الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدب الراقص

أوري أفنيري

2004 / 2 / 25
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


كان أحدهم ذات مرة، في عروض الساحات الشهيرة يقوم بترقيص دب، أمام جمهور من المارة لإمتاعهم، وكان المارة  يلقون بالقطع النقدية في علبة معدة لذلك. الدب كبير ومخيف، ولكن حركته الثقيلة كانت تثير موجات من الضحك. لقد كان أقوى من سيده، الذي كان يمسك به بسلسلة. غير أن الدب كان ينصاع لسيده بشكل يثير الإعجاب.

     شعار الولايات المتحدة لا يحتوي على صورة دب، بل صورة نسر، أما الدب فهو شعار روسيا كما هو معروف. غير أن من يدقق النظر في العلاقة القائمة بين بوش وشارون، سيتحقق من أن هذه العلاقة هي نسخة جديدة من تلك العروض القديمة.

     أريئيل شارون يتسلى بالدب الأمريكي، إنه يجعله يرقص، يقفز ويأمره بالتمدد على الأرض والنهوض والاستدارة والتدحرج. والجمهور الإسرائيلي يتمتع بهذا المشهد المسلي.

     لا تمر عدة أشهر حتى يخترع شارون لعبة جديدة. الدب يصفق، يفعل كل ما يأمرونه به، حتى بدأ العرض يفقد طعمه، فيقوم المروّض باختراع عرض جديد.

     هذا ما حدث للعرض المسمى "خارطة الطريق". ولتوخي الدقة نقول، بأن هذا لم يكن من اختراع شارون، فالدب ذاته هو الذي اخترع الرقصة. لقد كانت لدى بوش "رؤيا". نوع من التجلي. "دولتان لشعبين". شيء جديد وانقلابي.  (صحيح أن هناك نشطاء سلام إسرائيليين وفلسطينيين يدعون إلى هذه الفكرة منذ عشرات السنين، ولكن مخ الدب يعمل ببطئ، ومن الأفضل أن ينجز اللعبة لاحقا بدلا من عدم إنجازها بتاتا.)

     لقد زرعت هذه الرؤيا "خارطة الطريق". خارطة معقدة ومركبة. لو حاول  أحد السائقين إيجاد طريقه على هذه الخارطة، فلن يصل إلى  وجهته. ولكن الخارطة تحمل بصمة الرئيس الأمريكي شخصيا، وبصمة أوروبية وروسية وبصمة الأمم المتحدة. إذن لن يشكك فيها أحد.

     لقد بدأ العرض المسرحي في العقبة. جورج دابليو يحب التقاط الصور على خلفية تبهر الأنظار. يبدو أنه يكرس من وقته وعزيمته قسطا وفيرا لاختيار الخلفية للصورة التالية - حاملة طائرات، كتيبة مصطفة، جنود في بغداد. في هذه المرة أيضا وجد له بوش خلفية رائعة: شاطئ هادئ، بحر أزرق، نخيل مرتفع، منظر طبيعي خلاب. وقد شغل شارون وأبو مازن دور الكومبارس في هذه المسرحية. لقد وافقا في موقف احتفالي على "خارطة الطريق". كما حصل النبي موسى، على مسافة قليلة من هناك، على ألواح الوصايا.

     إلا أن الصور يمكن أن تكذب، وهذه الصورة أيضا هي صورة مموهة. لم يكن بوش هو المروض، بل شارون. لم يقم الدب بمداعبة الرجل، بل حدث العكس.

     لقد كان ذلك العرض فارغ المضمون. "خارطة الطريق" ماتت قبل ولادتها، لأن شارون لم يكن ينوي تطبيقها ، فلديه خارطة أخرى، طرق أخرى وأهداف أخرى.

     لقد كان رد شارون، لأول وهلة، "نعم، ولكن…" فقد ارفق موافقته بـ 14 شرطا، افرغت الوثيقة من مضامينها. وقد تقرر بأن تقوم حكومة شارون بتنفيذ حصتها من المعاهدة بعد أن ينفذ الفلسطينيون أمورا لا يمكن تنفيذها. وبطبيعة الحال، لم ينفذ الفلسطينيون ما هو ملقى عليهم، وكانت النتيجة اختفاء أبي مازن.

     وماذا عن شارون؟ لقد لعب دوره حتى النهاية، فأرسل مبعوثين إلى واشنطن، وفاوض، واستقبل الممثلين الأمريكيين، وزار البيت الأبيض وكان يقسم في كل مناسبة أن ليس لديه أي هدف أقدس من تحقيق رؤيا بوش. لقد انتشى الرئيس الأمريكي من تصريحات "داعية السلام" هذا.

     وفق خارطة الطريق، كان على شارون إخلاء كل المستوطنات التي أقيمت منذ وصوله إلى السلطة في مستهل عام 2001، إلا أن شارون أخذ يرقص الدب إلى اليمين وإلي اليسار، حتى تشوش إدراك ذلك الحيوان المسكين. لا لكل المستوطنات بل "النقاط" الاستطيانية فقط. لا لكل النقاط الاستيطانية بل للنقاط الاستيطانية "غير القانونية" (غير قانونية حسب قانون سلطات الاحتلال الإسرائيلية) لا لكل النقاط الاستيطانية غير القانونية، بل واحدة أو اثنتين فقط. وفي نهاية الأمر لم يتم إخلاء أي نقطة استيطانية. غير أن الدب الأمريكي مستمر في الرقص فرحا.

     في هذه الأثناء، أقيمت عشرات النقاط الاستيطانية الجديدة، وكلها "غير قانونية". لقد تم توصيلها، بمصادقة من حكومة إسرائيل، بشبكات المياه والكهرباء وتم تعبيد الطرق الواصلة إليها، واستثمرت فيها مبالغ طائلة تم استقطاعها من ميزانيات التعليم والصحة والرفاه الخاصة بمواطني إسرائيل. وقد توسعت المستوطنات القائمة أيضا بوتيرة مجنونة. بدأت تضاريس الضفة الغربية تتغير بسرعة، وتم تعبيد طرق جديدة لخدمة المستوطنين. والدب يرقص فرحا.

     وقد أضيف إلى كل ذلك "الجدار الفاصل". تم تعريفه في البداية على أنه جدار أمني، وقد كان التوقع أن يقام على امتداد الخط الأخضر. إلا أنه قد تبين فورا  بأنه يتوغل عميقا داخل الضفة الغربية، ويضم مناطق واسعة ولا يأبه لأهداف "خارطة الطريق" - دولة فلسطينية لها كيانها. لقد صور القمر الاصطناعي كل ذلك، والدب الأمريكي مستمر في الرقص. المهم أن شارون ما زال يكيل المديح لخارطة الطريق ويحب أمريكا الأم.

     وفجأة بدأ شارون يمل هذا العرض المسرحي, وخاصة لأن الدب من شأنه أن يتعب ويغضب. فاخترع رقصة جديدة: "الانفصال من جانب واحد". الخروج من قطاع غزة، وإزالة 14 مستوطنة، وبعض المستوطنات في الضفة الغربية.

     بدأ كل شيء من جديد. مبعوثون يرسلون إلى الولايات المتحدة. يستقبلون المبعوثين الأمريكيين. دوبي يسافر إلى كوندوليسا. جنرال يقابل جنرالات. شارون يزور البيت الأبيض. ولإنعاش الديكور، يقومون في إسرائيل بمظاهرات صاخبة ينظمها المستوطنون، تصريحات يدلي بها رجال الدين، تهديدات بفض الائتلاف، عشرات المقالات التي يكتبها محللون مثقفون يعدون بأن شارون في هذه المرة، المرة الـ 102، شارون جدي. شارون يعني ما يقول في هذه المرة.

     في واشنطن يرقصون فرحا. حسنا، هذه ليست "خارطة الطريق" بحذافيرها، ولكن يمكننا أن نعتبرها كذلك. المهم أن شارون يبدو "داعية سلام"، ومستعد للانسحاب وتفكيك المستوطنات. من كان ليصدق ذلك.

     لقد أرسل بوش، هذا الأسبوع، ثلاثة مبعوثين على شارون (ومن بينهم إليوط أبرامس، يهودي أكثر صهيونية من شارون) ليسأل بأدب: من أين يريد شارون الانسحاب؟ ما هي المستوطنات التي سيزيلها؟ متى سيحدث ذلك على وجه التحديد؟ وهل بالإمكان رؤية الخارطة من فضلكم؟

     شارون يضحك في وجوههم. إذن الأمر كذلك، لا توجد خارطة، ولا مواعيد لا يوجد شيء. هذه فكرة، إننا نعمل على صياغتها. هاهو أحد الجنرالات الحقيقيين بدأ يفكر بالأمر بجدية.

    بالتأكيد، سيفكرون، ويصيغون المستندات ويسافرون إلى واشنطن ويعودون منها، دوبي يقابل كوندوليسا، شارون يلتقي بوش. (في هذه الأثناء، يطلب من الأمريكيين منح بعض المليارات الإضافية  لزرع المستوطنين في المكان الذي يتواجدون فيه، وسيكون من العدل أن تدفع لهم تعويضات بالمليارات لاقتلاعهم منه.)

     ستستمر الأمور على هذا المنوال، حتى يمل شارون من هذه اللعبة أيضا. وعندها سيخترع لعبة جديدة، والمهم هو أن يستمر الدب في الرقص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة أمام وزارة الدفاع اليابانية رفضا لشراء طائرات مسيرة م


.. عادل شديد: مسألة رون أراد تثير حساسية مفرطة لدى المجتمع الإس




.. دول غربية تسمح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لضرب أهداف داخل رو


.. ما دلالات رفض نصف ضباط الجيش الإسرائيلي الاستمرار بالخدمة بع




.. أهالي جباليا يحاولون استصلاح ما يمكن من المباني ليسكنوها