الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ المذهبيات

عبدالله جناحي

2008 / 11 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


منذ عصر التدوين العربي الإسلامي برز الطابع المذهبي في كتابة التاريخ، فحتى تدوين المذهبيات الإسلامية انطلق من غاية ترسيخ الفروع وهو يؤرخ لتعدد الأصول.
ويقرر أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني كأحد أشهر مؤرخي المذهبيات الإسلامية في كتابه (الملل والنحل) بأن الخلاف نشأ في صفوف المسلمين حول مسألتين هما:
مسألة الأصول ومسألة الإمامة، ومن ثم فإن كتابة تاريخ المذهبيات كانت في حقيقتها كتابة تاريخ الاختلاف.
في كتابة (نظام الزمان العربي، دراسة في التاريخيات العربية الإسلامية) يركز الدكتور رضوان سليم، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالمغرب، الحاصل على دكتوراه الدولة في الفلسفة على هذا الموضوع الذي من المفيد استعراضه حيث يصل إلى نتيجة أن الكتابة التاريخية لتدوين الماضي المذهبي هي بحد ذاتها صياغة مذهبية للتاريخ العربي الإسلامي.
مبتدئاً بتعريف الزمن المذهبي الذي يعتبره زمناً لا تاريخياً، فالفكرة المذهبية لا تعرف التحول، بل تولد تامة ومكتملة، شمولية وأبدية لكنها تواجه أزمة أصلها، فقد ارتبطت بالاختلاف حول مسألة الإمامة.
إن الاختلاف حول مسألة الإمامة شمل السيف الذي أصبح بدوره خاتمة الحجة والبرهان، لقد اندلعت حروب، وسقط قتلى من كل الفرق وانتقل التاريخ من تدوين أخبار الفرقة الناجية إلى كتابة تاريخ الفرق الهاوية.
ويرى الباحث بأن نشوء المذهبية الإسلامية كتعبير عن الاختلاف عبرت عن خطاب شمولي من خلال إقصاء مقالات المخالفين، ويستشهد بمقولة الشهرستاني في تعريفه للمذهبية "إن الإنسان إذا اعتقد عقداً، أو قال قولاً، فأما أن يكون فيه مستفيداً من غيره، أو مستبداً برأيه، فالمستفيد من غيره مسلم مطيع، والدين هو الطاعة، والمسلم المطيع فهو المتدين، والمستبد برأيه محدث مبتدع".
في هذه المقولة المكثفة جوهر المشكل المذهبي في حضارتنا العربية الإسلامية، حيث تنشأ المذهبية وحيث من يستفيد من الغير يعني الطاعة، أما البدعة فتنشأ من الاستبداد بالرأي!
جذور المذهبية حسب رأي الباحث نشأت من الشبهة وبصفة خاصة شبهات أول زمن النبي، فحسب الشهرستاني فالخلاف الذي ظهر في آخر زمن النبي شيء من خصماء أول زمانه. وبالتالي يرجع أصل الخلاف إذن إلى الزمن الإسلامي الأول، أي النزاع بين الفرقاء (الأنصار والمهاجرون، قريش وأهل البيت، العشائر والقبائل)، ما يعني أن المذهبية لها تاريخ وأن خوفها من البدعة أسقطها في شراك الطاعة.
المشكل الآخر الذي عزز نشأة المذهبية الإسلامية هو التصنيف، أي طريقة تقسيم المسلمين إلى فرق عبر تعدد مناهج التصنيف التي ظاهرها تصنيف الأفكار وباطنها إبراز الاختلاف، وعلى حسب رؤية الباحث بأن تقسيم المسلمين إلى فرق لم يخضع لضابط ولم يحكمه منهاج ولا على قانون مستقر بل على اجتهاد وتقدير، معتمدين على الحديث النبوي المأثور في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة مما فرض على المذهبين التعمد في تقسيم الفرقة الواحدة أو دمج فرقة في أخرى حتى يتمكن من بلوغ الرقم المذكور من جهة وسعي صاحب المقالة إلى تبيان صواب فرقته وتضليل غيرها حتى يتمكن من جعلها الفرقة الناجية المذكورة في الحديث النبوي من جهة ثانية.هذا التقسيم أدى إلى التعصب والتجريح والتطبيل لأراء الخصوم مما أدى إلى تأجيج الصدام المذهبي بين الفرق وكان نتائج هذا الصدام تخندق كل فريق في تعزيز خصوصيات المذهب من أحكام الحلال والحرام والمعاملات والمال والزواج...الخ.
يقول شيخ أهل السنة والجماعة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري "اختلف الناس بعد نبيهم (صلعم) في أشياء كثيرة ضلل بعضهم بعضاً، وبرئ بعضهم من بعض، فصاروا فرقاً متباينين، وأحزاباً متشتتين" وهذا القول للأشعري يعني أن نشأة المذهبية في الإسلام استندت إلى تضليل الفرق بعضها لبعض أكثر منها إلى اختلاف في الرأي أو تنوع في الموقف أو تعدد في الاجتهاد.
بجانب التصنيف الذي أدى لظهور المذهبية، غير أنه ليس شرطاً كافياً لهذا الظهور. فهناك عوامل أخرى لتعزيز المذهبية أهمها وجود دولة تناصر المذهب وجمهور يتعصب ويطيع المرجع المذهبي.
ينتقل الباحث بعد ذلك إلى ربط المذهبية بالتاريخ حيث يعتقد بأن المذهبية تسعى إلى ترسيخ التقليد وإن غايتها تحقيق الطاعة وذلك من خلال ربطها بتاريخ تقليد الشبهة، منذ شبهات الملة الإسلامية التي نشأت في زمن النبي أو من الشبهات التي صدرت عن منافقي زمن النبي وهي التي يدونها مؤرخو المذهبيات الإسلامية عبر ترسيخهم للشبهات، وبالتالي فهي لم تنبع من أصل الدين وإنما من شبهات الدين، وبالرغم من إقرار المؤرخون هؤلاء بأصل الشبهة غير أنهم يؤرخونها كما لو كانوا يؤرخون للدين.
المؤرخ المذهبي وهو يكتب عن الاختلاف في صفوف المسلمين منذ وفاة الرسول حيث وقع أول خلاف في موت الرسول فزعم قوم منهم أنه لم يمت وإنما أراد الله رفعه إليه كما رفع عيسى بن مريم، ثم اختلفوا في موضع دفن النبي (صلعم) ثم في الإمامة مروراً في الاختلاف في أمر عثمان ثم في شأن الأمام علي وأصحاب الجمل وفي شأن معاوية وأهل صفين، ثم برز الخلاف الفكري بين القدرية فالخوارج والفرقة الناجية.
المؤرخون المذهبيون وهم يسردون الوقائع التاريخية هذه فبدلاً من أن يسعوا إلى فهم صيرورة التاريخ نراهم يلجئون إلى الفصل بين التاريخ الحقيقي والتاريخ المذهبي ويحولون الوقائع التاريخية إلى قضايا أصولية، أي حسب الباحث نقلها من حقيقة التاريخ إلى زيف المذهبية وينقلون الحقائق التاريخية من مجال الخبر إلى مجال الأثر ومن مجال الحقيقة إلى مجال الشبهة.
بل أن هؤلاء المؤرخين يضعون على الخبر التاريخي أحكام الحق والباطل وهذا ما شغلت أذهان فئات واسعة من نخبة وعامة جمهور المسلمين لوقتنا الراهن، فالاختلاف في الإمامة مثلاً بين الاتفاق والاختيار من جهة وبين النص والتعيين من جهة ثانية انتقل خبر البيعة هذا من حقل التاريخ ومجال السياسة إلى فضاء المذهبية، فهو يوقف التاريخ ويعلن نهايته في زمنه الإسلامي الأول، زمن ينفي كل الأزمنة اللاحقة التي تصبح مهمتها ليست الحياة في الحاضر بل التفكير في وقائع الماضي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل