الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولتان للشعبين.. الآن بالذات

رجا زعاترة

2004 / 2 / 26
القضية الفلسطينية


الأوضاع السياسية التي تعصف بعلاقة الجماهير العربية الفلسطينية بدولة اسرائيل وبمؤسساتها منذ أكتوبر 2000، والناتجة جوهريًا عن العدوان الإحتلالي الشرس الذي شنته حكومة براك واستئنفته حكومتي شارون الأولى والثانية على أبناء شعبنا في المناطق المحتلة عام 1967، إنما هي أوضاع مركبة، قد تختلط فيها الأمور وحدها، وقد يسهم في ذلك بعض من يخلطها عمدًا أو سهوًا.

أما نحن، في الحزب الشيوعي والجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة، اللذان قادا الجماهير العربية بخالص المسؤولية، نوعًا وكمًا، على مدار نصف قرنٍ مضي، فلا يمكننا السكوت على هذا الخلط، ولا يمكننا إلا أن نطرح الموقف الفكري السليم وأن نقدم تحليلاً سياسيًا عقلانيًا بما يتوافق ومتطلبات هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ومن علاقة جماهيرنا العربية بالدولة.


لنضع الأمور في سياقها السليم

إن وضعيتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية (وكل ما تريدون إضافته من مُسمَّيات ونعوتات)، هي حصتنا من وضع الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، وقد عبَّر عن ذلك الطيب الذكر القائد توفيق زياد وجدانيًا في قصيدة أناديكم: "فمأساتي التي أحيا نصيبي من مآسيكم"، وكما صاغها المؤرخ والمفكر الماركسي د. إميل توما في وثيقة السادس من حزيران (بُعيد يوم الأرض 1976): "نحن أهل البلاد، ولا وطن لنا غير هذا الوطن"، "لم ننكر، ولا يمكننا أن ننكر حتى لو جوبهنا بالموت نفسه، أصلنا العريق: إننا جزء حي وواعي ونشيط من الشعب العربي الفلسطيني. لم نتنازل ولا يمكن أن نتنازل عن حق هذا الشعب في تقرير مصيره وفي الحرية والإستقلال على ترابه الوطني".

نعم، هذا هو نصُّنا المؤسس، الذي يدعي بعض العابثين في ديارنا غيابه، هذه هي هوية وعصارة كفاح هذا الجزء الصامد الذي تحول من أشلاء شعب مهزوم، ممزق الأوصال، الى جزء حي وواعي ونشيط منه، ولا نرى حاجة آنية الى نصوص جديدة، ليس من باب الجمود أو التقوقع، بل لأن المرحلة التي وضعت فيها هذي النصوص لم تنته بعد، فالشعب العربي الفلسطيني لم يحقق بعد حلمه الوطني الأكبر المتمثل في تقرير مصيره وإقامة دولته وحل قضية لاجئيه حلاً عادلاً، ولأننا - على خلاف المجرورين وراء بشارة المرحلة الجديدة - نرى أن المرحلة ما لبثت مرحلة الإحتلال ونضال كل الشعب الفلسطيني ضده، سواء كان هذا بالنضال التحرري المباشر الذي يقوم به أبناء شعبنا في المناطق المحتلة عام 1967، أو بنضال اللاجئين الفلسطينيين في الشتات أو بالنضال الشعبي الذي تقوم به جماهيرنا العربية من خلال خصوصية وضعنا كمواطنين في اسرائيل، صحيح أن التجربة تقول أننا غير قادرين على صد قرار الحرب لكنها تقول أيضًا أنه لا يمكن إتخاذ قرار واحد نحو التسوية أو حتى مجرد التفاوض دون وزننا السياسي والإنتخابي، وأن هذه المساهمة المدنية التي نقوم بها برلمانيًا وشعبيًا وبالتعاون والشراكة النديين مع القوى التقدمية اليهودية، هي الطريق الأكثر فاعليةً ونجاعةً والأقل مخاطرةً بوجودنا الفعلي على أرض وطننا وبشرعية مواطنتنا التي هي – إن شئنا أم أبينا – آليتنا المباشرة في المشاركة في القرار السياسي الإسرائيلي – رغم التهميش البنيوي – لدفعه نحو الإقرار بحقوق شعبنا العادلة كما تؤكدها قرارات الشرعية الدولية 242 و338 و194 وما ستتمخض عنه محاكمة الجدار الإحتلالي التوسعي في لاهاي.

لذا يبقى الشعار الأول في أهميته، وفي علائقيته، وحتى لناحية التسلسل المنطقي، هو "دولتان للشعبين" الذي رفعناه وناضلناه من أجله منذ عشرات السنين، صحيح أن هذا الشعار لا يجسد العدالة المطلقة لكنه يجسد التسوية الواقعية الوحيدة التي يمكن في إطارها ضمان جزءًا فعليًا من حقوق شعب فلسطين على أرض فلسطين، صحيح أيضًا أن هذا الشعار لم يعد براقًا كما كان قبل أوسلو ومدريد، وأنه لا يتطرق بوضوح الى وضعية الجماهير العربية الفلسطينية داخل اسرائيل، لكنه يرسي قاعدة واضحة نحو بلورتها، فالإعتراف بحق تقرير مصير شعبنا هو اعتراف ضمني بمجرد وجود شعب كهذا، له روابطه التاريخية والجغرافية والروحية والدينية بهذه الرقعة من الأرض، وبديهي أن المواطنين العرب، جماعةً وأفراد، ينتمون الى هذا الشعب وأنهم ذلك الجزء الذي صمد في وطنه رغم النكبة وبعدها، وذاق كل أنواع القهر وقاومها وسجل نضالات مشرفة في صفحات التاريخ.

دولتان للشعبين أولاً وثانيًا وثالثًا

بديهي من ناحية أخرى أيضًا، أن قضايا الجماهير العربية، القومية منها والمدنية، لن تصل الى حل سحري بمجرد التوصل الى تسوية اسرائيلية-  فلسطينية، ولكن هذه التسوية هي التي سترسي الصياغات السياسية والقضائية التي سنرتكز إليها بعد ذلك، عندها ربما يكون طرح شعارات من شاكلة "دولة جميع مواطنيها" شرعيًا كفكرة للنقاش والتداول والتنظير والفلسفة حتى، ففضلاً عن خدمته لأسطورة "الخطر الوجودي" المرضية ولبدعة "خطة المراحل" العنصرية، هذا الشعار المبتور الذي بزغ في العام 1995 ليبشرنا بتحدي يهودية الدولة ثم تمخض عن "النشاطات الإندماجية" والتعايش مع "جوهر يهودي وطابع دمقراطي" أمام لجنة الإنتخابات المركزية في العام 2002، هو أكثر هشاشةً بكثير من أن تعتمده جماهير شعبنا في الداخل، فهذه المقولة الذي كانت أطلقتها شولاميت ألوني ثم طورها المفكر سعيد زيداني قبل أن يسترقها من استرقها، عبارة عن شعار أحادي البعد يتنازل طوعًا ومسبّقًا عن حقنا في الإعتراف الرسمي بكوننا أهل البلاد (مع ضرورة الإشارة على اختلاف هذه الصيغة جذريًا عن تسميات أخرى موضوية كاصطلاح الأقلية الأصلانية " INDIGINOUS PEOPOLE"  المتداولة في حالة الهنود الحمر في الولايات المتحدة وما شابهها) وبحقنا الدمقراطي في بلورة هوية الدولة بما يتوازن مع نسبتنا فيها، مثلاً أن تعرف الدولة نفسها بأنها تعبر عن حق تقرير مصير الشعب اليهودي الإسرائيلي (وليس الأمة اليهودية) وعن حق الجماهير العربية الفلسطينية في وطنها، أو أي تعريف آخر يعبر عن هذا الحق ويضمن ممارسته الفعلية على صعيد الحقوق القومية واليومية.

عندها – أي عند وجود دولة ذات سيادة دون ثكنات أو حواجز أو جدران - حتى شعار يبدو طوبويًا اليوم مثل "دولة واحدة دمقراطية علمانية للشعبين" لن يكون له الإيقاع الإنهزامي الذي يحمله اليوم، فطرح هذا الشعار الآن، في ظل السيطرة والإحتلالية الإسرائيليين لكل أرض فلسطين التاريخية، إنما هو تعبير عن اليأس جراء نجاح حكام اسرائيل في إجهاض قيام الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران، أما طرحه في ظل وجود دولتين وشعبين آمنين فهو أمر مبارك مبدئيًا إذا نضجت الظروف خاصًة إذا طُرح في اتجاه حقوق ومصالح الطبقة العاملة لدى الشعبين، ونتحدى أحدًا أن يكون تواقًا الى هذه المرحلة أكثر منا. ولكن، حتى ذلك الحين، يوجد شعار واحد فقط يضع الأمور في نصابها الصحيح، وهو "دولتان للشعبين".
 
* كاتب وصحافي فلسطيني من مدينة حيفا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام