الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتاتور.. الصورة والأصل

كاظم الحسن

2008 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



عندما ظهر طاغية العراق في الحفرة الشهيرة وهو في حالة مزرية متنكرا بهيئة رثة يعتريه الذهول والدهشة اطاح بكل صوره التي عمل جاهدا على تزويقها وتجميلها ليبدو كأنسان خارق ومكتمل لا تأخذه ازمة او حرب او مصيبة، بل تراه مبتسما وضاحكا في احلك الظروف كما تصوره عدسة الكاميرا او كما يظهر على شاشة التلفاز.

هذه الصورة المتخيلة التي رسمها الاعلام عنه وحاول عرضها وتسويقها وتكريسها في اذهان الناس تبددت في لحظات الى الحد الذي جعل اتباعه لا يصدقون ما شاهدوه امامهم واعتبروا ذلك فبركة اعلامية.واليوم يظهر زعيم صرب البوسنة السابقة رادفان كراديتش المتهم بارتكاب جرائم حرب خلال حرب البلقان، بقبضة السلطان الصربية، بعد 13 عاما من الاختباء خلف لحية بيضاء وشعر اشعث طويل ونظارات طبية كبيرة، ومن المتوقع تسليمه الى محكمة العدل الدولية في لاهاي خلال الايام القليلة المقبلة.
الملفت للنظر التطابق المذهل بين الصورة التنكرية لطاغية العراق وزعيم صرب البوسنة لحظة اعتقالهما وذلك يطرح اكثر من سؤال بشأن قدرة الطغاة على تقمص الادوار التمثيلية وارتداء الاقنعة وقد يكون ذلك محاولة للتهرب من الماضي المتمثل بالدماء والاثام.
وصف الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ان عملية اعتقال كراديتش لحظة تاريخية انتظرها المجتمع الدولي والضحايا لمدة 13 عاما.المفارقة ان النظام العربي السياسي وقف بالضد من المتغيرات السياسية في العراق وحاول احتواء وعزل العراق عن محيطه العربي والاقليمي واعتبر تداعيات التغيير تهديدا له.
في حين ان تصريحات الاتحاد الاوروبي كانت تصب في مصلحة صربيا بعد اعتقال جزار البوسنة، وطالب عدد من المسؤولين الاوروبيين بضرورة تسهيل انضمام صربيا للاتحاد الاوروبي، وهذا يعطي رسالة واضحة للعالم ان وجود الطغاة في السلطة او خارج قضبان العدالة لاسيما من ارتكبوا جرائم حرب او ابادة عرقية او طائفية سوف يكون حجر عثرة في طريق عودة الدول التي توفر لهم الملاذ الامن، الى المجتمع الدولي والوضع القانوني وان القضية لا تتعلق بطائفة او عرق او دين او هوية من يقوم بارتكاب جرائم الحرب او الابادة، ويدل ذلك على جهل فاضح بالقوانين الدولية وتجاهل لدور الهيئات القضائية في البلدان الديمقراطية، التي لها القدرة اللازمة لمحاكمة المسؤولين او الوزراء او الحكام ان تجاوزوا على القانون كما حدث في فضيحة واترغيت واطاحت بالرئيس الاميركي نيكسون.
يقول المفكر الايطالي فيراجولي وهو من ابرز الحقوقيين المعاصرين المهتمين بتطور نظريات القانون الجنائي وعلم الاجرام:”في عالم الجريمة التقليدي يأتي الاعتداء على الحقوق والممتلكات عادة من افراد على هامش المجتمع او عصابات معزولة ولتحقيق الكفاية غالبا، اما اليوم فان الاجرام الذي يمثل التهديد الاكبر لاستتباب امن المجتمعات والامم والتحدي الابرز لتشريعاتها ومؤسساتها هو ما يسميه فيراجولي”اجرام السلطة“ وهو صنف من الجريمة غير هامشي وانه -خلافا للجريمة التقليدية- متجذر في مركز المجتمعات ويتحكم في مفاصلها.

ويرى ارسطو في كتابه الشهير”السياسة“ ان الطغيان حكم اقلية وتضليل ومنافع ذاتية لا يرمي الى مصلحة من المصـــالح العامة.
ش
ويبدو ان مشاهير الطغاة في الارض عاشوا طفولة شقية فلم تتكون لديهم مصالح مشتركة مع الاخرين ولم يكن ثمة ضمير اجتماعي في نفوسهم يجعلهم يتوقفون عن سفك الدماء.
والضمير لديهم يتحول من خلال الجمهور او الجموع الحاشدة التي تؤيد الدكتاتور الى ضمير مطلق للعنف والقتل فتكون العدوى متبادلة ضمن سايكلوجية الدكتاتور والجماهير فتنطلق الغرائز من عقالها وتكون مدمرة للاثنين، فالجمهور الذي يبحث عن منقذ وهوية جمعية تشعره بالامان وحاكم يبحث عن شرعية مفقودة وغرائز مكبوتة بفعل الطفولة المعذبة فيتملكه المطلق في كل شئ فلا يتورع عن ارتكاب ابشع الجرائم في سقام ذهني يتفاقم كلما امتد به العمر وادمن على السلطة فقد يبيد مدناً كاملة بمجازر جماعية عندما يثور بعض الافراد او الجماعات تعبيرا عن ظلم يحيق بهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد| سقوط مظلة حاملة للمساعدات على خيمة نازحين في خان يونس


.. هاليفي: نحقق إنجازات كبرى في القتال في رفح لإغلاق المتنفس ال




.. السيارة -الخنفساء- تواصل رحلة حياتها في المكسيك حيث تحظى بشع


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منازل فلسطينيين في بلدة بير هد




.. وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أنهوا اجتماعهم الشهري دون الات