الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرصة الكبرى لليسار السياسي الأمريكي ..

فواز فرحان

2008 / 10 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


وضع القيود على عمل السوق ، وتعالي الدعوات المطالبة بسيطرة أوسع للحكومة على عمل مختلف الشركات العاملة في القطاع الخاص هما من المطاليب التي أصبحت مُلّحة من وجهة نظر الكثير من الامريكيين ،حتى من الذين كانوا من أشد مناصري السوق الحرة لتلافي المزيد من الانهيارات المالية التي تلوح في الأفق لاسيما عند إعلان الإنسحاب من العراق أو إعلان الخسارة في الحرب فإن خبرين من هذا النوع كفيلان بتحويل ما يحدث اليوم من أزمة مالية خطيرة الى أزمة خفيفة الظل قياساً لما ستكون عليهِ الحالة حينها ...
والحقيقة ان الازمة المالية التي حدثت مؤخراً لم تكن بسبب خفض قيمة الفائدة من قبل الحكومة الفدرالية الامريكية فحسب بل جاء نتيجة لتراكمات الجشع الذي شجعتهُ الحكومة نفسها في البورصات لجمع أكبر قدر من الاموال عند تلك الفئة التي راحت تتلاعب بالأسهم كما تشاء دون ان تعي انها تخوض تجربتها في بيئة مالية شبيهة بالبالون الذي يمتلئ بالهواء وينفجر عند حدٍ معين ليتحول الى لا شئ ، اما الحل الحقيقي الجذري للعملية تدركهُ الحكومة الأمريكية جيداً وهو تأميم قطاع المصارف في البداية وكذلك وضع قيود حقيقية على عمل المتلاعبين بالاسواق لمنع تكرار حدوث هذا النوع من الأزمات المالية مستقبلاً ...ولكن ..هل تريد الحكومة الأمريكية هذا الحل فعلاً ؟؟
الجواب واضح لكل ألمطلعين على حقيقة الوضع السياسي والطبقة الحاكمة في هذا البلد فهي ان فعلت ذلك تكون قد ذهبت فعلاً لتقليد النظام السياسي والاجتماعي لجمهورية بيلاروسيا التي ترى فيها الولايات المتحدة نظاماً فاشلاً لكن الواقع يقول ان هذا النوع من الازمات لا يمكن ان يترك آثاراً على إقتصاد بيلاروسيا لان الدولة فيها أممت كل قطاعات التجارة والمصارف وجعلتها خاضعة لسيطرتها الفعلية ولا يمكن لأحد إختراقها وإن لم تفعل فأنها تكون قد قرّرت إنتظار نهايتها الحتمية التي تعلم أبعادها جيداً ، لقد بذلت قوى اليسار في الولايات المتحدة الامريكية جهوداً جبارة من أجل تحقيق مطالبها في تأميم قطاعات واسعة من مؤسسات الدولة الفدرالية وفي مقدمتها المصارف وكانت هذهِ الدعوات تواجَه بسخرية وكم هائل من المقالات المضادة التي كانت تتهمم في انتمائهم للامة الامريكية واليوم تجري كل النقاشات في الكونغرس وخارجه حول السبل الكفيلة بتطبيق تلك الخطوات دون جعل اليسار السياسي يشعر بالانتصار او يثبت طروحاتهِ على الارض الأمريكية ...
لحد هذهِ اللحظة لم تطال تلك الأزمة قطاعات واسعة من الشعب الامريكي لانها لا تزال في بداياتها وعلى الأغلب فإنها ستستمر بضع سنوات نتيجة إنعدام الثقة التي خلّفتها الأزمة ولن تعود الثقة لتلك الاسواق إلا بعد تدخل الحكومات بقوة من خلال تبني قوانين إقتصادية جديدة ولن تخرج هذهِ القوانين من إطار سيطرة الدولة على قطاعات معينة في إقتصادياتها وهو ما يمثل جوهر المطالب التي تنادي بها القوى اليسارية والاشتراكية في الولايات المتحدة والبلدان الاخرى التي تأثرت بالأزمة ، أن تتحول الولايات المتحدة الى دولة يسارية بغمضة عين فذلك أمر خيالي لا وجود له إلا في رؤوس الحالمين لكن خطوات تدريجية تصب في هذا الإتجاه غدا أمراً مُلحّاً لا يمكن للحكومة الفدرالية تجاهلهُ لانه سيؤدي لفقدانها لسلطتها كما سيهدد كيان الولايات المتحدة كدولة فدرالية وربما يؤدي لتقسيمها ...
لقد وقف الاقتصاد الأمريكي صامداً أمام الكثير من التحديات نتيجة الحروب التي كانت تفتعلها الادارة الامريكية في بقاع عديدة من العالم لكن عالم اليوم غدا مختلفاً الى حد كبير عن حقبة الحرب الباردة بين المعسكرَين ولم يعد بالإمكان لأحد ان يذهب وراء طروحات الادارة هذهِ قبل ان يدرس جيداً المدى الذي يمكن ان تؤدّي اليه حتى من أقرب حلفائها في اوربا ، فالولايات المتحدة غدت المعقل الأخير للرأسمالية المتطرفة بعد ان طعّمت اوربا قوانينها بالكثير من القيم الاشتراكية وهذا المعقل كي يتخلّص من تطرّفهِ وعزلتهِ عليهِ ان يواكب العصر قبل ان يتخلّف عن الدول المتحضرة في مسيرتها ...
ان امام اليسار الامريكي فرصة كبيرة لإعادة التوازن الى المجتمع الامريكي الذي أصبح التطرّف سمة بارزة من سماتهِ حتى في المسائل الاقتصادية فهو يإما يكون في حالة رخاء يحسد عليها أو يكون في الهاوية ينتظر مصيره دون حراك ..فبعد ان تمكنّت القوى اليسارية من تحويل الصراع لمصلحتها في تعديل الكثير من القوانين المدنية تخوض اليوم صراعاً من نوع آخر هو تعديل هذهِ القوانين لجعل الدولة أكثر سيطرة على قوانين الاقتصاد والتجارة وبالتالي تحقيق تقدّماً يصب في خدمة المجتمع الامريكي الذي وقع تحت ضغط التشويه المُتعَمّد للكثير من مواضيع الحياة لا سيما تلك التي تتعلق بطروحات اليسار السياسي ونظرتهِ لطبيعة الحياة في المجتمع الامريكي ...
ان الحرب التي دخلتها الولايات المتحدة في العرق تشكل جزءاً مهماً من حالة الجشع التي سيطرت على عقول منظري هذه الحرب من المراهقين الذين توقعوا ان يكون العراق بنما أخرى يجري اجتاحها والخروج منها بفوائد إقتصادية تسهم في ديمومة الاقتصاد الامريكي لعقود طويلة لكنهم تفاجئوا بتحوّل هذهِ الحرب الى حجيم متعدد المخاطر لا يمكن الخروج منه برغبتهم كما انهُ أدى الى جعل صورة الولايات المتحدة سوداء ومقترنة بالارهاب والاحتلال وتزوير الارادة وخنق الحريات ودعم الطائفية والعنصرية والعشائرية من خلال نظام الحكم الذي أرستهُ في العراق ...
ولا يمكن ان تكون هناك نهاية لطبيعة هذهِ المشاكل دون إيجاد حلول لها الواحدة تلو الاخرى فالحرب في العراق مثلاً لا يمكن ان تنتهي باتفاقية كما تريد لانها لا يمكن ان ترى الجانب الآخر من الحقيقة وهو ان توقيع الاتفاقية سيعني عملياً الاطاحة بالاحتلال وحكومتهِ الدينية والعشائية في العراق كما حدث لسابقتها بورتسموث ، وموضوع الازمة المالية لا يمكن ان يُعالَج دون تحقيق سيطرة الدولة على المفاصل المهمة للاقتصاد وتأميم قطاعات واسعة من الاسواق والمؤسسات والمصارف وهو ايضاً لا ترغب به ، ان أفضل الحلول للحرب في العراق تتجسد في رؤية شخصية وطنية أمريكية صادقة وشريفة في البيت الابيض للفترة المقبلة يعلن بصراحة إفتقاد الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق للقيم الاخلاقية وانها تشكل تعدياً على حرية الشعوب وكرامتهم وان يعلن بصدق ان الحرب قامت على أكاذيب لا أساس لها من الصحة وان الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الاخلاقية عما لحق بالعراق وأرضهِ وشعبهِ ...
لقد فعل غورباتشوف ذلك بصراحة أثناء إحتلال بلادهِ لافغانستان وكذلك أعلن شفارنادزة وزير خارجيتهِ عندما قال ان حربنا على افغانستان تجاوزت كل القوانين والاعراف الدولية وانها إفتقدت الى القيم الاخلاقية ...
اما مصير الاقتصاد فيبقى الى حد بعيد رهيناً بقدرة الرئيس المقبل على تحقيق خطوات من شأنها وضع حد لتلك الصورة السلبية التي انتشرت عن الامريكي في العالم من جشع ، اننا لا نطمح سوى في ان تكون هناك قوى حقيقية فاعلة على الارض الامريكية تحد من سيطرة تجار المخدرات والاسلحة وأصحاب الملاهي الليلية على القرار في هذه الدولة ...
لا نريد منهم ان يعلنوا قيام الولايات المتحدة السوفيتية وان يحتفلوا بأمجاد اكتوبر ، كما لا نريد منهم ان يقيموا الولايات المتحدة العمالية كي لا تبدو مطالبنا مستحيلة بل نريد ان يعلوا صوت التمدن والحضارة والسلام على صوت القوة والطمع والحرب ليعيش العالم بأسرهِ بسلام وأمان ...









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني