الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا علاقة بين فكر النيهوم ومشروع الحريري

عاصم بدرالدين

2008 / 10 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


يكفينا فخراً أن مسجد محمد الأمين، الذي أفتتح مؤخراً في وسط بيروت، يتسع لأكثر من خمسة ألاف مصلٍ في مساحة تفوق الــ10 ألاف متر مربع وأن حفل افتتاحه لمَّ شمل اللبنانيين جميعاً، كما أوحت الصحف المحلية، كذلك الأمر كان كرنفالاً لجمع الشتات العربي الإسلامي. وفي ظل إغفال مقصود لتكلفة المشروع المادية، وهي تقدر حكماً بملايين الدولارات، يضحي الإيمان الديني نمطاً من التبذير السافر بعد أن كان شكلاً من التزهد والابتعاد عن المادة. وإذا كنا نعترف بالقيمة الجمالية للمسجد المصمم على الطريقة التركية، فإننا نلفت إلى قلة أهميته المعنوية، فضلاً عن ضحالة دوره الديني "التبشيري" في ظل انتشار عشرات المساجد في المنطقة نفسها من بيروت. لكن الفكرة الشائعة، القائلة بدخول بانوا المساجد إلى الجنة، تجتذب رجال المال من اللبنانيين إلى سلك درب "الاستثمار الجاف" في بناء الأحجار والهياكل الدينية.

لا أحسب أن باني الجامع المذكور، أياً كان فهنا لا علاقة للاختلاف السياسي في تناول الموضوع. لا أحسبه يعمل، من خلال بنائه لهذا الجامع الضخم، على تبني فكر الليبي الراحل الصادق النيهوم، الداعي للعودة إلى "الجامع"، وخاصة في يوم الجمعة، كمكان إسلامي أصيل للبوح والتعبير بحرية مطلقة والحديث عن كل شيء بجرأة دون سطوة أحد على أحد، والتجادل حول شؤون الدولة بين مواطنيها، حيث لا سلطة في "بيت الله" إلا للـ الله وحده، وحيث رجل الدين شأنه شأن البقية من الناس، لا يعظ ولا يمجد السلطان. مستعيضاً بذلك عن الفكر الغربي، بمؤسساته وآلياته البرلمانية الديمقراطية، على أساس أن ما أنتج الحالة الغربية الراهنة من التطور والحداثة (ويسميه الزلزال: الثورتين الصناعية والفرنسية)، هي عوامل خاصة بها، والعالم العربي والإسلامي يفتقدها طالما أن رأس المال غائب واليد العاملة مشلولة والإدارة الفاعلة مفقودة. وبناءً عليه يبرر فشل التنمية في مستوياتها كافة عربياً، باستحالة النسخ عن النموذج الغربي فلا الزمان والمكان نفسهما ولا المقومات ذاتها.

حسبنا ما حسبنا، لئن مسيرة "تيار المستقبل" في السنوات الثلاث الأخيرة (وما سبقها في حياة الشهيد رفيق الحريري وإن مستتراً)، لا تشي برغبة علنية أو ضمنية للارتقاء بـ "المسجد" حيث الطقوس الدينية فقط، إلى مصاف "الجامع" حيث الحوار حول بناء الدولة وتحديثها. وإذ نقول هذا، نبتعد تماماً عن صيغ الافتراء المتداولة، فجدران المساجد المنتشرة في كافة بقاع الوطن تشهد على توجهات وخطابات رجال الدين المستنفرة للعصبيات والغرائز. فكما يشير النيهوم فإن "الجامع" الأخير كان في عهد عمر بن الخطاب، وفيما بعده، وخصوصاً في عهد الدولة الأموية تحول إلى "المسجد" حيث يتلهى المواطن التعب من حياته ومشاكله في أداء الطقوس وسماع خطابات الشيوخ مطأطأ الرأس قهراً، دون أن يناقش -كما في الجامع-أو ينبس ببنت شفة، وهذه الخطابات لا تسهم إلا في مديح السلطان وتعزيز مكانته برضى من الله. على هذا نفهم سبب تجمع رجال الدين السنة حول "الحريرية" والتفاف شيوخ الشيعة حول "الحزب إلهي".

هذه العلاقة بين رجل الدين بأدواته (المسجد، الفتاوى الدينية، الخطب) وبين رجل السلطة ليست جديدة أبداً، وليست مستغربة، ولم نخترع جديداً في الحديث عنها، بيد أن ما يلفت الأنظار أن الإسراف في بناء المساجد أضحى ظاهرة اجتماعية مدمرة، وهي لا تبشر بالخير البتة. فطالما أن "بيوت الله" هي مساجد وليست جوامع وما ينتجه هذا الأمر من تداعيات، إن كنا مع الفكر النيهومي أو ضده، فإننا نسير حقاً نحو المجهول الأخطر. ولا أفضلية لأحد في هذه الحالة، فكما يدفع ممولي المستقبل الأموال الطائلة لبناء هذه المنشآت الضخمة غير المنتجة اجتماعيا وثقافياً واقتصاديا، يدفع حزب الله ورجال أعماله ومريديه من الأغنياء.

الظاهرة تتخطى مثالية مقولتي: "أرض الديانات" و"رسالة لبنان السماوية" أو صورة "أجراس الكنيسة تقرع مع رفع الآذان من قبة المسجد"، إلى كون الدين عموماً، يشكل حالياً إطاراً مساعداً إلى إعادة التموضع المذهبي، وبث الفكر الإستتباعي الغيبي، الذي يعيدنا إلى الوراء مئات السنين، دون أن يقدم هذا النموذج الفكري أي حل يحسن واقعنا. ففي هذه الأموال التي دفعها آل الحريري، لبناء الحجر الصامت، كان بإمكانهم إقامة أي مشروع تنموي، اقتصادي إنتاجي أو خدماتي اجتماعي، يستفيد منه أهل الشمال (أو الجنوب أو أي منطقة أخرى)، في محاولة قد تفيد في معالجة الحالة الأصولية الناشئة والمنتفخة باستمرارية في أكثر المناطق اللبنانية بؤساً ووضاعة. فالأصولية الدينية وما تعنيه من تعصب وعنف ما هي إلا نتيجة طبيعية لانحطاط المستويين الاجتماعي والثقافي وغياب البديل المادي.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار