الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة الهوية الثقافية تتميز بالتعقيد ، و التداخل

محمد سمير عبد السلام

2008 / 10 / 28
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يثير المبدع مهدي بندق في كتابه " البلطة ، و السنبلة " – الصادر عن دار تحديات ثقافية بالإسكندرية 2008 – مجموعة من الأسئلة ، و الإشكاليات حول موضوع الهوية ، و علاقته بالأنماط الثقافية ، و اللحظة الحضارية الراهنة بكل ما تحمله من تأويلات متعددة ، و توقعات حول مستقبل النوع البشري في علاقته بالعلم ، و الفن ، و التكنولوجيا ، و اللغة ، و التاريخ .
يرى مهدي بندق أنه لابد من النقد الذاتي في البحث عن الهوية ؛ و هو يقوم على المراجعة المستمرة للأدوات المعرفية التي ترتكز على العقلانية في مواجهة الحتميات المعرفية الأخرى ، و ينشأ الخلل الفكري عندما تمتص الأيديولوجيا الإمكانيات العقلية ، ثم يفرق بين علامة البلطة التي تشير ثقافيا إلى العنف ، و الثبات ، و السنبلة التي تشير للإبداع ، و السلام ، و الديمقراطية ، و يعود إلى استرجاع لحظات من التاريخ ليستشرف من خلالها إمكانية تجديد ثقافة الإبداع التي صاحبت لحظة اكتشاف الزراعة ؛ لولوج اللحظة الراهنة ، و المستقبل من خلال تعليم مناهج البحث ، و الإبداع المعرفي ، و من ثم يصير المصري فاعلا منتجا في السياق الثقافي العالمي الذي يسعى لتحسين النوع من خلال النزعة الإبداعية .
و تمثل قضايا الهوية عنصرا أساسيا في الدراسات الثقافية المعاصرة ، فضلا عن توجهات ما بعد الحداثة ، و ما بعدها ؛ فتيري إيجلتون مثلا يكشف عن استرجاع بعض النصوص لمبدأ ثقافي بعينه ، يمكن أن يتجدد في ثقافة أخرى سائدة ، أما إدوارد سعيد فيبحث عن الهويات الملتبسة ، و يسعى لتحقيق التكامل بينها ، بينما يرتكز إيهاب حسن على الأشكال المفتوحة من التفاعل بين المحلي ، و العالمي في تجاوزه لما بعد الحداثية .
و لكن ما يجمع هذه الدراسات هو قبول الآخر ، و التعزيز من الحوار المفتوح بين الثقافات ، و أرى أنه لا يمكن تحقيق مثل هذا التفاعل إلا من خلال ثقافة الإبداع التي أشار إليها مهدي بندق في نهاية كتابه عن الهوية المصرية ، و تحولاتها .
و للإبداع مستويات دلالية عديدة تتعلق بالعلاقات المعقدة بين الواقع و النص ، و التاريخ ، و الأسطورة ، و اللاوعي ، و ديناميكية الوجود داخل النص ، و خارجه .
كما أنه يتداخل مع التكوينات الاحتمالية في الفيزياء المعاصرة ؛ مثل الكوارك ، و غيره ، و إنتاج لغات تفسيرية متنوعة كما هو عند دريدا ، و بول ريكور .
لقد تداخل الإبداع مع القراءات التاريخية ، و العلمية المعاصرة ، و من ثم مع فكرة العقلانية التي أشار مهدي بندق في بحثه إلى إمكانية تجددها .
و قد أشار الدكتور مأمون البسيوني في العدد رقم 444 من جريدة القاهرة إلى الطبيعة العقلانية ، و علاقتها بالإنسان المصري كفاعل حضاري ، كما رأى أنه لا يمكن إلغاء العصور التاريخية الماضية انطلاقا من قراءة التراث .
و لكن مسألة الهوية بحد ذاتها تحمل تعقيدا ، و تداخلات عديدة تؤدي في النهاية إلى قبول النزعة الإبداعية في التفكير انطلاقا من قراءة علامات ثقافية بعينها ، أو أحد المبدعين ، أو المفكرين مثلما قرأ إدوارد سعيد ثقافة فرويد من خلال كتابه موسى ، و التوحيد .
إن إمكانية التداخل بين عناصر ثقافية في حضارات عديدة ، تؤدي إلى تواصل سلمي قوامه التفكير المبدع ، و السلام لا الحرب ، أو ما يدعوه سعيد بالتكامل بين الثقافات المتباينة .
إن ثراء الهوية بالدلالات ، و التفاعلات مع العناصر الثقافية الأخرى يقاوم الصلابة ، في المعرفة ، و تأويل الوجود الحضاري انطلاقا من نقطة مركزية .
يرى إدوارد سعيد في قراءته لفرويد أنه يتعذر التفكير بالهوية ، و التعامل معها من خلال ذاتها وحدها ؛ فقد مثل فرويد وعيا شتاتيا غير محسوم ، يكون فيه الشخص داخل جماعته ، و خارجها في الوقت نفسه ( راجع – إدوارد سعيد – فرويد و غير الأوربيين – ترجمة فاضل جتكر – مجلة الكرمل عددي 72 و 73 ) .
هكذا تثير دراسة سعيد لفرويد نقطتين تتعلقان بعلاقة الهوية بالثقافة ، و الإبداع ؛
الأولى : التداخل بين الثقافات الشرقية ، أو الآسيوية ، و الغربية من خلال نموذج فرويد ، و قد بحث جيمس فريزر عددا من هذه التداخلات بين الثقافات القديمة ؛ مثل إشارات الخصوبة عند البابليين ، و اليونان ، و المصريين .
هذا التداخل بين النماذج ذات الأنساق الحضارية المختلفة ، يدل على الطبيعة المبدعة في الهوية ، و كذلك إمكانية بحثها ، و تأويلها من زوايا مختلفة .
و لدينا عدد كبير من النصوص ، و الإشارات المتجددة إلى التفاعل بين الهويات ، مما يؤكد ثراء الهوية الأولى من داخل انتشارها في الآخر ، و قدرتها على الإضافة إلى المنجز العالمي من خلال رموزها الجزئية .
الثانية : منذ ثورة المعلومات ، و التكنولوجيا في عالمنا المعاصر ، يعيد المفكرون إنتاج الماضي من خلال لغات تفسيرية قد تكون مختلفة ، و متناقضة أحيانا ؛ فكل من دريدا ، و إدوارد سعيد ، و بول ريكور أعاد قراءة فرويد في سياق معرفي جديد ؛ مما يدل على ديناميكية التراث المعرفي من جهة ، و التحام اللغات التفسيرية بالوجود الحضاري المعقد الذي نعيشه من جهة أخرى .
و أرى أنه من خلال قراءة العلامات الجزئية في النصوص الأدبية ، و التاريخية ، و المنتج العلمي ، و التكنولوجي نستطيع أن نحقق ثراء معرفيا جديدا ، و أن نثير مزيدا من الأسئلة ، و الإجابات النسبية .
لقد دفعت قراءة مهدي بندق للتراث الثقافي ، إلى محاولة إثارة الأسئلة حول الفاعلية الحضارية التي تتميز ببكارة الاكتشاف المستعادة ، والمتجددة انطلاقا من علامة السنبلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشركات الأوروبية توسع من مقاطعة المنتجات الإسرائيلية


.. مشهد صادم في تركيا.. ثلوج تغطي الشرق وحرائق تشتعل في الغرب




.. وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي: زيارتي لسوريا تاريخية..


.. جوعى وجرحى وموتى.. غزة تحترق من الداخل




.. محاورتي للقرآن- الحلقة 266