الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة اعلان تعزية

هشام نفاع

2002 / 5 / 31
القضية الفلسطينية


القصة التالية تكشف شيئا جديا من ثنايا وتلافيف الاعلام الاسرائيلي حين يقرر التجنّد في صفوف السياسة الحكومية. وبالذات في وقت الحرب. فقد فوجئت حركة "تعايش" العربية-اليهودية، وإحدى اكثر حركات اليسار الراديكالي جرأة، برفض صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية نشر اعلان تعزية وجهتها الحركة الى السيدة سارة كراجة التي قتلت قوات احتلالية زوجها، قائد الامن العام الفلسطيني في حلحول خالد ابو خيران. اما ذريعة "هآرتس" فكانت ان الحركة ضّمنت في نص التعزية الجملة التالية: "الذي جرى إعدامه دون محاكمة بواسطة دولة اسرائيل" في اشارة الى المسؤول الفلسطيني المغدور.

واشارت الحركة الى انها ارسلت التعزية، التي وجهتها الى السيدة كراجة باعتبارها رفيقة في النضال المشترك لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي، الى ثلاث صحف هي "الاتحاد" الحيفاوية و"القدس" و"هآرتس"، وقد نشرت "الاتحاد" النص كاملا بينما لم تتمكن "القدس" من نشره كاملا بسبب تدخل الرقابة العسكرية الاسرائيلية والتي تفرض سلطتها التعسفية حتى على اعلانات التعازي في الصحف الفلسطينية الصادرة في القدس الشرقية المحتلة..

والمستهجن ان "هآرتس" حاولت التملص في البداية عبر الامتناع عن تفسير رفضها نشر التعزية واختبأت خلف قسم الاعلانات الذي يفتقر لصلاحية البت في مسائل من هذا النوع، ولكنها عادت لاحقا وقالت ان المستشار القضائي للصحيفة يرفض نشر النص ولا يريد اعطاء تفسيرات، مع ان عددا من موظفي الاعلانات قالوا صراحة ان المشكلة هي في الجملة المذكورة اعلاه والتي يبدو انها لا تتفق مع سياسة الصحيفة التي لا ترى في الاغتيالات الاسرائيلية اعدامات بدون محاكمة، مع أن العالم كله يقرّ بهذا.

وعندما توجهت حركة "تعايش" الى صحيفتي "معاريف" و"يديعوت احرونوت" جرى رفض نشر نص التعزية ايضا. ولكن الصحيفتين اعلنتا سبب الرفض صراحة، خاصة انهما معروفتان بمغازلتهما الدائمة والواضحة للاجماع الصهيوني، خلافا لـ"هآرتس" التي تحاول دائما التقنّع بالتنور والانفتاح والمهنية!

وفوق هذا كله رفضت هيئة تحرير "هآرتس" السماح لمعلّقها الجريء افيف لافي بالكتابة حول الموضوع مع انه متخصص في النقد الصحفي. وقد اخبر لافي نفسه نشيطي "تعايش" ان المسؤولين عنه منعوه من الكتابة حول ذلك!

ان هذه الحادثة التي تقول الكثير ليست حادثة صحفية فحسب، بل انها تكشف ما يمكن ان تصله مؤسسات ظلت تتمتع حتى الامس بهالة من النزاهة او المهنية على الاقل، عندما تفقد جرأة وأخلاقية المعارضة في وجه حكومة جعلت من مواصلة احتلال اراضي الدولة الفلسطينية هدفها الاول وحتى المقدس. فان ُتجمع كل وسائل الاعلام الاسرائيلية على رفض نشر تعزية يقول فيها مقدموها موقفهم من قيام جيش الاحتلال الاسرائيلي بالقتل ويؤكدون انها اعدامات بدون محاكمة، هو أمر يجب ان يقلق الاسرائيليين انفسهم. ولهم عبرة في التاريخ الذي سجل المرات التي سدّ فيها الصحفيون افواه اقلامهم عن نشر ونقد ما تقوم به حكوماتهم من جرائم حتى وصلوا مع تلك الحكومات الى اسود السجلات.

ويبقى السؤال: اين هم المثقفون الاسرائيليون من منع اطلاع الجمهور الاسرائيلي على موقف سياسي يرفض الانصياع لجهاز الدعاية الحكومي الرسمي؟ واذا كان هذا ما جرى في قصة التعزية فما بالنا بالتقارير والتحقيقات الصحفية، وكم من المعلومات الهامة والخطيرة تم اعدامها بدون احتكام للاخلاقيات المهنية في غرف التحرير، دون ان يعرف بها احد؟

*صحفي فلسطيني مقيم في حيفا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله