الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة المالية العالمية وملاحظات أولية

محمد علي ثابت

2008 / 10 / 28
الادارة و الاقتصاد


رسالة لصناع السياسات الاقتصادية في مصر..

ليس من الحكمة في شيء أن يستغل التيار اليساري الأزمة المالية العالمية الراهنة للشماتة والتشفي في النظام الرأسمالي وللـ "تنكيد" على أنصار الليبرالية الاقتصادية المطلقة بمواجهتهم باستحالة أن تكون الرأسمالي الطليقة هي النظام الاقتصادي الأمثل الخالي كلياً من العيوب والثغرات. فالشماتة والتشفي، وخصوصاً في أوقات الأزمات الكبرى، هما من المفردات التي لا يجب أن يحتوي قاموس المناقشات المتحضرة المجدية على أي منها. فنحن الآن أمام أزمة عنيفة بحق تعصف بالاقتصاد العالمي وليس بالتجربة الرأسمالية فحسب وتطيح بأحلام وأقوات مئات الملايين من البشر البسطاء، ولا شك أن الآثار الشديدة السلبية المتوقع ترتبها على تلك الأزمة هي من القسوة والخطورة بحيث تجعل أشد أنصار الاشتراكية ينحون جانباً، ولو مؤقتاً، أي خلافات مذهبية مع أنصار الليبرالية الاقتصادية المطلقة ويركزون في الوقت الراهن حصرياً على البحث عن سبل فعالة وسريعة للخروج من هذا النفق المظلم الذي يدخله الاقتصاد العالمي باطراد.

على أن ذلك كله لايعني أنه يتعين علينا الامتناع نهائياً عن مناقشة القضايا المتعلقة بتلك الأزمة الاقتصادية. فكل ما في الأمر هو أنه من الأفضل تأجيل مناقشة جذور ومسببات تلك الأزمة والأخطاء التي تسببت في تفاقمها السريع على هذا النحو إلى ما بعد هدوء عاصفتها العاتية الراهنة بعض الشيء، على الأقل حتى يتسنى لنا رؤية الأمور وقراءة المؤشرات بوضوح أكبر. فالأزمة مازالت في بداياتها ومازال من الصعب للغاية على أي محلل أن يتنبأ بالشكل الذي قد تأخذه خلال الشهور القليلة القادمة. ولكن ما يهمنا الآن تحديداً هو أن نلقي الضوء على أهم الأبعاد اللحظية أو الفورية لتلك الأزمة، ونعني بذلك مجموعة الحقائق والملاحظات الأولية التي تكشفت فيما يتعلق بالأزمة حتى وقتنا هذا تكشفاً يكفي لتسويغ استخدامنا لها كأساس لقرارات عاجلة وسياسات تدخل سريع بغية كبح جماح الأزمة والحيلولة دون تضاعف الخسائر التي يمكن أن تنجم عنها قبل أن يفوت أوان التدخل السريع أو يفقد الأخير فعاليته. ويحضرنا هنا اعتراف آلان جرينسبان، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق، مؤخراً بأنه قد أخطأ خلال فترة توليه ذلك المنصب حين كان يفترض أنه من الأفضل عدم التدخل لحماية النظام المصرفي حتى في أوقات الأزمات الوشيكة على أساس اعتقاده بأن "المقرضين بوجه عام سيكونون أقدر على حماية أرصدتهم من الجهات التشريعية"، وهو ما اكدت الأزمة الراهنة أنه ليس صحيحاً على الدوام مع انهيار سوق القروض العقارية الأمريكية بسبب توسع البنوك في الإقراض بلا ضمانات حقيقية في غيبة شبه كاملة للإشراف الحكومي على القطاع المصرفي.

ولعل أولى الحقائق التي يجب على القائمين على اقتصادنا الالتفات إليها الآن والتحلي بما يكفي من الواقعية والمصارحة مع النفس للاعتراف بها هي حقيقة أنه لا يمكن أبداً أن تصدق وتتحقق توقعاتهم بألا يتأثر الاقتصاد المصري بشدة بتلك الأزمة، فلا أحد أبداً يمكنه التنبؤ أو الجزم بشيء من هذا القبيل لأن الاقتصاد المصري بوضعه الحالي مندمج في هيكل الاقتصاد العالمي بشكل يستحيل معه ألا يتأثر بتقلباته وخصوصاً الحاد منها. وإذا لم يلتفت المسؤولون عن اقتصادنا إلى تلك الحقيقة أو آثروا عدم الاعتراف بها، فإن عواقب ذلك ستكون جد وخيمة على المدى البعيد. وثانية الحقائق في السياق ذاته هي أن اللحظة الراهنة ربما تكون هي الأنسب لاسترجاع الحكومة دورها – نسبياً وتدريجياً – في الحياة الاقتصادية بحيث تصبح بتدخلاتها أقدر على التصرف السريع والتدخل الاستباقي في أزمات مثل الأزمة الحالية، سواء أتم ذلك الاسترجاع عبر تأجيل برنامج الخصخة – وخصوصاً في القطاع المالي – إلى أجل غير مسمى، أو عبر استرجاع الحكومة بعض الشركات الاستراتيجية التي تمت خضختها، أو عبر فرض المزيد من القيود على مشتريات الأجانب وعلى أنشطة كبار رجال الأعمال في البورصة وفي القطاعات الاقتصادية الرئيسية، أو عبر خليط من كل تلك الإجراءات معاً. فقرارات كتلك لا تختلف كثيراً عما اضطرت الدول الغربية الكبرى لاتخاذه مؤخراً أو ما تدرس إمكانية اتخاذه في المستقبل القريب لمواجهة الأزمة، وبديهي أنه إذا كان الغرب مستعداً لمراجعة رأسماليته الأثيرة على هذا النحو الجذري – ولو مؤقتاً أو مرحلياً – فلا عيب أبداً في أن يراجع تلاميذه وأتباعه لدينا سياساتهم وتوجهاتهم إعمالاً للمنطق نفسه. أما ثالثة الحقائق التي نود الإشارة إليها فتتعلق بأن الأزمة الراهنة قد أعادت التأكيد على حاجة الاقتصادات الرأسمالية التوجه لأدوات إنذار فعالة يمكن الاعتماد عليها للتنبؤ المسبق باحتمالات اندلاع المشاكل الاقتصادية الكبرى، وإذا كان الوضع كذلك في الدول الغربية ذات الهياكل والكيانات الاقتصادية القوية الرصينة، فلا شك إذن أننا في مصر بحاجة أكبر إلى إنشاء وتفعيل مثل تلك النظم التحذيرية على وجه السرعة تحسباً لمزيد من التقلبات الحادة المدمرة في حركة الاقتصادين العالمي والمصري، باعتبار أن غالبية المؤشرات الراهنة توحي بأن الأزمة مازالت تأخذ اتجاهاً عشوائياً وفجائياً بوضوح في تفاعلاتها.

ولا شك أنه سيكون لنا حديث آخر أكثر تفصيلاً في هذا الموضوع..













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العربية ويكند الحلقة الكاملة | الاقتصاد مابين ترمب وبايدن..و


.. قناطير مقنطرة من الذهب والفضة على ضريح السيدة زينب




.. العربية ويكند | 58% من الأميركيين يعارضون سياسة بايدن الاقتص


.. عيار 21 الآن..أسعار الذهب اليوم السبت 18 مايو 2024




.. كاليدونيا الجديدة: كيف ستدفع الدولة فاتورة الخسائر الاقتصادي