا صمت مألوف لم تزعزعه مصائب مماثلة سبق أن ضربت الحركة النقابية ببلدنا، منها مسؤولية بيروقراطية إ.م.ش في نهب الضمان الاجتماعي، والذبح المتكرر للديمقراطية في مؤتمرات النقابات وهيآتها، والمشاركة المباشرة في تخريب مكاسب عمالية تاريخية، والجريمة المقترفة باسم إ.م.ش بحق عمال مناجم جبل عوام في صيف 2007، مثالا لا حصرا.

لقد اتسم موقف اليسار داخل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمهادنة التيار المهيمن وبمقايضة حق نقد الحليف بكراسي في أجهزة القيادة، وحتى بالتزلف للبيروقراطية رعيا لحسابات التحالف مع حزبها في تحالف لا مبدئي وعديم الجدي يسمى "تجمع اليسار الديمقراطي". لا بل ثمة مشاركة من عناصر اليسار الجذري في بنيات تؤسسها الدولة لتمرير التعديات على العمال، ليس اقلها ما سمي باللجنتين الوطنية والتقنية لأنظمة التقاعد. كما يسهم "يساريون جذريون" في تقويض ما تبقى من مكاسب عمالية بمشاركتهم الصامتة في مجلس إدارة الضمان الاجتماعي الذي يقوم حاليا بخصخصة المصحات العمالية لصالح شركة اسبانية متعددة الجنسية، كما قام بإجراء تشديد شروط الحصول على التعويضات العائلية على نحو يؤدي إلى حرمان ما لا يقل عن 100 ألف عامل منها.

إن موقف قيادات اليسار مما يجري داخل النقابات العمالية من تفاقم التبقرط والفساد والانبطاح بوجه أرباب العمل ودولتهم، لا صلة له بما تدعي من قيم الديمقراطية وتحسين أوضاع الكادحين، ناهيك عن بناء حزب الثورة الاشتراكية . لقد سبق للمؤتمر الوطني الأول لحزب النهج الديمقراطي (صيف 2004) أن اعترف بشجاعة بأوجه ضعف أداء مناضليه في النقابات العمالية، معتبرا " أنهم لا يصارعون التوجهات السائدة في الإطارات الجماهيرية والتي غالبا ما تكون لصالح البيروقراطيات والنظام، وأن بعضهم قد يتحول إلى بيروقراطيين، وأن تنظيمهم السياسي مجرد منسق يتم اللجوء إليه لتوفير قوة انتخابية [ إلى الأجهزة] ". (وثيقة الوضع الراهن ومهامنا ص 42 من وثائق المؤتمر الأول).

لكن مع الأسف الشديد أكدت وقائع عديدة، في السنوات الخمس الأخيرة، أن لا شيء استخلص من هذا التوصيف على صعيد المهام العملية، لا بل حتى تلك الرؤية النقد ذاتية غابت عن وثائق المؤتمر الأخير للنهج.

لقد وقف مناضلون عماليون كفاحيون عديدون ضد خط البيروقراطية، ومنهم من تعرض لقمعها، و تمثل الحركة المعارضة في نقابة الجماعات المحلية في ك.د.ش، المتبلورة ضد توقيع قيادة النقابة اتفاقا معاديا لمصالح العمال مع وزارة الداخلية، وجها بارزا من أوجه النضال ضد البيروقراطية و ضد خيانة مصلحة العمال [راجع المناضل-ة عدد16 ]. ودافع مناضلون كفاحيون عن الديمقراطية وخط نضال طبقي في هيآت بعض النقابات، كما جري بآخر مؤتمر لنقابة التعليم في صيف 2006. ولم تكف جريدة المناضل-ة منذ يومها الأول عن التصدي لخيانات البيروقراطية بكل النقابات، و عن التقدم بوجهة نظر عمالية حول قضايا النضال النقابي والشعبي، بوصلتها في ذلك هدف بناء أدوات النضال العمالي، النقابي كما السياسي. ويشكل هذا الرصيد من النضال ضد البيروقراطية، رغم حجمه الجنيني، الأمل الوحيد في انبعاث نضالي للحركة النقابية بالمغرب، انبعاث يخلصها من المستنقع الذي أوصلتها إليه البيروقراطية النقابية والسياسة الخاطئة لأحزاب اليسار.

لا شك أن العديد من مناضلي هذا اليسار مستاؤون من سياسة قياداتهم الحزبية المسايرة للبيروقراطيات النقابية، ومتشككون في صوابها، وهم الآن مدعوون قبل فوات الأوان لتجاوز السلبية والانتظارية، ووضع قضية إنقاذ النقابات العمالية ضمن القضايا الأساسية بجدول الأعمال.

إن البيروقراطية اذ تغرق يوما بعد يوم في وحل خيانة مصالح العمال تجر معها كل الصامتين عن جرائمها. إن الحقائق التي كشفتها رسالة استقالة الانتهازي افرياط تؤكد، رغم جزئيتها، صواب الموقف النضالي الذي وقفه مناضلو طبقتنا بوجه البيروقراطية وتخريبها لمنظمات النضال النقابي، و في الآن ذاته تهافت مواقف مسايرة البيروقراطية للفوز بمقاعد قيادية، لا لقيادة نضال العمال بل الإسهام في التعدي عليهم.

لقد بلغ الفساد والتبقرط في الك.د.ش طورا نوعيا، و حتى إن لم يصل إلى الذرى التي حققها بيروقراطيو إ.م.ش في تاريخ ولائهم العريق للنظام، فانه من الخطورة لدرجة تستدعي الاستنفار. إن الوضع الكارثي لك.د.ش أكبر من قضية زمرة من الانتفاعيين عادت إلى البرلمان حبا في المال والامتيازات، إنها قضية إنقاذ ما تبقى من تنظيم من التفكك. فالتردي بارز منذ سنوات عديدة كان من ابرز أوجهه إحضار المجرم إدريس البصري إلى المؤتمر الثالث و مهزلة مؤتمر العيون. لقد أكدت تداعيات سحب البرلمانيين أن سيرورة التفكك لم تتوقف بعد، كما أن إصابة النقابة في رأسها (فقد المكتب التنفيذي لحد الساعة قرابة نصف أعضائه)، و قاعدة الخضوع في اجتماعات الأجهزة الوطنية لأهواء الكاتب العام ينذران بكوارث أعظم.

إن مسؤولية اليسار عظيمة في هذا الظرف الحرج إزاء الخطر البالغ المحدق بما تبقى في الكونفدرالية، و يبدو أنها الفرصة الأخيرة لاتخاذ اليسار الموقف السليم الذي يمليه الحرص على مصالح العمال وإلا غرق بصفة نهائية في المستنقع الآسن مع البيروقراطية. إن رسالة الانتهازي افرياط تتهم احد قادة النهج الديمقراطي، العضو بالمكتب التنفيذي، وهو بذلك ملزم بقول الحقيقة حول ما يجري في ك.د.ش و الإسهام من موقعه في عملية الإنقاذ. كما أن ثلاثة من المتبقين بالمكتب التنفيذي ينتمون لأحزاب اليسار( 1 من الطليعة و1 من اليسار الاشتراكي الموحد و 1 من النهج الديمقراطي)، مما يضع هذه الأحزاب بوجه مسؤوليتها فيما سبق وفيما سيأتي.

إن الوضع الخطير داخل ك.د.ش يستدعي نقاشا منظما وبلا قيود، وبحرية كاملة في التعبير، تتجسد في إصدار نشرة نقاش داخلي يعبر فيها المناضلون، أفرادا وتيارات، عن أرائهم في ما حصل لمنظمتهم، ويقدمون فيها اقتراحات حول خط نضال النقابة، وسبل تجسيد الديمقراطية الداخلية في آليات مضبوطة بدل إبقائها جملا لتزيين الأنظمة الداخلية. هذا النقاش سيكون مقدمة لتحضير مؤتمر دراسي يكون بدوره إسهاما في تحضير حقيقي لمؤتمر الكونفدرالية الخامس، تحضير ديمقراطي يخلو من عمليات الإنزال لإغراض انتخابية، ومن طمس الأسئلة الحقيقية، ومن استبدال آليات الديمقراطية بالتصفيق والهتاف. وأولى مهام اليسار الجذري بهذا الصدد أن يتقدم بوجهة نظره ويعمل لكسب تأييد أغلبية القاعدة النقابية لها. وإذ تبدو حظوظ اهتداء مجمل هذا اليسار إلى هذا الموقف ضئيلة، فإن أمام مناضليه الرافضين لسياسة القيادات الحزبية فرصة الإسهام في إنقاذ شرف النضال البروليتاري الحقيقي.

جريدة المناضل-ة

22 اكتوبر 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطريقة المثالية للتعامل مع الموظفين المتأخرين


.. مصادر لـ-أكسيوس-: 3 أشخاص يتحكمون في الوصول إلى بايدن.. موظف




.. حرب اليمن: وقود البطالة بين الشباب


.. قُبيل ألمبياد باريس -تطهير اجتماعي- بحق طالبي لجوء مشردين بن




.. زيادة في الأجر الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص في تونس بنسبة 7