الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظريات السكانية ونظرية التحول الديمغرافي مثالاَ (4)

هاشم نعمة

2008 / 10 / 28
الادارة و الاقتصاد


نقد نظرية التحول الديمغرافي
تنبع القوة التفسيرية للنظرية من ربط المميزات العامة للتغير الديمغرافي بالتغير الاجتماعي والاقتصادي الذي يلخص في الغالب بـ "التحديث". وهناك وجهات نظر مختلفة حول النظرية. فنرى سزريتير وكرينهالغ يعتقدان بأن النظرية لم تفشل فقط في الاختبارات التجريبية لكنها أيضاً أضرت بالبحث التجريبي ويجب أن تهمل. آخرون مثل كيرك وماسون حددا بأنها يمكن أن يكون لها بعض جوانب الفشل لكن هذا يهيئ لبناء معرفي يقوي النظرية. ( )

وقد واجه مفهوم التحول الديمغرافي نقداً أساسياً حتى من أوساط أتباعه. ففي عام 1973 على سبيل المثال في انطلاق المشروع الكبير لدعم نظرية التحول حدد كوال قوة وضعف النظرية. وذكر أن هناك صعوبة في تحديد العتبة الدقيقة للتحديث الذي يمكن الاعتماد عليها لتحديد مدى جاهزية الخصوبة للانخفاض. أما تشيسنيز فقد قال في عام 1986 أن قوة مفهوم التحول تكمن في الحقيقة التي لا يمن إنكارها بأنه في مجرى التحديث الكافي تتغير الخصوبة والوفيات بطريقة يمكن توقعها.( )

حاول كوال والمشاركون معه من جامعة برينستون استخدام مسح ذي حجم كبير لتحديد المتغيرات الحاسمة التي قررت مستهل وسرعة التحول الديمغرافي في أوربا. وقد فشلت محاولتهم حيث أن دراستهم لم تستطيع إيجاد أي مؤشر اجتماعي- اقتصادي للتحديث يستطيع بدون لبس ولا إبهام شرح حدوث انخفاض الخصوبة في أوروبا. فالعوامل الاجتماعية- الاقتصادية التي تم التأكيد عليها من قبل نظرية التحول بدت إما عملة مزورة أو تناقض نفسها في شرح وقت الانخفاض ومعدله. ويشار إلى انخفاض الخصوبة المتزامن في هنغاريا وانكلترا علما أن تطور المؤشرات الاجتماعية- الاقتصادية في هنغاريا كان أقل بكثير مقارنة بانكلترا التي كانت تعتبر أكثر بلدان العالم تقدما من الناحية الاقتصادية في ذلك الوقت. ومع أخذ الاعتبار لمجتمعات معاصرة مثل الصين وكوريا الجنوبية وسريلانكا التي باتت الخصوبة فيها قريبة أو تحت مستوى معدل إعادة الإحلال بدون تحقيق المتطلب المفترض الكامل في التطور الاجتماعي- الاقتصادي. كذلك بنغلاديش واحدة من الدول الأقل تطورا في العالم هي أيضاً مثال جيد آخر لانخفاض الخصوبة. وفي ضوء تقييم التسجيل المعاصر لانطلاق وسرعة تحول الخصوبة وجد كلا من بونغارتس وواتكينز أيضا تبايناً كبيراً جدا في كل المؤشرات الاجتماعية- الاقتصادية المطبقة مؤكدين خلاصات دراسة جامعة برينستون المشار إليها لتاريخ أوروبا الديمغرافي.( )

يناقش كالدول بأن انخفاض الخصوبة يعتمد على التطور الاجتماعي ( أساساً التغير في العلاقات العائلية) الذي ليس من الضروري أن يترافق مع التحديث الاقتصادي. رغم أن الكثير من الباحثين لا يرفضون بالضرورة تفسير الرؤى الكلاسيكية لنظرية التحول الديمغرافي وهم يجدون من المهم التأكيد بأن القوى التي يرتكز عليها التحول الديمغرافي لا تتطلب فقط تغيرات في الظروف المادية وفي التقسيم الاجتماعي للعمل والموارد ولكن أيضاً تتطلب تغيرات مهمة في الجانب الاجتماعي والثقافي فيما يخص عدد الأطفال المرغوب به وسلوك إعادة إنتاجهم.( )

ومثل نظرية الحداثة فإن نظرية التحول الديمغرافي في بعض نسخها المعدلة تنكر العالم الثالث كتاريخ وتفترض بأن التقدم يتكون من انجاز الظروف المميزة للغرب. وبما أن التحديث والغربنة انتقلا إلى دول أخرى فإن سكانها سيواجهون نفس مراحل التغيير الديمغرافي. وحسب اعتقاد كيرك هذا ما يحدث بالضبط حيث أصبح تحول الخصوبة عالمياً. ( )

وفي حالة اليابان الفريدة فهي أول مجتمع غير أوروبي أصبح متطوراً وأول من شهد التحول الديمغرافي. ويبدو أن الانخفاض الرئيسي في الولادات بدأ في أواخر القرن التاسع عشر. ويقدر أن معدل التكاثر الإجمالي كان 3,0% في عام 1875 . ومن هذا التاريخ أنجزت اليابان تقدما اجتماعيا واقتصاديا وانخفض معدل كلا من الوفيات والولادات. ورغم عدم التأكد من التفاصيل يبدو أن التنمية الاجتماعية-الاقتصادية والانخفاض الرئيسي في معدل الولادات كان وثيقا الصلة في حالة اليابان. في الحقيقة هذا الشيء الذي حدث طبيعيا في اليابان كان قبل تنفيذ برامج التخطيط العائلي الفعالة. وهذا يعني بأن نظرية التحول الديمغرافي لم تكن ملازمة ومختصرة على الثقافة الأوروبية ومن ثم يجب أن يعد هذا نصر رئيسي لها.( )

وحسب ون وينكلير رغم كل الانتقادات الموجه لنظرية التحول الديمغرافي فإنها تظل إطاراً مفيدا لتحليل التغيرات الديمغرافية من وجهة نظر تاريخية .أما إمكانية تطبيقها على التحولات الديمغرافية في الدول النامية فهي ليست مجرد نقاش أكاديمي لكن لها أهمية عملية كبيرة بخصوص السياسة السكانية الملائمة التي يجب تبنيها. ( ) ومن وجهة نظرنا فإن هذه النظرية يمكن تطويرها لتأخذ في الاعتبار الإطار العام لطبيعة البنية الاجتماعية والاقتصادية في الدول النامية وهذه القضية يفترض أن تبقى مدار نقاش أكاديمي مثمر. وهنا أتفق مع د. برهان غليون الذي يقول أن المفاهيم النظرية تتطور وتغير أو تٌعدل من مضمونها ومن أشكال تطبيقها تاريخيا مع تطور الواقع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الذي أنتجها كما تتطور مع تبدل المكونات التي تدخل فيها والحاجات الجديدة التي ترد عليها.( )

أخيرا نخلص إلى أن التحول الديمغرافى في الدول المتقدمة أو النامية أمر معقد ولا يمكن النظر إليه ببساطة. فالعوامل والخصوصيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والنفسية والدينية والإرث الحضاري وغيرها تتداخل وتتفاعل لتعطى المسألة الديمغرافية أبعادا قد تختلف عبر الوقت من بلد لآخر أو من مجموعة بلدان إلى أخرى ولكن في النهاية سيسري التحول ولو بدرجات متفاوتة في جميع البلدان لأنه يرتبط بالتحولات النوعية الناجمة عن التغيرات الكمية في الخصائص السكانية. فالمعروف أن التغيرات الكمية تفضي إلى تحولات نوعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمين عام -الناتو- يتهم الصين بـ”دعم اقتصاد الحرب الروسي”


.. محافظات القناة وتطويرها شاهد المنطقة الاقتصادية لقناة السو




.. الملاريا تواصل الفتك بالمواطنين في كينيا رغم التقدم في إنتاج


.. أصوات من غزة| شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 25-4-2024 بالصاغة