الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن للنظم العربية ان تؤثر في السياسة الأمريكية؟

دياري صالح مجيد

2008 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


كثيراً ما يتبادر هذا السؤال إلى أذهان المثقفين في العالم العربي الذي يضم في أراضيه العديد من الشعوب التي تنظر بعين الريبة والشك إلى دور هذه النظم ولعلاقاتها مع الغرب وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الحد الذي وصل معه الأمر إلى تخوين النظم السياسية العربية للنخب المثقفة التي تطرح تساؤلات مشككة حول مدى فاعلية سياسات هذه النظم في مجال إدارة الموارد وتحويلها من عناصر للقدرة إلى عناصر للقوة يستثمرها صانع القرار السياسي لتغيير مسار السياسة الأمريكية بما يخدم طموحات الشعوب.

من المعلوم للجميع مدى أهمية الموقع الجغرافي للعالم العربي ومدى أهمية امتلاكه للعديد من مصادر الطاقة التي يعتمد الغرب اعتماداً كبيراً عليها وبالذات منها النفط فنجد أن الدول الآسيوية واليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند واستراليا تستورد 67% من نفط الخليج و6% من بقية دول الشرق الأوسط في حين تستورد الدول الأوربية قرابة 26% من احتياجاتها النفطية من الخليج و5% من بقية دول الشرق الأوسط، أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية فنلاحظ ان البترول الخام الذي تستورده تصل نسبته إلى 25% من الخليج والباقي يأتي من أجزاء أخرى من العالم، وهو يأتي بالمرتبة الثانية في استيراداتها بعد أمريكا الجنوبية التي تصل نسبة ماتستورده منها إلى 35%. وهو ما يعني امتلاك ثروات ومصادر طاقة لو أنها استثمرت فعلاً كمصدر للقوة، لكان وضع السياسة والعلاقات العربية-الأمريكية غير ما عليه اليوم.

مع إيماننا بأهمية العناصر الأخرى الموجودة أمام صناع القرار السياسي، لكننا لو أخذنا النفط فقط كأداة تحليلية لمقالنا هذا، لوجدنا أن العديد من الدول العربية قد ضيعت فرصاً عظيمة في مجال التنمية عبر سنوات عديدة من عمر تجربتها السياسية-النفطية، وقد جاء ضياع تلك الفرص في ضوء أوهام البداوة التي لازالت تسكن عقول العديد من صناع القرار السياسي العربي، مما قاد إلى أبشع استخدام لعائدات النفط في ظل حروب خاسرة مابين الدول نفسها ومابين شعوب الدولة الواحدة ونظمها السياسية، إلى الحد الذي وصل فيه مفهوم الأمن القومي للعديد من الدول العربية إلى التركيز على التسلح وأجهزة الأمن والمخابرات، بهدف درء مخاطر وهمية كان من الممكن تجاوزها عبر استثمار عناصر القوة تلك في تعزيز الداخل والانفتاح على الخارج وفقاً لسياسة عقلانية رسمت مساراتها من قبل متخصصين ذوي باع طويل في هذا المجال، وهو ما لم يحصل للأسف الشديد في حياتنا السياسية في العالم العربي، وهو ما قاد أيضاً إلى كل هذا الكم الهائل من التراكم الدكتاتوري على كواهل الشعوب.

لقد استثمرت أغلب عائدات النفط العربية كمصدر من مصادر القوة في أمور تخدم صراع النظم السياسية العربية مع أفراد الشعوب التي تعيش في العالم العربي، وذلك في ضوء اضطراب علاقة السلطة بالفرد. والذي جاء إدراكا من قبل النظم تلك إلى رغبة التغير الكامنة في نفوس الشعوب، وهو ما قادها إلى محاولة تعزيز وجودها في الحكم بكل الوسائل الممكنة، ولعل ما حصل في العراق خير دليل على ذلك، فهذا البلد الغني بثرواته أضاع فرصاً عظيمة على أبنائه بسبب استهتار قيادته السياسية التي لم تكن تحلم بأكثر من بقائها في السلطة وتمديد مجال نفوذها قدر الإمكان على حساب الآخرين، لذلك تم توظيف عائدات النفط على مدى عقود من الزمن نحو بناء ترسانة عسكرية استخدمت تارة ضد الجيران وتارة أخرى ضد أبناء هذا البلد، فأي شكل من أشكال القوة يريد البعض أن يتحدث عنها في إمكانية التأثير في صناعة القرار السياسي الأمريكي؟

إن مثل هذا النوع من التأثير لا يعدو أن يكون مجرد وهم أو حلم صعب المنال يستوطن مخيلة بعض مثقفينا، ورغم انه حلم مشروع على اعتبار أننا نملك موارد ونملك ثروات إذا ما أحسن استثمارها فإنها مثلاً ستكون عنصراً ضاغطاً لتحقيق مثل هذا التغيير المنشود، لكن هل يؤمن سياسيونا بهذا الهدف النبيل، أي هدف التغيير خدمة للشعوب؟. لا أعتقد أن أغلبهم يفهم هذه اللغة أو يؤمن بها لأنها لغة الاطاحة بعروشهم التي يعدونها على أنها عروش مقدسة، وهم يستثمرون كل طاقات وإمكانيات البلاد من أجل حماية هذه العروش وليس الشعوب. إذن الشعوب هي الخاسر الأكبر في هذه القضية، ولنعد هنا مرة أخرى إلى مثالنا العظيم الذي نحتذي به في مثل هذه المصائب الجسام وهو العراق، فطوال سنوات الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق، لم يحرك نظامه السياسي ساكناً في استثمار موارد قوة البلاد للتأثير على صانع القرار الأمريكي لأجل تخفيف حدة الضغط الملقى على كاهل الفرد العراقي، بل على العكس من ذلك استثمر كل الإمكانيات المتاحة لديه للتأثير على استعباد الجماهير وصد سياسات أمريكا التي ترغب بالإطاحة به، ولم يكن تخفيف حدة الحصار، كما حاولت أمريكا أن تسوقه للمجتمع الدولي، لم يكن في حقيقته نتاج لاستثمار عناصر القدرة العراقية، على العكس كان نتاج ثورة شعبية اكتسحت شوارع أوربا وأمريكا نفسها، ساهمت في هز الصورة الأمريكية وإجبار صانع القرار السياسي الأمريكي على تغيير نمط سياسته حيال العراق، لندخل في ظلام لعبة جديدة اسمها مشروع النفط مقابل الغذاء، والكل يعلم كيف استثمر النظام السياسي العربي هذه الصفقة وكيف أثر في سياسة أمريكا إلى الحد الذي أصبحت معه هذه السياسة أكثر شراسة وأبشع توجهاً من ذي قبل.

يبدو من سياق ما تقدم أن النظم العربية (وهنا لا أقصدها جميعاً) تستخدم عناصر الثروة لديها، حينما يكون ذلك فيه خدمة بقائها وبقاء أبنائها فيما بعدها متربعة على رؤوس الناس وأكتافهم وظهورهم. كما يبدو أنها تستخدم كل تلك العناصر من أجل الإطاحة بحركات شعوبها التواقة إلى التحرر من جهة والى أنها تؤثر فعلاً في مسار العلاقة مع أمريكا، لكن للأسف ليس لصالح الشعوب كما تدعي وإنما خدمة لمصالحها هي بالدرجة الأولى، وإلا كيف لنا أن نبرر نسبة الفقر المدقع الذي ينتشر في العديد من دول النفط العربية وكيف لنا أن نبرر كل تلك الأزمات التي تهدر كرامة المواطن وتسلب أيامه وأحلامه في دوامة من الضياع واستلاب الإرادة والحقوق، وحكامنا الأبطال لا هم لهم سوى الشعارات.

إن التوجه نحو استثمار عناصر الثروة العربية بما يخدم كل الشعوب التي تعيش في العالم العربي بما يضمن للمواطن حقوقه في العيش والمسكن والمأكل والعمل وبما يضمن تحقيق التنمية بكل أبعادها الإنسانية الشاملة، يعد إحدى أنجح السبل التي يمكن لصناع القرار في دولنا أن تعتمد عليها في إمكانية تغيير او على الأقل التأثير في مسار السياسة الأمريكية، فالتجربة العراقية أثبتت أن نظاماً سياسياً مسلحاً بمختلف الأسلحة وأقواها يعد نظاماً ضعيفاً غير قادر على التأثير في مسار علاقاته سواء مع العرب أو الغرب، طالما انه يفتقر إلى شعب يسانده، وكيف للأخير مساندة قادته وهو يرزح تحت وطأة الجوع والفقر والتخلف؟ إنها رسالة نتمنى مخلصين أن تصل إلى عقول أولئك الذين يظنون أن استثمار موارد العالم العربي عبر التسلح والحد من الحريات وتخوين المثقفين، قد يقود إلى التأثير في سياسة أمريكا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يشكل لجنة وزارة أمنية مصغرة وسط دوامة من الخلافات بش


.. فايز الدويري: جيش الاحتلال فقد كثيرا من القدرات التي كان يمت




.. أصوات من غزة| تكافل وعطاء رغم الحصار وقسوة النزوح


.. لحظة قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا بخان يونس جنوبي قطاع غزة




.. الجيش الإسرائيلي ينقل صلاحيات قانونية بالضفة الغربية لموظفين