الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رائحة الوطن

البتول المحجوب

2008 / 10 / 29
الادب والفن


يجلس على ربوة، يرمي بصره بعيدا.. عل القتامة تنكشف. عيناه تعودتا فضاء زنزانة ضيقة قاتمة اللون والجدران.عيناه في شوق لرؤية ألوان الفرح. علّها تنسيه لون العتمة وجدران زنزانة طينية اللون.مازال صرير بابها في أذنه وحزمة مفاتيح صدئة يحملها حارس لعين.
يصيخ السمع لصرير أبواب الزنازين الأخرى. صرير يشبّهه أحيانا بعزف مسائي.
من زمان لم يسمع صوت عزف موسيقى.يغمض عينيه ويحلم عبر صرير الأبواب، بعزف موسيقي في هذا المساء الحزين.يحاول جاهدا أن لا يفقد السمع في هذا المكان الموحش.يصيخ السمع،يضع أذنه على جدران الزنزانة الموالية علّه يتعرف على أصوات الوافدين الجدد على “الدار”…
عيناه البنيتان أصيبتا بعمى الألوان.ذاكرته في خضم الغياب فقدت تفاصيل ملامح وجوه أحبتها يوما ما.ما أمر الفقدان على مرأى منك أيها الوطن المهزوم..
يخرج من زنزانته منكسرا..تاركا أحبة وشهداء هنا وهناك. في مقابر منسية لا يعرف لها مكانا..يردد بينه وبين نفسه بصوت يكاد يكون مسموعا:
-وعد مني أن أعود للبحث عن رفاتكم الطاهرة..؟
يشعر بحرقة وغصة.يتذكر يوم سأل ذاك الحارس اللعين عن مدافن الشهداء..يومها أتاه الرد باردا وقاسيا:
- قبورهم سويت بالأرض، تحت جنح الظلام كي لانترك لهم أثرا..
يصمت على مضض..يشعر بالغصة والحرقة والهزيمة. عند خروجه من باب القلعة المهجورة. يجول ببصره الضعيف متسائلا..:
-أين يا ترى قبور الشهداء الأحرار..؟
يأتيه صدى الصوت..وصدى السؤال الجريح.يتابع سيره، ناقما على جدران زنزانة قاتمة.يشد الرحال بحثا عن حضن وطن دافئ لا حدود له ولا جدران ولالون غير لون السماء الجميل..ولون رمال ذهبية،تقلبها الرياح يمينا وشمالا راسمة لوحة على خدها الجميل.
من بين حناياها يحاول أن ينسى رائحة جدران زنزانة عفنة، مستعينا برائحةالوطن.الشبيهة برائحة الأمهات الطيبات،المتعبات من الانتظار.يتذكر تجاعيد الزمن على وجوههن كتجاعيد وطن جريح. ذكرى بقيت محفورة في ذاكرته.عصية على النسيان.. يبتسم بحب ووجع وحرقة، مرددا أمام الآخرين:
-انه الوطن.رغم الوجع، يبقى حضنه دافئ حتى وان انكسرت أمام صمته ولم يحرك ساكنا.
دوما يلتمس العذر لهذا الوطن المهزوم..
يأخذ نفسا عميقا من سيجارته ويصمت.بين دخان السيجارة وحزن عينيه،تمتد مسافات الوجع.وذكرى جدران زنزانة قاتمة اللون.ذاكراته تضج بتقاسيم وجوه رفاق الألم والمعاناة.رفاق زنزانة قاتمة.حكاياتهم لا تنتهي رغم وجع البوح.عذاباتهم، ألامهم وأفراحهم أيضا.فبعض الهم يضحك أحيانا..
يتذكر عذابات السنين الطوال، يتذكر الم الضربات القاسية أثناء التحقيق.. صراخ هنا وهناك.تطول فترات التعذيب.ذكرى أقبية العتمة وعذابات النساء وتعذيبهن في العنبر الأخر..أي زمن هذا الذي تهان فيه المرأة..؟
المرأة في عرفه أقدس وأنبل من أن تمس شعرة واحدة منها. كيف بالله تهان تحت سياط التعذيب..؟
تبا لهذه الجدران الصماء وتبا لهذا القهر.. تتصاعد وتيرة الدق على جدران الزنازين احتجاجا على تعذيب النساء..
يشعر بالوحدة والوجع، بين أحضان وطن صامت وحزين أمام قتامة الجدران..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل