الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الإنسان دعامة أساسية للإصلاح التربوي

سامر أبوالقاسم

2008 / 10 / 30
حقوق الانسان


إذا كان المغرب قد اختار التوجه الإصلاحي، في المناحي التنموية، فإن مبادرة إصلاح المنظومة التربوية «كان الهدف منها هو بناء ركائز ومقومات المغرب الجديد، الديمقراطي والحداثي، الذي يراهن على بناته وأبنائه في مسايرة الحركة الثقافية والتكنولوجية والاقتصادية التي يشهدها العالم بوتيرة مضطردة» كتاب: المنتدى الوطني للإصلاح، يوليوز 2005، ص: 8، لأن الرهان الذي تطرحه المنظومة التربوية في حالتنا الوطنية وفي هذا الظرف بالذات هو رهان التغيير الثقافي الجذري داخل المجتمع برمته، على اعتبار أن الأفق الاستراتيجي هو القيام بعمليات الربط الممكن بين التكوين والمعرفة من ناحية وبين ترسيخ قيم المواطنة من ناحية أخرى.

لذلك، فالنهوض بالمنظومة التربوية يعد مدخلا أساسيا وحاسما لأي طموح تنموي، ولأي مسعى في اتجاه تعميق وترسيخ قيم الديمقراطية والمواطنة في بلادنا، «... وعلى هذا الأساس، فإن بناء المؤسسة التعليمية الوطنية لا ينبغي أن يتم وفق منظور تقليداني يعطل حركة التطور، كما لا ينبغي أن تكون المؤسسة التعليمية مرآة عاكسة لأية أزمة، بل ينبغي لها أن تكون فضاء يؤسس للعلاقات الاجتماعية المتطورة، للتصورات الخلاقة، وللقيم النبيلة، قيم الحداثة والديمقراطية وممارسة المواطنة بشروطها الحقيقية. بمعنى، ينبغي أن تلعب المدرسة دور النواة التي تصنع البدائل المتينة والمغايرة، التي بإمكانها المساهمة في بناء الفضاء العلائقي لمغرب الغد الحداثي والديمقراطي»، كتاب: المنتدى الوطني للإصلاح، يوليوز 2005، ص: 10.

لقد وقف العديد من الفاعلين والدارسين والمهتمين على خلاصة مفادها أن «الصفة الإنسانية هي الصفة السائدة على حضارة القرن العشرين وهي التي توحد هذه الحضارة، بل هي التي تتطلب من كل نشاط بشري أن يربط نفسه مع المجتمع الذي يعيش فيه بقصد البحث عن شروط حياة أفضل لنا ولأبنائنا» كتاب: علم النفس التربوي، د. أحمد زكي صالح، دار المعارف، الطبعة 16، 1992، ص:4.

ومن النتائج المباشرة لهذه الصفة الإنسانية الاهتمام المباشر والمتزايد داخل كافة المجتمعات المعاصرة بالمشكلات والصعوبات والمعيقات التي تعرفها عملية تنشئة الأجيال الصاعدة، لأن الجميع يعيش في إطار أكبر تغير ثقافي يشهده العالم في جميع عصوره، وهو المتمثل في التركيز على المنظومات التربوية والتعليمية، بسبب الإدراك الواعي لقيمة الثروة البشرية وقيمة تماسك أفراد المجتمع الواحد ووحدتهم كأساس لقيام المجتمع.

وبما أن كل مجتمع يعمل على تحديد المقومات والخصائص التي ينبغي أن تقوم عليها عملية التنشئة الاجتماعية، فإن المغرب يعرف منذ سنة 2000 على مستوى المنظومة التربوية، وفي القلب منها المؤسسة التعليمية، سيرورة إصلاحية مرتبطة بالاختيارات والتوجهات الكبرى التي تم التوافق بشأنها في إطار الميثاق الوطني للتربية والتكوين؛ اختيارات وتوجهات ترسم معالم التنشئة الاجتماعية المنشودة في ظرفنا الراهن، وهي نابعة من طبيعة وشكل التطورات التي يعرفها الوضع في حالتنا الوطنية، وهي نتاج التفاعل الحاصل بين مختلف الاتجاهات والمواقف المعبر عنها، سواء على المستوى الاجتماعي والاقتصادي أو على المستوى المدني والسياسي أو على المستوى الفكري والثقافي.

وقد تبينت أهمية تلك الاختيارات والتوجهات أكثر، كمقومات وخصائص لعملية التنشئة الاجتماعية بالمغرب في بداية القرن الواحد والعشرين، مع العديد من الوقائع والمستجدات التي برزت خلال العقد الأخير، وفي القلب منها الملفات الكبرى للفساد، والأحداث ذات الارتباط بـ 16 ماي 2003 وما تلتها من تطورات، والتفشي المستفحل للعديد من السلوكات اللامدنية في الأوساط الاجتماعية...؛ التي تنذر بتهديد حقيقي للأمن والاستقرار المجتمعيين من جهة، كما تؤشر على اختلالات خطيرة في المنظومة القيمية والمبدئية والمسلكية للأفراد والجماعات والمؤسسات من جهة أخرى.

لكن، بالرغم مما يمكن تسجيله في هذا السياق من نباهة على مستوى التوفق في تحديد الاختيارات والتوجهات التربوية العامة الكفيلة بالعمل تربويا على الحد مما يحدق بالمجتمع المغربي من مخاطر على المستويين السياسي والاجتماعي، وعلى الرغم من الإدراك المبكر لبعض الفاعلين السياسيين لضرورة إيلاء الاهتمام البالغ لعمليات التنشئة الاجتماعية داخل المؤسسات ذات الصلة، إلا أنه يمكن القول بأن هناك فرقا ليس بالهين فيما بين العمل ذي الارتباط بتحديد الاختيارات والتوجهات التربوية العامة، وما بين العمل ذي الصلة بالتوجيه والتخطيط والتنسيق في كل مراحل الإصلاح التربوي، وما بين الإنجاز في الميدان وعلى أرض الواقع من ناحية أخرى.

فبالقدر الذي يمكن لهذه الفروقات أن تعمل على توفير قدر من الحرية والاجتهاد والتجديد والإبداع لمختلف الفاعلين التربويين في كل مستويات الأداء التربوي، بالقدر الذي يمكنها أن تتحول إلى معيق أساسي، في حال غياب الوعي بطرق وكيفيات الأجرأة الإدارية والتربوية، أو في حال كثرة الاختلالات والأعطاب على مستوى التنفيذ والإنجاز، أو في حال عدم تمكين الآليات الملائمة لتفعيلها من الاختصاصات والصلاحيات الكفيلة بجعلها تقوم بإنجاز المتعين في إطار من التنسيق مع باقي الآليات الأخرى.

فاللجنة المركزية لحقوق الإنسان والمواطنة كآلية أساسية في عملية مأسسة الإصلاح، حسب الوثائق الرسمية لقطاع التعليم المدرسي، هي الآلية التي يستهدف بواسطتها تعزيز ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة، والنهوض بها في الفضاء والحياة المدرسيين، وذلك بواسطة برامج عمل واضحة ودقيقة من حيث الأهداف وطرق الاشتغال وأساليب التقويم، لأن إحداث هذه اللجنة جاء في إطار تدارس حصيلة تجربة قطاع التربية الوطنية، في المجالات المرتبطة بالنهوض بثقافة حقوق الإنسان والتربية على قيمها، وفي سياق عرض التوجهات الجديدة للوزارة، الرامية إلى تطوير أدائها وبرامجها.

ويكتسي موضوع التربية على حقوق الإنسان والمواطنة داخل القطاع أهمية بالغة، في ارتباطه بالتحولات الجارية، إن على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي، وبأوراش الإصلاح المختلفة. لذلك، فإن التركيز على عمل اللجنة جاء على خلفية تثمين المجهودات المبذولة من طرف أطر ومصالح الوزارة ومنظمات المجتمع المدني في هذا المجال، منذ الانخراط في البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان، فقد « تابعت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي تنفيذ البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان حيث عملت على تعميم إرساء هذا المنهاج ضمن المناهج الدراسية لمواد اللغة العربية والغة الفرنسية والاجتماعيات والفلسفة والتربية الإسلامية مع إدماج مبادئ مدونة الأسرة في المناهج التربوية لمواد التربية الإسلامية والاجتماعيات والتربية على المواطنة والفلسفة والتربية الأسرية في مختلف أسلاك التعليم في مرحلة أولى، ومواكبة هذه الخطوات في مجال نشر وتعزيز وترسيخ القيم الإنسانية الكونية واستدماج التحولات المجتمعية الواعدة الخاصة بالنهوض بأوضاع المرأة وتيسر قيم ومبادئ المساواة ومناهضة كل أشكال التمييز ضدها، وتم تتبع هذه الإجراءات وتعزيزها ببرامج أخرى موازية مؤسسة على شراكة تعاون متينة مع مكونات المجتمع المدني، وهي شراكة واعدة تتموقع في أفق تفعيل أدوار الحياة المدرسية وترسيخ قيم حقوق الإنسان والمواطنة والديمقراطية بالفضاءات المدرسية» كتاب: المنتدى الوطني للإصلاح، يوليوز 2005، ص: 54.

كما جاء هذا التركيز على عمل اللجنة، على قاعدة إعادة تنظيم عمل مختلف المصالح والبنيات وتطوير البرامج ورصد الإمكانيات والاعتناء بالتكوين والإعلام والنشر، من أجل إعطاء دفعة جديدة لعمل اللجنة، المرتبط بترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، والذي يعتبر أحد أعمدة الإصلاح البيداغوجي. ومن ثمة، فقد أوكلت لها مهمة التوجيه والتخطيط والتنسيق في مجالات التربية على حقوق الإنسان، وتعزيز التعاون مع منظمات المجتمع المدني، ومتابعة تنفيذ مواد مختلف اتفاقيات الشراكة، التي تربط الوزارة بمؤسسات وطنية أو جمعيات مدنية، وكذا ضمان استمرارية التنسيق مع القطاعات الحكومية، واحترام التزامات الوزارة.

والحديث عن اللجنة، بالقدر الذي يمكن حصره في مجال تدخلها واختصاصها، بالقدر الذي يتطلب استحضار الشروط السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت وراء تحديد الاختيارات والتوجهات الكبرى لطبيعة وشكل الإصلاح البيداغوجي المتوافق بشأنه على قاعدة ما تم تضمينه في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، لذلك «تم إرساء هندسته (الإصلاح البيداغوجي) ومحتوياته ومناهجه ودعاماته، بتعبئة الفاعلين التربويين مع إشراك المتدخلين والمهتمين بالشأن التربوي، وهو الإصلاح الذي قطعت فيه عملية مأسسة تدبيره خطوات هامة، إذ بالإضافة إلى القنوات التربوية المعتادة، أحدثت لجنة التقويم والمصادقة على الكتاب المدرسي واللجنة الدائمة للمناهج والبرامج، وكذا اللجنة المركزية لحقوق الإنسان والمواطنة» كتاب: المنتدى الوطني للإصلاح، يوليوز 2005، (ص: 97).

لذلك فإن اللجنة المركزية لحقوق الإنسان والمواطنة هي آلية من الآليات الأساسية لتدبير خطوات ومراحل الإصلاح التربوي من ناحية، وهي من ناحية أخرى قناة من القنوات التربوية غير المعتادة، والتي ينبغي إيلاؤها الاهتمام الكبير والعناية الخاصة للتمكن من أجرأة خطوات الإصلاح التربوي بالمغرب، مثلها في ذلك مثل اللجنة الدائمة للبرامج ولجنة التقويم والمصادقة على الكتب المدرسية.

وإذا كان الأمر كذلك منذ تم التفكير في إنشاء هذه الآلية غير المعتادة في قنوات التصريف التربوي، وإذا كان التنصيص على أهمية الأدوار والوظائف والمهام التي يمكن أن تطلع بها هذه اللجنة يكاد يغطي مختلف الوثائق التربوية الموضحة لعملية الإصلاح التربوي الذي يطال المدرسة المغربية، وإذا كان المنتدى الوطني للإصلاح المنعقد في منتصف عشرية إصلاح المنظومة التربوية هو بدوره يؤكد على الطابع الاستراتيجي لعمل اللجنة المركزية لحقوق الإنسان والمواطنة داخل قطاع التعليم المدرسي، وإذا كانت اللجنة الدائمة للبرامج ولجنة التقويم والمصادقة على الكتب المدرسية قد خصصت لهما وسائل وآليات العمل بعد تحديد وتدقيق الوظائف والمهام والاختصاصات والصلاحيات، فإلى أي حد يمكن لوضعية اللجنة المركزية لحقوق الإنسان والمواطنة أن تعكس أهمية واستراتيجية عملها في قلب عمليات الإصلاح التربوي الجاري لحد الآن، سواء في مجال التجديد الذي يطال المناهج والبرامج والكتب المدرسية، أو في مجال تنشيط الفضاء والحياة المدرسيين، أو في مجال المساهمة الفعالة على مستوى إنتاج الدعامات البيداغوجية اللازمة والضرورية لبرامج التربية على حقوق الإنسان والمواطنة، أو في مجال التكوين الأساسي والمستمر للأطر الإدارية والتربوية، أو في مجال توسيع نطاق التعاون والشراكة، أو في مجال انفتاح المدرسة على محيطها...؟

فإذا كانت المكتسبات المحصل عليها لحد الآن موجهة نحو تجسيد القيم النوعية الإنسانية والحداثية ضمن برامج ومناهج وحياة مدرسية وتكوين أطر... تضفي على النظام التربوي مضمونا بيداغوجيا ملائما للتحولات الوطنية والدولية الحاصلة، ومتجهة نحو استباق التطورات المستقبلية، فإن امتلاك معاني أفق اشتغال اللجنة المركزية لحقوق الإنسان والمواطنة بالمشاركة الفعلية والانخراط الإيجابي والمتابعة والدعم والتقوية والتقويم الناجع من لدن الفاعلين التربويين والحقوقيين يظل شرطا أساسيا لتمتين المكتسبات وتحصينها وتطويرها في هذا المجال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ناجون من الهولوكوست يتظاهرون في بريطانيا رفضا للعدوان الإسرا


.. رغم بدء تشغيل الرصيف العائم.. الوضع الإنساني في قطاع غزة إلى




.. تغطية خاصة | تعرّض مروحية رئيسي لهبوط صعب في أذربيجان الشرقي


.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري




.. شاهد: -نعيش في ذل وتعب-.. معاناة دائمة للفلسطينيين النازحين