الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-بهية- هذا الزمان!

إكرام يوسف

2008 / 10 / 25
حقوق الانسان


ارتبط اسم ”بهية" بمصر ـ الوطن المجسد في الأم والحبيبةـ عند معظم أبناء جيلي، فما أن يأتي ذكر الاسم حتى يتذكر معظمنا صوت الشيخ إمام عيسى شاديا "مصر يامه يا بهية"، وترد إلى الخاطر فورا صورة المبدعة الرائعة محسنة توفيق في "عصفور" يوسف شاهين، وفي الحالتين يتماهى الاسم مع الصوت والصورة لتمتلئ الروح إحساسا بمصر المتوثبة لصباح يشرق بحياة أكرم لأبناء“بهية” وعشاقها.
تدافعت هذه الأفكار في رأسي وأنا أرى على شاشة الكمبيوتر صورة "بهية" هذا الزمان.. من لحم ودم ومشاعر! تشي عيناها بكل صور القهر والضياع والإحباط، لتجسد صورة حية لما يمكن أن تصل إليه صورة بهية حلمنا/مصر!..
فعلى أحد المواقع شاهدتها: أماً مصرية بسيطة من فقراء الوطن، بائعة متجولة في ريف البلادر، لم تكن لتلفت نظر مذيع أو معد برامج يجري معها أي نوع من أنواع الحوار، لولا تلك الظروف "العبثية"، التي وضعتها دون رغبة منها في مواجهة مجتمع انقلبت أحواله، فبدلا من أن يبذل أولو الأمر جل جهدهم لتوفير حياة كريمة لأبنائه في هذه الدنيا؛ راحوا يفتشون في قلوب الناس باحثين عن اختياراتهم في "الحياة الآخرة"، وإجبارهم على اتباع السبيل الذي يراه "’آخرون" طريقا للجنة.
بهية ..التي يقولون أن والدها اختار التحول عن دينه ـ بملء إرادته وابنته طفلة لم تزل ـ ثم عاد إليه، لأسباب تخصه إلى أن وافته المنية، يحرص البعض على معاقبتها لكونها لم تتبع ديانة اعتنقها والدها لبعض الوقت، ولا يرون مبررا لاتباعها الديانة التي نشأت عليها وتزوجت من أحد أتباعها وأنجبت أبناء انتموا لدين والدهم ـ الذي لم يغيره حتى الآن ـ
بهية الفقيرة البسيطة ترتبك في مواجهة الكاميرا.. أسقط في يدها عندما سألها المذيع عما يمكن أن تقوله لمن أصدر عليها حكما بالسجن بناء على أوراق تقول أنها زورت في أوراق رسمية بادعائها ديانة غير التي اعتنقها والدها ـ لبعض الوقت ـ فبدا على وجهها المتعب الارتباك وأخذت تحاول تجميع كلمات تشبع فضول المذيع، ثم قالت في عفوية: "أقول له.. ظلمتني.. وبس"!
بهية هذا الزمان ـ ياسادة ـ لا تجيد تدبيج الخطب العصماء والحديث عن حقوق الإنسان وحرية العقيدة والحق في التعبير عنها.. هي لا تعرف سوى أنها نشأت في بيت تربت على قيمه وذهبت إلى بيت العبادة الذي ترتاده عائلتها، وتعلمت تعاليم ترى أن فيها طريقها لجنة الله الذي تؤمن به، فما دخل الحكومة بسلطاتها وموظفيها في كل هذا؟.
قصدت ألا أسمي ديانة "بهية" التي تحملها في قلبها، ولا الدين الذي اتبعه والدها ـ لبعض الوقت ـ لأن الموضوع ليس له علاقة بالأديان، بقدر ماله علاقة بسلطات "دنيوية" تركت مسئوليتها عن توفير الحياة اللائقة لشعب تولت أمره ـ بصرف النظر عن الملابسات ـ وانشغلت بالتدخل في شئون "أخروية" ليست من شأنها.
"بهية" ـ ياقوم ـ مواطنة مصرية، تستحق أن تعيش في بلدها آمنة ترعى أسرتها تحت مظلة تأمينات اجتماعية وصحية ومستوى معيشي يليق بالآدمي يوفره لها نظام يحكم "كل المصريين" أصحاب هذا الوطن، وحكومة وظيفتها الأساسية تحقيق هذا المستوى في "الحياة الدنيا"، أما "الحياة الآخرة" فلها رب يرعاها.
ومثل بهية، ماريو وأندرو الطفلان اللذان من حقهما كمواطنين في سن الطفولة أن تضمن لهما الحكومة التعليم الجيد والرعاية الصحية اللائقة وفرص الحياة الكريمة، مقابل ما يدفعه أهلهما من ضرائب كغيرهم من المواطنين، ومقابل التزامهما بخدمة هذا الوطن والدفاع عنه عندما يحين الحين، دون أن يتدخل أحد ليفرض عليهما السبيل الذي يراه ـ هو ـ الأقوم للفوز بالجنة.
دعونا ننظر إلى هاتين القضيتين، وغيرهما، نظرة تتعلق بالدور المطلوب من الدولة تجاه "جميع" مواطنيها مقابل قيامهم بواجبات "المواطنة"، ولندع جانبا التفتيش في الضمائر والحكم على العقائد. وبهذه المناسبة، لماذا لم نجد من يعالج قضية "رامي خلة" باعتبارها قضية "مواطن مصري" فقد القدرة على التمييز السليم، فارتكب جريمة قتل زوج شقيقته التي "خرجت عن طاعة عائلتها وتزوجت رغما عنهم، ثم سكنت بالقرب من منزل عائلتها لتشتعل نيران الغضب والاستفزاز في قلوب العائلة"؟ ألا يحدث ذلك كثيرا بين أوساط اجتماعية معينة؟ أن تقدم الأسرة على جريمة قتل ابنتها التي خرجت عن طاعة الأسرة وتزوجت رغما عنها، مما يترك لديهم انطباعا بأنها "مرغت كرامتهم في التراب" حتى وإن كان من تزوجته على نفس الدين؟. إن الإصرار على معالجة أمثال هذه القضايا من منظور ديني، هو الذي يصب المزيد من النيران على الفتنة ـ التي لم تعد نائمة على أي حال ـ والحل الوحيد لوقف هذا الاحتقان، هو أن تثبت المؤسسات " المدنية" جدارتها بالقيام بمهامها الدنيوية تجاه "جميع" مواطنيها على قدم المساواة، وهو أيضا الحل الوحيد الذي يضمن قصر مسئولية "المؤسسات الدينية " على مهمتها الأصلية، ويضمن أن تعود مصر "بهية" من جديد.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دوجاريك: القيود المفروضة على الوصول لا تزال تعرقل عمليات الإ


.. الأونروا تقول إن خان يونس أصبحت مدينة أشباح وإن سكانها لا يج




.. شبح المجاعة في غزة


.. تشييد مراكز احتجاز المهاجرين في ألبانيا على وشك الانتهاء كجز




.. الأونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة حرموا من التعليم بسبب ا