الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة شخصية الى نائبة عراقية: صفية الوفية!

سلام عبود

2008 / 10 / 29
السياسة والعلاقات الدولية


تقول" النائبة" في الكونغرس العراقي، و"المستقلة" إلا من دعم القوات الأمريكية والحكام الكرد وفلول الحرس القديم، صفية السهيل: إنها تمتلك الشجاعة الكافية لأن تقول "نعم" للاتفاقية مع الاحتلال.
لنختبر شجاعة صفية الوفية. لنختبر شجاعتها لغويا وسياسيا وعاطفيا ووطنيا.
الشجاعة في اللغة هي أن نتحلى بالجرأة على اتخاذ موقف ما في ظروف ليست في صالح الذات صاحبة الموقف.
وأنا أسألك يا سيدة صفية: كيف تكونين شجاعة وأنت تسندين ظهرك الى صدور ربع مليون جندي محتل، مزودين بأحدث وأعتى آلات الحرب الجهنمية؟
لنتأمل البعد العاطفي. أنت تحاولين أن تظهري بمظهر المرأة القوية، وربما المسترجلة، التي تتميز على الرجال بشجاعتها الشخصية، النابعة من قوة موقفها. ولكن هل نسيت أنك شجاعة ليس في مواجهة عدو مسلح؟ أنت تستخدمين شجاعتك العسكرية هذه في مواجهة أكثر من مليون أرملة عراقية وأكثر من خمسة ملايين يتيم عراقي ملّوا وشبعوا حتى التخمة من شجاعة القتلة والظلمة وقادة الجند وجالبي المحتلين، زهقوا من الشجاعة الخبيثة المسلّطة على رقابهم باسم طاغية أرعن أو سياسي جبان يستمد استرجاله من قانون القوة.
لنأت الى المعنى الوطني والسياسي. أنت هنا حالك كحال الحكّام الأكراد، الذين يبررون ضرورة الاتفاقية بعدم " جاهزية" الجيش العراقي. لكنهم في الوقت نفسه يعارضون تسليحه، ويقاتلون ضد بسط سيطرته على أرض العراق، ويتفننون في أساليب إقلاق حدوده وسيادته باستجلاب مقاتيلن أجانب الى أرضه وحمايتهم وتنشيطهم عسكريا، ويمنعون على الجيش التقاط أنفاسه من طريق تحريك وتنويع عناصر الصراع الداخلية، بضرب المكونات الاجتماعية ببعضها ضربا فنيا متقنا ومرتبا ترتيبا حاذقا. إذن، كيف ومتى سيجهز الجيش العراقي؟
السيدة صفية لا تختلف في موقفها عن الحكام الكرد إلا في أمر واحد، هو أنهم يستخدمون شجاعتهم تلك لتحقيق مصالح عرقية، أما صفية فتستخدمها لإذلال أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا وإدماء قلوبهن، مسنودة بقوات الاحتلال وعصابات المتعاقدين.
السيدة صفية وفية حقا لشجاعتها، لكن شجاعتها تشوبها الشوائب السياسية والأخلاقية المكدرة. بيد أنها، والحق يقال، ستكون شجاعة، صافية الشجاعة، لو أنها أعلنت جهارا أنها تعتبر نفسها عضوا في الكونغرس الأمريكي وليست عضوا البرلمان العراقي، ولو أنها أعلنت جهارا أنها ممثل رسمي لكوندوليزا رايس وليست ممثلا لملايين الأرامل واليتامى، ولو أنها كشفت عن حقيقتها كناطق رسمي باسم دولة أجنبية، وليست مواطنا جرى قبوله على أنه عضو في أسرة كبيرة أتعبتها الحروب والقنابل والاستبداد، أسرة مسالمة لا هدف لها سوى الحصول على فسحة من الأمل وفسحة ضئيلة من العيش الرضي.
أيتها السيدة صفية الوفية، إنك شجاعة ووفية حقا، لكن شجاعتك مدعومة بالدبابات، ووفاءك موجه ضد مصالح شعبك، لأنك تعتقدين انه شعب مهان وجريح وكسير، يمكن لك ولغيرك استعراض شجاعاته الدموية على رأسه متى أراد. ولكن، هل ستجرئين على هذا أيضا بعد رحيل المحتل؟ وإذا رحل المحتل الراهن، هل ستأتين لنا بمحتل آخر، لكي تستعيدي شجاعتك مرة أخرى، وتثبتي له وفاءك؟
ما أريد أن أذكركِ به هو أمر واحد ينساه الجميع: إن الخطاة والطغاة نسّاؤون دائما، نسّاؤون الى حد أنهم يضيفون بسلوكهم الشائن والمستهتر مزيدا من مشاعر الحقد والانتقام على أنفسهم، الى الحد الذي تتضاءل فيه مشاعر الرحمة والتسامح في قلوب المظلومين. وهذا ما أسميه إعادة إنتاج دورة الشر المغلقة.
الشجاعة هي أن نقول لا في وجه من قالوا نعم، يا صفية.
والوفاء هو أن نكون أمناء على مصالح شعبنا.
أنت تدركين أن المعركة الراهنة ليست معركة وطنية، وليست معركة من أجل الاستقلال أو عدم الاستقلال.
المعركة، باختصار تام، معركة من أجل استمرار بعض عناصرالكتلة الحاكمة في قيادة السلطة أو تغييرهم بعناصر جديدة، أي معركة "تكسير عظام" على حساب الوطن.
إن مأزق المالكي ليس مأزقا وطنيا، بل هو أزمة قيادة سلطة، مرهونة بعامل خارجي، بالاحتلال. الاتفاق مع بوش سيبقيه على رأس الحكومة، ولكن لفترة محدودة، حتى مجيء خصمه أوباما. أمّا رفض الاتفاق سيرضي أوباما، ولكن سيغضب بوش، الذي يريد تحقيق انتصار فوري بأي ثمن.
القضية إذن هي قضية وقت. وقت للمالكي لكي يربح استمرارا في الحكم لحقبة طويلة قادمة، ووقت لخصوم المالكي، الذين يريدون إبعاده من طريق وضعه في مواجهة بوش.
الموضوع يا صفية يتعلق بزمن قدره بضعة أسابيع لا أكثر ولا أقل. ومن يربح هذه الأسابيع يربح السلطة. هذه هي المسألة التي تخفونها عن شعبكم، وأنا أشك شكا مطلقا أنكم تنتسبون الى هذا الشعب، في مشاعركم ومصالحكم. لأنكم تلعبون بالنار وتولغون في دماء الشعب باحترافِ وشهيةِ القتلة المأجورين.
الشجاعة يا صفية هي الوفاء للشعب وقول الحقيقة المتعلقة بمصيره ومستقبله، لا الاتكاء على صدور الجند المحتلين والارتماء تحت بساطيلهم.
الشجاعة هي أن تضعي رأسك على كتف الشعب، الشعب الطيب، المغدور، الذي قبلك عضوا فيه.
سيزول الاحتلال، لكن الشجاعة لا تزول!
سيزول التمزق الداخلي، لكن الوفاء للوطن لا يزول!
ماذا ستفعلين بشجاعتك الاستقوائية الكاذبة حينما لا يكون خلف ظهرك وطن أو محتل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يعلم المواطنون الإسرائيليون ما يحدث للمدنيين في #غزة ؟


.. الولايات المتحدة والصين على أعتاب حرب تجارية جديدة؟




.. نيجيريا: النفايات البلاستيكية تغزو الأماكن العامة في لاغوس..


.. الدفاعات الروسية تسقط 25 صاروخا استهدفت بيلغورود




.. لماذا فشلت الاستراتيجية العسكرية لإسرائيل في القضاء على حماس