الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعاهدة المفروضة كما هي

أحمد الناصري

2008 / 10 / 28
السياسة والعلاقات الدولية


لم يبق شيء على توقيع وإطلاق المعاهدة الأمريكية طويلة الأمد المفروضة على بلادنا، بعد نشر فصولها وتفاصليها الخطيرة، وبعد تسريبات ورسائل وإشارات مبكرة عديدة، تابعناها عن قرب، والذي قيل بها وعنها الكثير، ومنهم من قال إن المعاهدة موجودة وموقعة منذ البداية، وإن لا فرق كبير وأساسي بين توقيعها أو عدمه على واقع الاحتلال والتواجد الفعلي على الأرض، وهي تفصيل أضافي آخر لتكريس حالة الاحتلال القائمة واستمرارها بأساليب ( قانونية شكلية) أخرى، ويقال أيضاً إن ما يدار وما يقال من لغط وضجيج واختلافات شكلية ومفتعلة، هو جزء من السيناريو الأولي الجاهز والمعد سلفاً، وإن النسخة الأمريكية الإنكليزية الأولى كما هي، هي النسخة الوحيدة والموحدة المعتمدة والمقبولة من الجميع.
بالنسبة لنا، فنحن نعرف ونقدر الحكاية من البداية إلى النهاية، والقصة واحدة وواضحة وثابتة، في كل الأحوال، وهي بلا جديد ولا مفاجئات غير معروفة أو غير متوقعة، رغم بشاعتها ودمويتها المطلقة، ورغم ترابط وتتابع خطواتها وفصولها الدموية، الطويلة والمريعة. إنها قصة الاحتلال الاستعماري لبلادنا، وتعبير عن جوهره، ومحاولاته وأساليبه لفرض مشاريعه وخططه علينا، بالأساليب العسكرية والمخابراتية والأمنية و(الثقافية) والإعلامية والمالية. وقد سقطت جميع الحجج والاطروحات التي حاول الاحتلال وجماعته فرضها وتسويقها وتمريرها، وراحت أطنان التبريرات التافهة في مهب الريح، واصطدمت جميعها وتبددت وتناثرت تحت جدار الوعي الوطني الراسخ، جدار الرفض والصد الصلب والمتين، وعدنا إلى نقطة البداية، نقطة الانقسام والصراع بين مشروعين، المشروع الوطني، ونظرته لمصالحنا وحقوقنا وقضايانا، والمشروع الاحتلالي الطائفي التدميري المتخلف وتفاصيله. وسيبقى الحال كما هو حتى فشل وتحطيم مشروع الاحتلال بالضرورة.
لقد أعلنت الحركة الوطنية الصاعدة منذ البداية رفضها للاحتلال ولجميع خطواته، بما في ذلك المعاهدة، ورفض مناقشتها أو تعديلها، أو القبول بأي شكل أو درجة أو نسخة، حتى لو كتبت ب(أقلام عراقية وحبر عراقي)، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل الاحتلال، وسيبقى هذا الموقف الثابت والواضح حتى نهاية الاحتلال، وفق رؤية وقراءة وطنية معمقة ورصينة، تستند إلى الفكر السياسي الوطني.
تتصاعد وتشتد هذه الأيام حمى تسويق وفرض المعاهدة الاستراتيجية لشرعنة الاحتلال طويل الأمد، بأساليب وقحة وفجة، طالما يستخدمها المحتل ضد البلدان المحتلة، تكشف طبيعة الاحتلال وتطيح بادعاءات التحرير والديمقراطية والمناصرة المزيفة. وهي اخطر حلقة في مسلسل الاحتلال، بعد عمليات الغزو والاجتياح العسكرية المباشرة وتدمير البلد وتحطيمه وتحويله إلى هشيم منثور. وتتسابق الإدارة الأمريكية مع أعوانها، من هب ودب، وتنطلق عاصفة من التهديدات والوعود في حال عدم الإمضاء على مشروع الاتفاقية كما هو في نسخته الأولى والأخيرة.
لم يطلع أحد على المشروع الأول، لذلك لا أحد يعرف مقدار التعديلات المزعومة التي أجريت عليه، ولا أحد يعرف مستوى ومهنية و(وطنية) الوفد المشارك في المفاوضات، وكانت العملية سرية ومجهولة، كما هو حال كل المعاهدات التي فرضها المستعمر على البلدان المحتلة، لكن المفارقة الملفتة والواضحة والتي برزت من جديد، وهي جزء من السيناريو الأصلي والأول، إن النقاش في صف جماعة الاحتلال يدور على تعديل المعاهدة وتحسين شروطها، وليس رفض الاحتلال، ورفض خططه ومشاريعه مهما كان نوعها ودرجتها، وهذا ما يجعل مهمة الاحتلال في البقاء مكشوفة، مهما أشتد الجدل والكذب والخلافات والمزايدات المفتعلة، وهي أشياء لا تقدم ولا تؤخر، ولا تؤثر على جوهر المشكلة، باعتبارها مشكلة رئيسية ستساهم من جديد في تحديد مستقبل وطننا ومصيره، وتبين طريقة الصراع اللاحقة.
إن الموقف الوطني من المعاهدة، هو نفس الموقف من الاحتلال، ومن مشاريعه وخطواته وجرائمه البشعة، وهذا منطق طبيعي ومتناسق ومتصل. وهو لا يقبل الوقوف في منتصف الطريق، أو الاعتراض على قضايا وتفاصيل شكلية أو جزئية، لا تلامس جوهر الموضوع، حول كيفية التخلص من الاحتلال وطرده، بشكل نهائي وكامل وتام، ومعالجة جرائمه وآثاره العميقة والكثيرة، التي وصلت إلى درجات عالية الخطورة، واستعادة أرضنا الوطنية من قبل أصحابها وأهلها.
لا ينبغي لنا الانشغال بالمناقشات الفارغة والغبية، بين أطراف الإدارة المحلية التابعة للاحتلال، بين مؤيد مطلق، وآخر معترض شكلي على حروف الجر وأسماء الإشارة، والرد عليها. لذلك سوف لن انجر لمناقشة الملاحظات والتعليقات والصخب الفارغ، ودعوات ( الموضوعية والتعقل والتبصر) الذي دارت هذه الأيام، والتي غطت شاشات التلفزيون. بينما كرر وأعاد البعض التهديدات والوعود الهمجية التي أطلقتها الإدارة الأمريكية، بصلافة التابع الممسوخ.
لقد سقطت وتداعت قصص البقاء تحت بند الفصل السابع، وقصة حجز الأموال وإيقاف مساعدات ومنح الدول المانحة، وعودة العلاقات الطبيعية مع العالم الخارجي، وإمكانية تدهور وتفجير الوضع الأمني من خلال زيارة الأمريكي المتخصص نكروبونتي، وآفاق التطور الهائل الذي ستأتي به هذه المعاهدة. وهي في العموم حجج وآراء بلا قيمة حقيقية، وبلا مرجعيات تنطوي على قيمة موضوعية صادقة تهم بلادنا. إنما هي أوراق يستخدمها المحتل ويرددها البعض من أتباعه، بل يستغرق في شرحها، حسب الأدوار، بعد حالة الإفلاس والإعياء الذي وصلت أليه هذه الأطراف، وبعد فشل وانسداد أفق (عملهم السياسي) ومستواه الوضيع ونتائجه البشعة.
لقد أدعى بعض الأغبياء والشكليين، بأن الهدف من احتلال بلادنا، لم يكن السيطرة على النفط العراقي، بواسطة السطو المسلح والعمل العسكري الواسع والشامل، لأن النفط متوفر ومبذول في أمريكا وفي أرجاء الأرض، والدول تتسابق على بيعه إلى الأمريكان، ولا توجد مشكلة طاقة، أو أزمة انهيار اقتصادي ومالي، تتخطى الركود، وتصل مباشرة إلى الكساد، الذي قد يهدد أسس الرأسمالية الأمريكية ويصل إلى أبعد الأطراف، لأن النموذج الأمريكي هو نهاية التاريخ.
لكن أزمة الركود والكساد جاءت سريعة وعاصفة وعميقة، لتضع النظام الأمريكي الجديد في مساره الحقيقي، وتوصله إلى قدره وتكشف إمكانياته الفعلية. وإن الأزمة المالية الحالية، تساعدنا على قراءة المشهد من جديد، والتعرف على أسباب الحروب والانقلابات والتخريب الذي جرى منذ اكتشاف النفط في منطقتنا العربية على الأقل. والعالم يتغير بشكل دائمي وفق منطقه التاريخي الداخلي الخاص، بالترابط مع عمل الناس ونضال الشعوب الدءوب والمتواصل، والصراعات والمواقف والمصالح والقوى المختلفة. ولا يوجد شيء ثابت في التاريخ. وها نحن نرصد ونلاحظ بوادر التغيرات العالمية، التي بدأت داخل الإمبراطورية الأمريكية، وفي إطرافها، وعلى الصعيد العالمي كله. وهي دلائل وبوادر تفيد وتصب في صالح عملنا الوطني العراقي مباشرة، وفي نضاله المشروع والمفتوح ضد الاحتلال. فبوش تكرس كرئيس بائس في لحظاته الأخيرة، رئيس بلا ملامح رئاسية، يستقوي عليه من يريد، وهو بلا تأثير ولا حضور مقنع في أكبر أزمة مالية تضرب عصب وقواعد الاقتصاد الأمريكي. إنها لعنة العراق المشع بالبهاء والنور، والتي قتلت الاسكندر المقدوني، في مملكة بابل العظيمة، لأنه لم يستمع إلى نصيحة معلمة أرسطو، وطاردت جميع الغزاة والعتاة.
يبدو إن جماعة الاحتلال والتحرير وتأييد المعاهدة، هم من نفس فصيلة وطينة الجماعة التي تركت عربة الماركسية واليسار والتقدم، ربما بسبب انتمائها الفكري الشكلاني السابق، أو انتماءها الطارئ والمؤقت، أو بسبب مصالح ومصالحة طارئة، وانتقلت بخفة وسرعة قل نظيرهما إلى العربة الليبرالية الجديدة، التي بدت فارهة ومتينة، وهي تشق طريقها فوق أجساد الناس في أرجاء المعمورة.
إننا نرفض المعاهدة بشكل مطلق، لأننا نرفض الاحتلال بشكل مطلق ابتداءً، ولا ندخل في الجدل الفارغ حول فصولها وبنودها وإيجابياتها المزعومة. فهي صفقة مشينة وخطيرة، تتعارض مع أبسط شروط الاستقلال والسيادة الوطنية، وتلغي كل مقومات الوجود الوطني الطبيعي، ولا نستغرب الخضوع والخنوع التام للقيادات الكردية أو العناصر الطائفية وبعض ( المرجعيات الدينية الطائفية) المتخلفة والذليلة والتي تلوذ بصمتها المخزي، والجماعات التائهة التي أتى بها المحتل، أو وضعها في هذا الموضع المشين، وارتبطت به بشكل عضوي لا ينفصل، في صفقة مشبوهة. فالمعاهدة توفر لهم الحماية والاستمرار والوجود. وهنا بيت القصيد.
يرتبط مستقبل ومصير المعاهدة ووظائفها، وجميع الخطوات والإجراءات السابقة واللاحقة، بمصير الاحتلال ووجوده، حيث يدور ويحتدم الصراع الرئيسي، المستمر والمفتوح، وسوف تسقط بسقوطه، وتنتهي بانتهائه، هي وجميع الخطوات الأخرى. وهو ما ينبغي التركيز عليه، وعدم نسيانه، أو الانجرار وراء متاهات وأوهام لا طائل منها. لكننا لا نقصد ولا ننظر إلى العلاقة بين استمرار الاحتلال وتوقيع المعاهدة وبقاءها، والترابط بينهما، بشكل ميكانيكي سطحي، ولا بطريقة الانتظار التراتبي الجامد. حيث يمكن إسقاط وقبر المعاهدة قبل التخلص من الاحتلال، والذي سيقصر من عمره، ويدق المسامير في نعشه، أو ربما يمتد العمل الشاق ويطول حتى طرد آخر جندي محتل، وطرد الاحتلال وجميع متعلقاته وعناصره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تعلق على مساعي الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق


.. من بينهم طبيب ومعلم وطالب.. مقتل 7 فلسطينيين بنيران إسرائيلي




.. مستقبل السياحة في جزر المالديف لن يعتمد على سحر شواطئها فحسب


.. مقتل 7 فلسطينيين وإصابة 9 باقتحام الجيش الإسرائيلي لجنين




.. بين سليماني ورئيسي .. ما هو سرّ الخاتم؟