الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثائر العذاري....علامات الكؤوس الممتلئة

رحاب حسين الصائغ

2008 / 10 / 30
الادب والفن


أجرى الحوار رحاب حسين الصائغ
المساء حلَّ بكل سرّه المعروف حاملاً معه نسمات عبقة تشبه اغصان عناقيدها المتدلية كاجراس ناقوس، يسمع لصوتها شرود لا يصدر إلاَّ من عاشق انعشته سنابل الامل، قاده اليه بقايا نهار حمل التكاسل طوال لحظاته الاخيرة ونشط عند بدء الغروب، ونحن ننعش افكارنا بجميل الكلام.
بادرني العذاري قائلاً: (( تكتسب الكثير من الافكار سمة القداسة بسبب تقدم الزمن عليها)).
- ولكن درج استعمال الاسطورة في الأدب كي يصبح الخلاص من عقاب السلطة أمر ممكن.
الدكتور: ثائر العذاري استاذ جامعي انسان ودود يحمل قلبه النابض بالحياة كثير من معاني المعرفة الراقية ويحلو الحديث معه لما يملك من شمولية ودقة في الكلام، يشبه( شراب الآلهة) تاسره رقة المرأة الذكية، فيشرع بالخوض قانعاً أن المرأة لها نفس امكانيات الرجل في كسب المعرفة مؤكداً ذلك، إذ قال: (( في تراثنا الطويل هناك الكثير من النساء الادبيات، فمنذ جليلة والخنساء في العصر الجاهلي حتى آخر شاعرة أو قصة من القرن العشرين)).
وطبعاً الحوار الذي اجريه معه يعمق ثقتي بأنَّ وجود المرأة والرجل جنباً إلى جنب تكتمل به كل صور الحياة النقية، وذلك واضح في مجال الفكر.
الاستاذ ثائر، في بدايات حياته كانت توجهاته علمية، إلاَّ أنَّ الظرف لم يخدمه، فاتجه لدراسة اللغة العربية وعلومها، وبما انه متخصص في النقد الادبي، ذكر في الحوار قائلاً: (( انا انظر الى الدرس النقدي على انه علم كغيره من العلوم الصرفة)).
والمساء يرشق حلة الليل الآنس بقدومه نحونا وهدوئه الجميل غير راغب بالتطفل علينا، والناقد ثائر العذاري يبتسم لهذا الكون المحيط بحوارنا وهو يحدثني عن بداياته واجازاته وطموحاته، قائلاً: (( في بداياتي أحببت الرياضيات والرسم الهندسي فقد كان اتجاهاتي علمية، ومن نعم الله عليّ قدرتي على التعلم بمفردي))، وعندما تحول سير توجهي للأدب، (( تعاملت مع الادب بمنطق العلم))، انجازاتي، اعتز بكتابي" الايقاع في الشعر العربي الحديث" ولدية عديد من الكتب التي تدرس، طموحاتي، (( طموحي هو انجاز كتاب يمثل مشروع العمر عندي يقدم تصوراً لنظرية نقدية عربية معاصرة)).
كم ادهشني بروحه المعاصرة وتطلعه الكبير للمستقبل رغم التعايش للظروف الصعبة التي يمر بها العراق، وبما انه عاشق منذ الصبا للحاسوب والانترنت، وتأثيره على الثقافة العربية، قال: (( إذا طال بنا هذا التساهل فلن نجد للثقافة العربية مكاناً على خارطة الثقافة الإنسانية)).
وآخر الحديث ذكر أن : (( مشكلتنا اليوم أن الدراسة الأدبية مجهود شخصي، والناقد العربي يمثل نفسه)).

1- ماذا تمثل لك ( الثقافة العربية) كمصطلح متداول آنياً، وهل يعتبر مصطلحا دخيلا أم له جذور في اللغة العربية؟
في مجموعة من المقالات كان عنوانها (الشفهية – الداء المستعصي في الثقافة العربية) بينت موقفي من الثقافة العربية، فلا توجد أمة على وجه الأرض تمتلك عمقا زمنيا متواصلا غير منقطع لتراثها الثقافي مثلنا إذ نستطيع أن نقرأ شعرا كتب قبل أكثر من ألف وخمسمائة عام كما لو أنه كتب اليوم. وإذا كان لنا أن نفخر بهذا التراث الضخم، فإن علينا أن نعترف أيضا بخطورته وضغطه الكبير على تفكيرنا، لقد أدى هذا العمق التراثي إلى أن تكتسب الكثير من الأفكار سمة القداسة بسبب تقادم الزمن عليها والحقيقة أنها لا تمتلك أي مقوم لتلك القداسة، أنظري مثلا درس النحو والصرف والبلاغة فنحن مازلنا ندرسها كما كانت تدرس قبل أكثر من ألف عام ولم نفكر بهذا أبدا ولم نشعر بالحاجة إلى التجديد؟ ألا ترين معي أن هذا أمر غير منطقي أن يقف علم من العلوم عن التطور أكثر من ألف عام؟
وهكذا وقعنا في ازدواجية مرعبة بين ثقافة شمولية عميقة الجذور وثقافة عصرية متأثرة بالفكر الغربي، الأولى أصيلة شمولية لكنها غير منسجمة مع روح العصر والثانية واقعية قابلة للتطبيق لكنها غير منسجمة مع معتقداتنا الثقافية الراسخة.

1- اهتمامك بأدب المراة، ماذا يمثل لك كناقد متمكن في الشعر والقصة، وهل دور المراة وفكرها الثقافي مواكب لدور الرجل؟

في تراثنا الطويل كان هناك الكثير من النساء الأديبات فمنذ جليلة والخنساء في العصر الجاهلي حتى آخر شاعرة أو قاصة في القرن العشرين كانت المرأة تكتب بقلم الرجل فهي لا تعبر عن أفكارها كما تراها هي بل كما يراها المجتمع ألذكوري القائم على فكرة (الفحولة) حسب تعبير القدماء، هناك طبعا استثناءات مثل ولادة بنت المستكفي التي قالت مرة

أنا والله أصلح للمعالي وأمشي مشيتي وأتيه تيها
وأمكن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قبلتي من يشتهيها

غير أن هذه هي الاستثناءات التي تؤكد القاعدة.

ولكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما ترتب عليها من تغييرات جسيمة عصفت بالثقافة العالمية (أنا أرى أن أثر هذه الأحداث ما زال عصيا على التحديد لأنه أكبر مما نتصور) ظهرت طبقة من الأديبات العربيات تمثل العراقيات نسبة تقرب من نصفهن شكلت ظاهرة يمكن أن نطلق عليها تسمية الأدب النسوي الذي نعرفه بأنه الأدب الذي تكتبه نساء ويتخذ من قضايا المرأة موضوعا رئيسيا تتم مناقشته بجرأة ووضوح.
وأخذت هذه الظاهرة بالاتساع بوتيرة متصاعدة، حتى أصبح من الضروري رصدها و دراستها. فكاتبات مثل الشاعرة العراقية آمنة عبد العزيز والكاتبة والشاعرة العراقية رحاب الصائغ والقاصة الفلسطينية ميسون أسدي كنماذج لهذه الطبقة لا يمكن إلا أن ينظر إليهن على أنهن ظاهرة جديدة في الثقافة العربية.

3- بما انك تدريسي ومهتم بالنقد الأدبي، هل يعني اهتمامك في مجال الكتابات النقدية، ثوتيقا أم اهتماما بالثقافة العربية والفكر الحضاري للعرب؟

لا ينفصل اهتمامي بدراسة الأدب العربي عن نشاطي اليومي بوصفي أستاذا لمادة الأدب الحديث في الجامعة، فأنا أنظر إلى الدرس النقدي على أنه علم كغيره من العلوم الصرفة، ففي كتابتي النقدي أطبق ذات القواعد التي أدرسها لطلبتي وكثيرا ما أحيلهم إلى خذه الكتابات باعتبارها تطبيقات لما أدرسهم.
وثمة جانب شخصي في هذه القضية، فالدرس النقدي يعطي معنى ومتعة للحياة لا تعدلها متعة، إنها متعة الاكتشاف التي أدمن عليها ولا أستطيع الإقلاع عنها أو ربما لا أستطيع العيش بغيرها.

4- حدثني بإيجاز.. عن بداياتك / إنجازاتك / طموحاتك المستقبلية؟
في صباي ومراهقتي لم يخطر ببالي قط أني سأتخصص بالدراسة الأدبية وسأعمل في النقد, بل كانت توجهاتي علمية بحتة، فقد تخرجت في الثانوية في الفرع العلمي غير أن ظروفا لا أريد ذكرها هنا أدت إلى أن أتجه إلى دراسة العربية وعلومها، نظرت إليها على أنها تحد لي وقبلت التحدي.
أحب الرياضيات والرسم الهندسي والألكترونيك والكومبيوتر، وفي سنوات الحصار العجاف كنت أقتات من عملي في صيانة وتصميم دوائر السيطرة الالكترونية وإصلاح الأجهزة الالكترونية، ومنذ عام 1983 أحببت الكومبيوتر ودرست كل لغات البرمجة تقريبا ابتداء من أسهلها البيسك إلى أعقدها لغة الماكنة مرورا بما بينهما مثل سي وباسكال واللغات البصرية. وإن من نعم الله علي قدرتي على التعلم بمفردي ومن غير الاعتماد على معلم.
لقد كان لهذه الخلفية العلمية أثر بالغ في منهجي في الدراسة الأدبية لأني تعاملت مع الأدب بمنطق العلم، ليس لدي ما هو مقدس، كل شيء يخضع للتجربة والبحث التطبيقي.
أكثر أنجاز أعتز به هو كتابي (الإيقاع في الشعر العربي الحديث) الذي هو في الأصل رسالتي للماجستير بإشراف أستاذي الذي أفخر بالتتلمذ على يديه دكتور علي عباس علوان، فهذا الكتاب الذي أنجز عام 1989 يعد فتحا في الدراسة الأدبية لما تميز به من منهج علمي صرف، وقد فتح بابا في الدرس الأدبي مهد لعشرات الرسائل والأطاريح الجامعية، وهو إلى الآن يمكن أن يقدم خدمة كبيرة للدرس الأدبي ولهذا فأنا أنتظر طبعه ربما هذا العام من قبل دار الشؤون الثقافية في العراق.
ولدي كتاب البناء الفني للقصة القصيرة الذي أرجو طبعه قريبا وكتاب الشفهية وثقافة الاستبداد المنشور على ألنت وكتاب الأدب العربي الحديث الذي أدرسه لطلبتي في الجامعة وعشرات البحوث الأكاديمية المنشورة في المجلات المحكمة وأكثر من مائة مقال نقدي منشور.
إن إنجازي الحقيقي الذي أفخر به هو تمكني من أن أختط منهجا واضحا وخاصا في الدراسة الأدبية، منهج يحاول الإفادة من المنجز التراثي من غير تقديسه والبناء عليه بالمزاوجة بينه وبين المعطيات العلمية المعاصرة لبناء منهج عربي عصري.
ومن هنا فإن طموحي هو إنجاز كتاب يمثل مشروع العمر عندي يقدم تصورا لنظرية نقدية عربية معاصرة.


5- هل للنت من تأثير على الثقافة العربية، وما هو هذا التأثير وفي أي ناحية يصب ولخدمة من ؟

حسب ما أرى أن الثقافة العالمية كلها تمر بمرحلة مفصلية، إن شكل التلقي المعرفي يتغير، فنحن نعيش اليوم مرحلة تشبه تلك التي عاشها أسلافنا عند اختراع الكتابة أول مرة، إنها مرحلة انتهاء عصر الكتاب والتلقي الخطي للمعرفة وبداية العصر الرقمي أو عصر التلقي ألكتلي، إن أشد ما يحزنني هو عدم إدراك الوعي العربي لهذا الأمر وعدم أخذه بجدية مناسبة، وإذا طال بنا هذا التساهل فلن نجد للثقافة العربية مكانا على خارطة الثقافة الإنسانية، هناك – طبعا – محاولات مهمة تقوم بها بعض الحكومات والمؤسسات العلمية مثل تخزين كتب التراث رقميا، لكن هذا لا يكفي، إذ يجب أن نصل إلى مرحلة يصبح فيها ألنت والحاسوب ركنا أساسيا في حياتنا لا غنى عنه وأن نتعود التلقي الرقمي للمعرفة عبر سلوك تفاعلي لا أن تتوقف القضية عند جعل الحاسوب مكتبة الكترونية بديلة عن المكتبة الو رقية.

6- سؤال حر لك حرية التحدث فيما تود ذكره ولم يوجه لك في الحوار.

أولا أود أن أشكرك سيدتي على هذا الوقت الجميل الذي قضيناه في الحوار، وما أريد قوله هو أني أتمنى أن يأتي اليوم الذي تكون فيه مدارس نقدية عربية، مشكلتنا اليوم أن الدراسة الأدبية مجهود شخصي، الناقد العربي يمثل نفسه ولا ينتمي الى مدرسة أو جمعية كما هو في أماكن أخرى من العالم. وهذه مشكلة قديمة في الثقافة العربية سببها غياب فلسفة غالبة، أو ربما غياب الفلسفة على الإطلاق. وأستغل هذه الفرصة لدعوة الدارسين إلى محاولة تأسيس تجمعات علمية للدراسة الأدبية تتفق على بيانات واضحة وخطوط عريضة لمنهج نقدي عربي.



من هنا نشاهد أن الأستاذ ثائر العذارى رجل إنساني بمعنى الكلمة، وأستاذ جامعي متفهم دوره العميق في مجال التربية والتعليم، وطموحاته هدف يدعم الأدب والنقد خالي من المصلحة الذاتية، همه شمولي يمد خطوات نحو مستقبل جليل، الدكتور ثائر قدم ومازال يرفد الأدب العربي بكل ما هو متمكن عليه وتوثيق لمنهج نقدي عربي له خطوط واضحة وعريضة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان