الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زملاء من سوريا

عاصم بدرالدين

2008 / 10 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أمية المتعلمين. هي بالضبط المشكلة. قد تصل في أي مجتمع نسبة الأميين إلى أدناها، لكن هذا لا يعني أن هذا المجتمع قد صار مجتمعاً متطوراً. فما بين الأمية والتعليم أشواط كبيرة. ومحو الأمية لا يتم عبر شهادة وختم يزين توقيع مسؤولي المؤسسة المختصة. من جهة أخرى بين الأمية والديكتاتورية رابط وثيق. على هذين الأساسين نبني متن هذا النص.

لو نظرنا في المنهاج التعليمي اللبناني، بما أننا قد استهلكناه لسنوات، تبين لنا أولاً: أنه تلقيني وجاف وحيادي جداً إلى حد تغييب المعلومة ودفنها خوفاً من نتائجها وما تحركه في نفوس الطلاب (كما أنه ديني إلى حدٍ لا يوصف-وهذا حديث آخر) فضلاً عن أنه غير موحد بين جميع المؤسسات التعليمية، مما يدل على أنه يعاني من نقص ما، وخاصة الكتب التي تصدر عن المركز التربوي التابع لوزارة التربية والتعليم العالي التي تلزم بها المدارس الرسمية وحدها بينما تستبدلها بكتب أخرى، حسب أهوائها، المدارس الخاصة!

ثانياً: يضرب المنهاج المعتمد "وجهة نظر" الطالب، بمعنى لا رأي للتلميذ في المواد والأفكار المطروحة، فالنقاش يصبح محرماً إذا تخطى المعقول والمتداول في النصوص. صحيح أن الطالب في المرحلة الدراسية يعمل على بناء هيكله المعلوماتي، وغالباً ما تكون أطروحاته مشوهة، بيد أن مجرد عرض الرأي، مهما كان خاطئاً، وتفعيل الحوار بين الطلاب أنفسهم وبينهم وبين الأستاذ يعتبر غنى للمادة المقدمة ومحركاً لها.

ثالثاً: يضحي البحث آفة أو فعل مؤجل للمناسبات الكبرى. فخلال السنة الدراسية كلها، قد يعمل التلميذ على بحثٍ واحد وقد لا يعمل، وإن عمل فهو يستنجد بالمخلص التكنولوجي الذي يدعى الانترنت مما يقلل من حجم المعلومات المكتسبة وحتى من المتعة. الحالة هذه ليست متعلقة بقلة حيلة الطالب، على أهمية هذا العامل-لكن لا يجب أن ننسى أن هذا الأمر هو نتيجة لما اعتاد عليه في السابق- بل تتعلق ببلادة المشرف التعليمي، وانعدام الرغبة لديه بفتح أفاق جديدة لتدفق المعلومات غير تلك الموضوعة في المنهج المقرر خوفاً من استهلاك الوقت في غير منفعة –كما يبررون عادةً قطع النقاش الدائر- ورفضه لبذل مجهود إضافي بالمجان (وهذا حق، إن نظرنا بالبدل المالي الوضيع الذي يتقاضاه أغلب الأساتذة).. فالتلقين السريع أسهل مئة مرة من نقاش جانبي لا نعرف إلى أين يصل. ويعود هذا في أحيان كثير إلى نكوص فكريّ لدى المُلقِن نظراً لما يسمى بـ "المحسوبية" و"علاقات الجيرة" في تعيين المدرسيين سيما في المؤسسات التي يمكن أن نطلق عليها "المدارس العائلية" وهي الأكثر تواجداً في لبنان!

في الجامعة، التي دخلتها هذه السنة، تعرفت إلى زملاء من سوريا. وأصبح الحديث بيننا شبه يومي: عن الجامعة وما خلفها. في الأيام الأولى كان الشك والريبة هما العاملان المسيطران عليَّ على الأقل، فكل غريب مدان حتى تثبت براءته. مع الوقت تغير الأمر، وصار هناك شيء يشبه المودة. ومع هذه الأخيرة، بدأنا نخرج بكلامنا خارج الإطار الدراسي، فوصلنا إلى حيث لم أكن أتمنى أن أصل. فعبر شرح الواقع السياسي-الطائفي اللبناني، الذي قمت به من أجل أن يأخذوا حذرهم، وصلنا إلى ما يحق لنا تسميته محرماً في سوريا. أخبروني عن الضرب الذي يلقاه السجين، وحرب الوشايات في الشوارع بين المواطنين، وأن لا أحد يستطيع أن يتكلم كلمة خارج الحدود وإلا وصل خبر ما قاله إلى رجال الأمن. وساعتذاك، على أهمية ما سبق وقاله، ينال نصيبه من التربية!

لم يكن الأمر مستغرباً، فقد كنت أعرف هذا الأمر. لكن عندما دخلنا في تفاصيل معلوماتية فوجئت وصدمت بضحالة المعلومة حتى عن الداخل السوري. فضلاً عن القدرة السريعة على التكفير، ربما هو تزمت ديني! فمثلاً مجزرة حماه، حسب قول أحد الزملاء السوريين، حصلت منذ أربع سنوات! كما أن الدكتور الجامعي الذي قال أن النص القرآني ليس علماً، ولا يمكن أن نعتمد عليه لإثبات نظرية علمية كُفر واتهم بسعيه إلى جرنا معه، كلنا كطلاب، إلى الشرك بالله. والمهدية في نظره هي جيش المهدي ومقتدى الصدر (وهنا سارع لينعت الصدر بالوطني.. وكأنه يبرئ ذمته). وشارل مالك رئيساً للجمهورية الفرنسية. كما أنه لم يسمع من قبل بالشيوعية واليسار، ومن نظراته فهمت، لاحقاً، أنه لا يريد أن يحكي عن هذا الأمر وكأنه عيب أو عار!

إن أفضل موضوع يمكن أن يخبرك إياه، زميل سوري لك، هو عن منع الفنانتين أليسا وأصالة من دخول سوريا. وعندما أشرت له أن أصالة، ولئن سوريا هي عاصمة للثقافة العربية، سوف تغني "يا قدس"، مما يعني أنها غير ممنوعة من دخول الأراضي السورية. استدرك سريعاً وقال: نعم أصالة فنانة وطنية وأنا لم أصدق! (المشكلة هنا في استخدام كلمة "وطنية" وإن كان لها علاقة بالموضوع أساساً!) يشي هذا الأمر بانحسار فاجر في التفكير. وكلنا نعرف إلى ما يعود هذا الأمر. وهذا طبيعي إذا ما قارناه مع حالة الرعب التي يعيشونها في وطنهم. فاللغة كوسيلة للتواصل والتفكير تستحيل في أي نظام قمعي إلى أداة للجريمة..

يبقى أمر أخير فيما يتعلق بالزملاء السوريين داخل الحرم الجامعي، وهو موضوع الخدمة العسكرية. ففي عرفهم، ولا وعيهم، من يذهب إلى الجيش كأنه ذاهب إلى حبل مشنقته. الأمر ليس نكتة، ولا تضخيم، لكنه واقع. مع أن الدولة دخلت منذ زمن مديد في سلام مبطن! لذا تراهم يلجؤون إلى الجامعات اللبنانية، دون أن يلتزموا صفوفها، لأخذ إفادة تشير إلى استمرارهم في مجال الدراسة مما يسمح لهم بتأجيل الخدمة العسكرية. في هكذا جو من الرعب ماذا عساه الإنسان يفكر؟

إن الديكتاتورية تفعل فعلها القوي في تدمير فكر المجتمع. والديكتاتور يقصد تحطيم المواطنين عبر نشر الأمية (والتدين في وجه ما)، هكذا يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد". أي أن الأمية هي عملية ممنهجة لا تأتي من فراغ أو عبث.

هذا نموذج بسيط وقد يكون غير شائع. الأمر نسبي. وهو موجود في كل المجتمعات ويجب القضاء عليه. بيد أن عرضه هنا لا يحمل أي نزعة عنصرية حتماً، تلك التي يمتاز بها اللبنانيون عن سواهم في تعاملهم مع الآخر-الغريب أياً كان. ولا أنفي أن زملائي السوريين يعانون منها في لبنان الآن.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال