الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بسام فرج فنان كاركتير الفكاهة

ياسين النصير

2008 / 10 / 27
الادب والفن


الكلمة التي القيت باسم مؤسسة أكد للثقافة والفنون والنشر بمناسبة انعقاد الدورة الثانية لمهرجان الكاركتير العراقي في المنفى في يومي 24-25 اكتوبر -2008 - دورة الفنان بسام فرج لعام 2008.
قليل منا يعرف الفنان بسام فرج من أنه كان وزميله المرحوم مؤيد نعمة من أعمدة فن الكاركتير في العراق، أقول ذلك وأنا من أكثر المتابعين لفنهما، حيث يمكنني القول أن بسام فرج بدأ وتحت قلمه حكاية.
يعتمد فن بسام على الرجل الذي يثير المشكل، أو الرجل الكاشف للمشكل، أي الرجل القضية، وهذه نقطة مهمة من أن بسام فرج يفكر كما يجب، ثمة حكاية لهذا الرجل، رجل بحكاية، حكاية عراقية بالتأكيد، ولكنها حكاية تنتقل من الوصف إلى الفعل، ومن الكلام إلى الممارسة، اللحظة التي صور بها هذه الإنتقالة هي التي يجسدها رسما، فتكون المفارقة في سياق بنية الحكاية. ومن هنا لم يتخل هذا الرجل يوما عن هدفه، من أن يعري السيئين.
ترافق الحكاية مسيرة الرجل، كأداة للكشف المرحلى لأعمال السلطات، إننا نرى قراءة ميدانية يومية ملتزمة لما يجري في أرض الواقع، هذه القراءة يتصدى لها الرجل. كان بعض الرسامين يتخذون شخصيات شعبية نسائية أو رجالية لكن بلا ملامح خاصة بهم غير أن يكونوا عراقيين، عباس فاضل كفاح محمود مثلا، في حين أن آخرين اعتمدوا الفكر وحملوه الشخصية بمعنى أن شخصياتهم هي أفكار تتوازى مع جوهر الشخصية وموقعها، الفنان مؤيد نعمة أحد أهم المكتشفين لمثل هذه المزاوجة، في حين أن شخصية بسام فرج الفنية هي الرجل الذي يولّد الفكرة، الرجل هنا أسبق من واقعه، لأنه ذلك الكيان الذي شيد عليه الواقع و بنى تصوراتنا عما حدث، رجل ما يطرق أبوابنا ليقول لنا أن الحال الفلانية مدانة.

لاتجد في فن بسام فرج ملامح وجه معين كما يفعل على المندلاوي ومنصور البكري وفيصل لعيبي في بعض لوحاتهم، بسام يذهب لجوهر فن الكاركتير بعد مراحله الأولى، يذهب للفكرة، لتلك القضية التي يحملها المجتمع فيوطنها رجلا ليجسدها تعبيرا بخطوط وكتل، وها أنت ترى أن لا ألوان في لوحات بسام بل الأسود والأبيض هما سيدا اللوحة معتقدا أن الحقيقة لا ألوان لها، وأن الألوان كما كان يعتقد شارلي شابلن تزيف الحقائق. فثمة جدل في اعتماد اللونين الأسود والأبيض، أما المربع الناتج عنهما هو استدعاء ذاكرة المتلقي، وهو ما يمكن أن يكون حوارا جدليا بين اللوحة والمتلقي. نحن هنا أمام خصوصية متميزة في فن الكاركتير العراقي والعربي، أن بساما ليس رساما يملأ صحيفة ما برسومه، بل يتتبع تطورات قضية سياسية وفكرية شائعة، ولذلك تجده حاضرا في كل المراحل السياسية، ممثلة رسومة بهوية الرجل، ناقدا لها، ومتطلعا لغيرها.
لن تجد ما يضحك في لوحة فناني الكاركتير العراقيين وبسام واحد منهم، الحزن والجدية والصرامة هي ما تميزهم، نحن قوم لا نحب أن يرى الآخرون فرحنا، بقدر ما نقدم لهم أحزاننا، في حين أن دواخلنا صاخبة بالفرح. فن الكاركتير العراقي لا يضحك، ولا يبكي إلا نادراً، لأنه أُسس على قضية بالرغم من أن الضحك قضية إنسانية كبرى. فن الكاركتير عندنا يحكي حكاية حزينة ويرافق قضية سياسية قاسية، ويصور حال مأساوية، أنه يحاكي ولا يولد مشاعر ذاتية أو ضيقة لما يجري.
في جوهر فن بسام فرج نجد نزوعا نحو الحرية كمضاد للوحة الطبيعية والكلاسيكية والواقعية، نزوع نحو حرية الشكل وحرية البحث عن طاقة المخيلة المتجسدة في غرابة الشكل وانحناءات الخط وتسويد بقعا من اللوحة، هذا النزوع مرده إلى روح التمرد الذي دأب عليه الفنانون والشعراء لكسر قوالب المألوف من القول والرسم، وإلا ما معنى أن ينتشر فن الكاركتير في الرسم العراقي بمثل هذا الإنتشار فينشده الفنانون كلهم ويضمنوه لوحاتهم ثم يرسمون لوحات مستقله به كما يفعل الفنان بسام ومنصور وفيصل لعيبي مثلا؟ اليست هذه الحرية تمردا على سياق الرسم الواقعي ومحاولة للتجريب؟ الفنان بسام الذي استقر فنه وتتلمذ عليه فنانون عراقيون، نجده اليوم أكثر ارتكازا من غيره، ثمة استقرار في قوة الخط ووضوح وتماسك بنية الكتلة وشفافية شعرية في فضاء اللوحة، وتكوينات متناغمة تحكي الحكاية، وكأنك تجدها في القضايا التي نعيشها اليوم. هذه الخبرة وقد تحولت إلى فن متماسك وغني، تبعدنا عن أن يصبح فن الكاركتير فنا هامشياً.
لا يلجأ الفنان بسام إلى كشف عيوب الشخصية، وهي طريقة كاركتيرية مألوفة لدى العديد من رسامي الكاركتير، كي يضحكوا الناس عليها، ولا يلجأ إلى الغيب أو الفراسة في فهم الشخصية، خاصة الوجوه، لأن فنه ليس فنا لشخصيات معينة ، لذلك، نجد لوحته تمزج بين الشخصية والقضية، الشخصية والهوية، الشخصية والمرحلة، لأن شخصياته عامة وتمثل طائفة أو فئة أو شريحة مهيمنة، كما نشاهدها في هذا المعرض، وأعتقد أن مهمة أن تمثل شريحة بشخصيات معينة، يعني أن تكون قد استوعبت أفكار وسجايا وخصائص وتفكير وهوية هذه الشريحة. من هنا نجد نجاح وامتياز الفنان بسام كبيرا لأنه يبتعد عن محاكاة نماذج عادية فينغمر في محاكاة شخصيات تمثل المجموع.
2
لا يرسم الفنان بسام فرج كي يُضحك الناس، بل يرسم كي يذكر الناس بما يحيق بهم، أنه مشروع لفكرة عليه تقع مسؤولية التنبيه لها، هذه الفكرة أكبر من رسم لوحة أوتذكيربما يدور. يخرج بسام من ظاهرة التذكير بالرسم الخاص إلى ظاهرة اللوحة الفنية، وهي تلك التي تستبطن الفكاهة الحزينة لتصبح مادة سياسية فيها بامتياز. وعلينا أن نميز بين فن الفكاهة وفن الضحك، ففي رسوم بسام نجد فن الفكاهة وليس فن الضحك، الفكاهة شعرية، لها موضوعاتها الإنسانية، وتشمل ليس الرسم بل الأدب والمسرح والرواية، ولنتذكر بخلاء الجاحظ من أنها أدب للفكاهة، وليست أدبا للضحك.
ثمة نقطة جوهرية في فن بسام فرج الكاركتوري، وهي أن شخصياته شبه محددة بعمر معين، وهو ما بين الخامسة والثلاثين والستين، وهذه نقطة جوهرية، أن مثل هذه الأعمار هم من جيل القادة اليوم ، فيشكلون عصب الحياة السياسية في العالم، سلبيين كانوا أم إيجابيين، واختيار هذه الشريحة من الأعمار، تبعده عن التعرض لفئة الشباب، ولفئة كبار السن معاً. إنه يستبعد الطيش وقلة التجربة كما يستبعد الخبرة والحكنة، حيث أن مثل هذه الفئة الوسطية تكون متأرجحة الرأي والفكر والوظيفة والمهمة، وهو ما يعاني منه مجتمعنا العراقي من أن القرار غير مستقر، وأن الشخصية المتنفذة لا تأبه لقانون أو سلطة أو قضاء، شخصيات تجسد الفوضى، وتجسدها الفوضى.
كما أن الفنان بسام لم يتعامل مع شخصيات فاشلة حياتيا أو سياسيا، كي يرسمها حتى نتفكه عليها، بل يتعامل مع شخصيات جادة، وقوية، وصاحبة موقف، ولكنها ممتلئة بالسخرية السلبية لما تفكر به وتعمل، وهي تعتقد أنها على حق، في حين يراها الآخرون فكهة. التعامل النقدي الذي يلجأ إليه بسام مع مظاهر وشخصيات الواقع العراقي هو موقف إيديولوجي يمتلك كل بنيات النص الأخلاقي، أي أنه يتعامل معهم من موقف نقدي ساخر لا يتناول خصوصياتهم، أو خلفياتهم، بل مواقفهم. لذلك لا معنى للفشل عنده ولا للنجاح، فقد تكون هذه الشخصيات موفقة في أعمالها التجارية والاجتماعية والدينة والعائلية، ولكنها غير موفقة في وجودها في بنية الدولة العراقية التي تنشد الحداثة والمستقبلية. كما يلاحظ أن بساما لم يتعرض لرجال الدين ولا للرموز الدينية، فتلك لها موقعها المحترم والخاص، أنه ينتقد من يتلبس لبوس الدين سياسياً وهذا ما يمكن أن يكون موضع تفكه وسخرية، فالفنان بسام يعيد علينا تشكيل رؤية كيرغارد في الفكاهة، خاصة وأنه يتعامل مع الشخصيات الدينية، أنه لا يسخر بل يكشف، وهو المبدأ نفسه الذي عناه كيرغارد في الفكاهة والسخرية. لذلك لا يعلق ولا يتداخل على الحدث ليبدي رأيا، بل يجسد موقفا، التعليق يبدو فارغا، هنا تنذكر الفنان الكبير غازي الذي يضحكنا على رسومه، لأنه يطلب منا أن نعلق على ما يحدث، في حين أن بسام يطلب منا أن نشاركه الموقف.
تمنح الفترات السياسية الصاخبة فنان الكاركتيرفرصة لأن يبدع، ولحسن الحظ، الذي هو سوء الحظ، أيضاً، أن الفترات العراقية منذ خمسين سنة منحت الفنان الكاركتيري فرصا كبيرة لأن يتألق، وينتج وينضج ويجدد، ولهذا شاع عندنا فن الكاركتيرالسياسي، وتعدد فنانوه واعتمدته الصحافة والفنون والفضائيات، وأصبح فنا لا يستغنى عنه الشارع العراقي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد


.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد




.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس