الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل روسية...ولكن ليست من ورق ‏

محمد بن سعيد الفطيسي

2008 / 10 / 28
السياسة والعلاقات الدولية


‏ من المؤكد ان روسيا لم تصل بعد الى المستوى الذي يؤهلها لتكون قوة عظمى موازية لقوة الولايات ‏المتحدة الاميركية من الناحيتين الجيواستراتيجية والجيوبوليتيكية , ولكن ذلك لا يعني أنها لا تملك المقومات ‏والعوامل المناسبة التي تمكنها من الوصول الى تلك المنزلة خلال السنوات المقبلة من القرن الحادي والعشرون ‏‏, بل على العكس من ذلك , فروسيا بوتين تملك كل المقومات التاريخية والجغرافية والسياسية والاقتصادية ‏والعسكرية اللازمة لذلك , فتاريخيا يسبق ولادة وتكوين الامبراطورية الروسية الوجود الاميركي بسنوات طويلة ‏‏, فقد كانت نقطة البداية في تكوين الامبراطورية الروسية هي العام 1480م مع إعلان ايفان الثالث أمير دوقية ‏موسكو التمرد على حكم التتر , بينما لم توجد الولايات المتحدة الاميركية ككيان قانوني إلا عندما اعترفت ‏القوى الأوربية باستقلالها في الاتفاقيات التي تضمنها سلام باريس بتاريخ 3 / سبتمبر / 1783 م , وبالتالي فان ‏كفة التاريخ تميل للجهة الروسية بأكثر من 300 سنة 0 ‏
‏ كما ان الجغرافيا تقف كذلك الى الجانب الروسي , حيث تحتل روسيا المرتبة الأولى بين بلدان العالم من ‏حيث المساحة التي تبلغ 17 مليونا و75 ألف كيلومتر مربع ، والسابعة من حيث عدد السكان – البالغين نحو ‏‏141.8 مليون نسمة يعيش نحو 12 مليونا منهم في موسكو العاصمة , هذا بخلاف القوة العسكرية الاستراتيجية ‏التي تمثلها الترسانة الاستراتيجية النووية الروسية المتطورة , والتي توازي القوة الاميركية في كثير من ‏التجارب العسكرية , وخصوصا تلك الخاصة بأسلحة الدمار الشامل , وتحديدا في تقنيات الصواريخ البالستية ‏العابرة للقارات , والتي لاحظنا تطورها كثيرا خلال السنوات الأخيرة من العقد الأول للقرن الحادي والعشرون, ‏وقد شكل العام 2008 م في ذلك السياق الفارق في الكم والنوع الذي استطاعت روسيا تحقيقه وتطويره في ‏ترسانتها الاستراتيجية , وآخرها الصاروخ الروسي " ر س – 24 " الذي يستطيع حمل 6 إلى 10 رؤوس مدمرة ‏يمكن أن تكون نووية , ومن المنتظر أن تبدأ القوات الروسية بتسلم السلاح الصاروخي الجديد في ديسمبر 2009 ‏كما أكد ذلك قائد القوات الإستراتيجية الروسية الجنرال سولوفتسوف 0‏
‏ كما أكد نفس المصدر السابق , إن روسيا اليوم أصبحت تملك صواريخ متطورة من نوع "سينيفا" , والتي ‏تتيح للقوات الروسية المجال لضرب الولايات المتحدة الأمريكية بإطلاق صواريخ من موقع لا تراه المضادات ‏الأمريكية بسبب بعده عن سواحل الولايات المتحدة الاميركية , وبمقدور القوات الروسية إلحاق أضرار لا يمكن ‏إصلاحها حتى إذا وصل الرأس المدمر الواحد لصاروخ "سينيفا" إلى الولايات المتحدة منطلقا من أمريكا اللاتينية ‏‏, هذا بالإضافة الى أن الصواريخ الخاصة بمنظومات "توبول-م" , والتي تعتبر سلاحا رئيسيا للقوات ‏الإستراتيجية الروسية حاليا ، والتي تستطيع اختراق أي شبكة تحمي الولايات المتحدة اليوم ومستقبلا , كما ‏وسوف تتضاعف قدرة هذه المنظومة بعد أن يتم تجهيزها بصواريخ مطورة من طراز "ر س-24".‏
‏ أما من جهة أخرى , فقد استعادت روسيا الحديثة – روسيا بوتين – ما افتقدته من عوامل اليقظة ‏والنهوض على الصعيدين السياسي والاقتصادي بعد سنوات من التردي والتراجع الدولي بفعل انهيار الاتحاد ‏السوفيتي , والذي اعتبره بوتين اكبر كارثة جيوسياسية وقعت في القرن العشرون , فمن الناحية الاقتصادية ‏تمكنت روسيا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرون من استعادة ثقتها باقتصادها المنهار , فالقوة ‏الاقتصادية الروسية اليوم ليست هي كما كانت عليه قبل العام 2000م , وفي هذا السياق يقول س.أ.كاراغانوف ‏نائب مدير معهد أوروبا ، ورئيس هيئة مجلس السياسة الخارجية والدفاعية ان روسيا قد ( نهضت اقتصادياً، ‏واضطلعت بدور مستقل في الساحة الدولية , وهي رمز إعادة توزيع الناتج الإجمالي العالمي ونقله من الغرب الى ‏آسيا ، والإشراف على مصادر الطاقة ، وأيقونة نجاح الرأسمالية الجديدة «السلطوية ) 0‏
‏ كما جاء في تقرير لوزارة التنمية الاقتصادية الروسية أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في روسيا في ‏الفترة يناير - سبتمبر2008بلغ 7.7 % مقارنة بمؤشر الفترة نفسها من العام الماضي 2007 م , بينما بلغ ‏معدل نمو حجم الإنتاج الصناعي في الفترة المذكورة من العام الحالي 5.4 % , وبالرغم من ان التضخم في ‏روسيا لا زال مرتفعا , كما جاء في مؤشرات الفترة يناير - أكتوبر 2008 م , والذي وصل الى ما يقارب ‏‏11 % , إلا ان حجم احتياطات روسيا الدولية (من العملات الصعبة والذهب) في منتصف شهر أكتوبر قد ‏ارتفعت الى 515 مليار دولار , ووصل حجم صندوق الاحتياط الروسي بحلول الأول من أكتوبر 2008 إلى ‏‏98ر140 مليار دولار 0‏
‏ كذلك لم يكن من المفاجئ ان تسعى روسيا الى إحياء عدد من التحالفات الاقتصادية الاستراتيجية خلال هذه ‏الفترة , كما هو الحال من خلال إحياء فكرة عمرها عشر سنوات تقريبا لتكوين احتياطي نفطي كبير مع أوبك ‏وهو ما أثار قلق المستهلكين العالميين الذين تقض مضاجعهم مثل هذه التطلعات الروسية , كما كانت المحادثات ‏التي دارت بين روسيا وإيران وقطر لإقامة تجمع لمنتجي الغاز على غرار أوبك من اكبر الضربات التي يمكن ‏ان توجه للقوى الأوربية والأميركية على وجه الخصوص خلال هذه الفترة , حيث رأت "‏TheTimes‏" أن ‏غالبية الدوافع وراء تكوين اتحاد يجمع بين روسيا وإيران وقطر سياسية وليست اقتصادية ، مع عدم تناسي العدد ‏الكبير من عقود التصدير والشراكة التي أبرمتها الحكومة الروسية لتصدير النفط والغاز وغيرها من مصادر ‏الطاقة الى عدد من دول العالم في كل من أوربا واسيا وحتى أميركا الجنوبية , وأبرزها ما تم الاتفاق عليه ‏أخيرا من خلال شركتي "روس نفط" الروسية و"‏CNPC‏" الصينية , واللتين ستوقعان خلال الأيام القليلة المتبقية ‏من العام 2008 م عقدا لتصدير النفط من روسيا الى الصين 0 ‏
‏ أما على الصعيد السياسي العسكري المشترك فيكفي التدخل الروسي في جورجيا خلال العام الجاري ‏‏2008 م على خليفة رغبة الحكومة الروسية منع القوات الجورجية من مهاجمة قواتها المنتشرة في إقليم أوسيتيا ‏الجنوبية المطالب بدوره بالانفصال عن جورجيا , والتي اعتبرها الكثير من المراقبين والمحللين في مختلف ‏أرجاء العالم بمثابة الرسالة المزدوجة , فمن ناحية شكلت هذه الخطوة ضربة قاصمة لمكانة وهيبة شرطي العالم ‏‏– أي – الولايات المتحدة الاميركية , وإعلان مباشر لهذه الأخيرة بان روسيا لم تعد الدولة التي تقبل الانزواء ‏والتبعية للقطب الاميركي , وان لها كيان وبيت خاص ستحافظ عليها بطريقتها التي تراها مناسبة , أما من ‏ناحية أخرى فهي رسالة للمستقلين المنفصلين عن ذلك البيت لسان حالها يقول :- بان روسيا لن تقبل بأي حال ‏من الأحوال أي شكل من أشكال التهديد لسيادتها وأمنها القومي من خلال تلك الكيانات المستقلة , وإنها ستتعامل ‏مع ذلك بكل الطرق الممكنة , ولو اضطرها ذلك لاستخدام القوة العسكرية كما فعلت مع جورجيا 0 ‏
‏ كما أننا لا يجب ان نتناسى العديد من الرسائل السياسة الأخرى , والتي طالما وجهها فلاديمير بوتين ‏وكررها خليفته ميدفيديف , كعدم رضاهم عن التصرفات الاميركية الانتهازية الاستفزازية التي تهمش الدولة ‏الروسية ومكانتها الجيواستراتيجية , او تلك الرافضة للتدخلات الاميركية في الداخل الروسي , او التي تحاول ‏بشكل من الأشكال تهديد الأمن القومي والسيادة الروسية , كما هي رؤيتها الى الدرع الصاروخي الاميركي في ‏شرق أوربا , هذا بخلاف أخرى اعتبرت بمثابة رسائل المواجهة والتحدي المباشر للولايات المتحدة الاميركية ‏وأوربا كالتهديد الروسي بقطع إمدادات الغاز والنفط الروسي عن هذه الأخيرة , واعترافها بإقليمي أوسيتيا ‏وأبخازيا , وإعلان رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين – مؤسس روسيا الحديثة والأب الروحي لها - بان ‏روسيا لن تتشاور مع الدول الغربية أو جورجيا عندما تقرر عدد جنودها الذين سيرابطون في أوسيتيا الجنوبية ‏أبخازيا , مضيفا أن مسألة وجود القوات الروسية في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا سيتم الاتفاق بشأنه‎ ‎في إطار ثنائي ‏مع الطرفين المعنيين ووفق القانون الدولي وبناء على الاتفاقيات بين‎ ‎روسيا والدولتين المعنيتين في إشارة إلى ‏أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا0 ‏
‏ وهي بذلك – أي – روسيا تبعث رسائل قوية ومباشرة الى العالم بشكل عام , والولايات المتحدة الاميركية ‏وأوربا على وجه الخصوص , ولكن هذه المرة ليست بالرسائل الورقية , بل هي رسائل روسية سياسية ‏وعسكرية واقتصادية وبالبريد المستعجل , مفادها ان روسيا اليوم ليست هي روسيا الأمس , وان العالم لابد ان ‏يحسب لها ألف حساب منذ هذه اللحظة , وأنها لن تقبل بان تحشر في الزاوية الجيواستراتيجية او الجيوبوليتيكية ‏الدولية بأي شكل من الأشكال , وان حدث ذلك يوما ومن أي كان , فان ذلك سيعني ردا قويا ومباشرا منها على ‏ذلك التدخل والتهميش والتقزيم 0 ‏
‏ وهو ما نبه إليه كل من هنري كيسنجر وجورج شولتز، وزيرا الخارجية الأميركيين الأسبق مؤخراً في ‏صفحات الرأي بجريدة واشنطن بوست بقولهما :- يجب ألا " تقوم – أي – الولايات المتحدة الاميركية بعزل ‏روسيا " أو جرها إلى " المواجهة " , وهي حقيقة لابد ان تدركها الولايات المتحدة الاميركية وبقية دول العالم ‏المعنية كأوربا مثلا , وإلا فان النتيجة بالطبع لن تكون مقبولة للعالم عموما , والولايات المتحدة الاميركية بوجه ‏خاص , فهناك في روسيا تحديدا من ينتظر أي ثغرة لإشعال المواجهة والصدام بين الدولتين النوويتين , ‏وتحديدا المتشددين الروس المؤيدين لفكرة القوة العظمى , والذين طالما رفعوا أصواتهم وهم ينشدون أناشيدهم ‏القديمة والمتعلقة بعدم الجدوى من التعاون مع الولايات المتحدة الاميركية , والتي وصفوها في أكثر من موقع ‏ببائعة الهواء , ولمزيد من الاطلاع حول هذه النقطة انظر كتاب روسيا بوتين لليليا شيفتسوفا 0 ‏

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز