الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات على الوثيقة الحزبية: الأردن وفلسطين والمشروع الصهيوني

سلامة كيلة

2008 / 11 / 1
القضية الفلسطينية


اطلعت على الوثيقة الحزبية التي أصدرتها حركة اليسار الاجتماعي، والمعنونة بـ "التكوين الوطني للشعب الأردني عملية تاريخية مفتوحة وديمقراطية". وهي تتضمن مستويين، الأول يتعلق بالتكوين الأردني الحديث ونشوء "الكيان الوطني الأردني"، والثاني يتعلق بوضع الفلسطينيين في الأردن والحلول الممكنة لهم. وهي كما تشير تعلن "الخط اليساري" فيما يتعلق "بالانقسام الأردني- الفلسطيني".

المسألة الأساس في كل منطق الوثيقة هي الدفاع عن تبلور "الوطنية الأردنية"، وعن "الشعب الأردني الحديث"، وبالتالي عن الكيان الأردني ككيان تشكل تاريخياً، وتبلور في شعب له سماته الخاصة، دون أن يقول أنه أمة، رغم أن كل هذا التحديد يوصل إلى ذلك. وهذه المسألة تطرح في مواجهة الخوف من "الفلسطنة"، أي "الوطن البديل"، ليجري التمسك بكيانية "ثابتة"، "مستقرة"، ولها تاريخ، من أجل القول بأن القبول بـ "الوطن البديل" هو نفي لشعب آخر، كما نفى المستوطنون الصهاينة "الشعب الفلسطيني".

طبعاً، منذ زمن طويل وموقفي من مسألة "الوطن البديل" واضح، ولقد حاولت التأشير- وبالتالي التنبيه- مراراً إلى أن حل المسألة الفلسطينية هو في الأردن، كما تخطط الدولة الصهيونية. وأن هذا خطر تجب مواجهته لأنه ينهي القضية الفلسطينية كقضية احتلال استيطاني إمبريالي يجب إنهاؤه. كما أنه يؤسس لصراعات دموية تقوم على "الانغلاق التعصبي" تحت مسمى "فلسطيني" و"أردني"، أي وفق هويات متوهمة وموهومة، شبيهة بالحروب الطائفية التي تجري في العراق، وما يُعمل على أن يعمم في كل الوطن العربي.

ولهذا ليست مناقشتي هنا، حيث تجب مواجهة مشروع حل المسألة الفلسطينية في الأردن، كما كانت مواجهة حل المسألة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لأن هذه ليست حلولاً، هي مدى لأوهام تفضي إلى صراعات لا معنى لها سوى خدمة المشروع الصهيوني. مناقشتي تلمس مسألة باتت تتكرر في كل البلدان العربية، حيث مال قطاع من اليساريين أو اليساريين السابقين المتحولين إلى الليبرالية، إلى "تنظير" الدولة القطرية وتحويلها إلى أمة، أو ما يشبه الأمة. وبالتالي إلى اعتبار الدولة المتشكلة، الموجودة راهناً، هي نتاج تطور تاريخي، وهو التطور الذي أوصل إلى تشكل الدولة/ الأمة هذه، وإن لم يجرِ لفظ هذه المسألة بعد سوى من قبل قليلين. فبدل ذلك تشير الوثيقة إلى "الكيان الوطني الأردني"، و"تكوين الشعب الأردني الحديث" الذي تشكّل من صيرورة قتال العشائر نصف الفلاحية نصف البدوية لحملة إبراهيم باشا (1835) "بشراسة تعكس ميلها الاستقلالي المحلي، رافضة الخضوع للحكم المركزي المصري". ومن ثم، بعد ذلك وعلى ضوئه، التنظيم العثماني للإدارة في الإقليم الأردني (1851)، الذي "ساعد العشائر الفلاحية على بسط سيادتها ونمط إنتاجها الخاص في معظم أرجاء البلاد" (أي بلاد؟)، وبالتالي فقد "انتصرت الفلاحة على البداوة، والوحدة على التفتت" .. ليبرز هذا "الكيان الوطني الأردني في الإمارة فالمملكة" (لكنها كانت تضم الضفة الغربية كذلك).
هنا إشارات لبحث سوسيولوجي، لكن هل تعبّر عن مسألة تكوين شعب/أمة؟ وهل كان نشوء الإمارة هو نتاج هذه الصيرورة الاجتماعية بالتحديد، بالحدود التي رسمت لهذا الكيان/الإمارة؟ بمعنى هل أن هذه الصيرورة التي تشير إليها الوثيقة هي التي أفضت إلى تشكل الدولة، التي "تشبه" الأمة؟ أي هل أن حدود التوضّع البشري كانت هي ذاتها حدود الأمارة فالمملكة، رغم أن حدود الأمارة لم تكن هي ذاتها حدود المملكة التي شملت الضفة الغربية كما أشرت للتو؟
لا أريد التفصيل في مسألة "الميل الاستقلالي" الذي لم يكن في كل الأحوال نتاج شعور قومي (كما يوحي النص)، بل أحياناً نتاج تخلف البنى ورفضها الحداثة (الانغلاق الريفي في الغالب، أو التمرد البدوي كذلك). ولا حول العشائر التي تشير إليها، والتي هي في ترابط مع عشائر المنطقة المحيطة، وليست متميزة عنها (ليست من جنس آخر). وكان استقرارها بعد الإندياح القبلي الذي شهدته المنطقة في القرنين السادس عشر والسابع عشر، والصراع القبلي (القيسي- اليمني) الذي استحكم في هذه المنطقة وقتئذ. ولا في إندياح القبائل المسيحية من حوران جنوباً إلى الأردن وفلسطين، وعودة إلى لبنان (هل نسيت الوثيقة، ما دامت اهتمت بالمخيال الأدبي، اعتراف عرار بأنه لازال على علاته اربدي اللون حوراني). لكن هل يمكن الحديث عن تبلور شعب بهذه السهولة؟ ما معنى شعب؟
إن ما تعتمد عليه الوثيقة هو ميول استقرار بدوي في مناطق معينة، ولقد حدثت في التاريخ عمليات استقرار مناطقية عديدة، ونشأت تجمعات معينة، لكن هل تشكل كل هذه شعباً لأنها استقرت فقط؟ ما علاقة ذلك بالصيرورة التاريخية واللغة والثقافة والتكوين؟
في إشاراتها السوسيولوجية ربما توضح الوثيقة مسألة استقرار العشائر البدوية وبدء تشكل مجتمع فلاحي، لكن هذا مستوى سوسيولوجي لا يؤكد تشكل شعب، ولا دولة/ أمة، لأن كل المجتمعات في مرحلة التوضع البدوي والتشكل الفلاحي بدأت هكذا، أي على شكل تجمعات استقرار منفصلة ما دون قومية، قبل أن تتبلور في أمم. لكن هذا الاستقرار الأولي لم يتحول إلى أمة، بل جاء في سياق تشكل تاريخي أفضى فيما بعد إلى تشكل الأمة عبر تبلور حدود الاستقرار البشري واللغة والثقافة. ولهذا البحث سياق آخر غير البحث السوسيولوجي الذي تتناوله الوثيقة. فهنا حينما نشير إلى الشعب يجب أن نلمس مسائل اللغة والثقافة، و..ألخ، كل الأسس التي هي مظهر تشكل الأمم، وبالتالي ننتقل إلى مستوى آخر، مستوى التميز عبر الاختلاف في اللغة والثقافة بالأساس، المتشكلة في إطار تاريخي (ولكي لا أعتبر ذو ميل مثالي أضيف، تحقق كل ذلك انطلاقاً من التطور الاقتصادي الاجتماعي عبر هذه الصيرورة). وهي نظرة انثروبولوجية ثقافية تاريخية تمييزاً لها عن النظرة السوسيولوجية رغم الترابط الممكن والضروري بينهما. وفي هذا الوضع لا يمكن فصل الأردن عن فلسطين عن بلاد الشام والعراق ومصر وبقية الوطن العربي، لأن عملية التبلور شملت كل هذه المنطقة عبر صيرورة تاريخية طويلة جداً.
وهنا بماذا يختلف "الأردني" عن "الفلسطيني"، أو "الشامي" أو "المصري" ....ألخ من حيث اللغة والثقافة؟ على الأقل في هذه المنطقة (بلاد الشام، وخصوصاً الأردن وفلسطين) لازالت علاقات القرابة واضحة، حيث توضعت القبائل هنا وهناك منذ زمن قريب. وإشارات الوثيقة إلى استقرار العشائر هو على إثر هذه التوضعات الجديدة ولا علاقة لها بالتاريخ الأقدم.
على ضوء ذلك فإن المسألة هي ليست مسألة الحلول الممكنة للفلسطينيين في الأردن، أي العودة أو الاندماج، المسألة هي مسألة وجود الاحتلال والسيطرة الصهيونية التي تهدد الأردن كما هددت فلسطين، وتهدد كل المنطقة. وبالتالي ليس الحل في الأردن في موافقة الفلسطينيين أو عدم موافقتهم، بل الحل يتحدد في كيفية مواجهة المشروع الصهيوني، الذي بات يهدد الأردن ويطرح مسألة "الوطن البديل"، وسيمعن في التدخل في الوضع الأردني في المرحلة القادمة.
لنعود إلى البديهيات: إن طبيعة تشكل الدولة الصهيونية تشير إلى أنها لم تكن من أجل حل مشكلة اليهود في أوروبا أو العالم، بل كانت في سياق مشروع سيطرة على الوطن العربي تسعى إليه الدول الإمبريالية. لهذا ترابط الإقرار بإقامتها (وعد بلفور) بالتقسيم الاستعماري (سايكس/ بيكو)، بقرار إمبريالي يهدف إلى إحكام السيطرة على المنطقة ومنع التطور فيها، عبر تكريس البنى المتخلفة، على أن تلعب الدولة الصهيونية دور القاعدة العسكرية في مواجهة كل ميول تقدمية.
وهنا فإن الأردن مستهدف، ليس لأن الدولة الصهيونية تريده كـ "وطن بديل"، فهذا ضمن الإستراتيجية الصهيونية هو عنصر تفجير أكثر منه حلّ. وبالتالي فإذا كان الفلسطينيون قد استهدفوا سنة 48 و67 فإن الأردن بات مستهدفاً الآن. إن الفكرة العامة عن الدور الصهيوني ضد الوطن العربي تتحدد الآن في ما يمكن أن يستهدف الأردن. لهذا أتمنى ألا نضيع في حوارات (ثم قتالات) حول الوطن البديل، ومن هو الأردني، ومن هو الفلسطيني؟ فنحن عرب مستهدفون، وإن كان الاستهداف اليوم يمكن أن يكون في "الدولة الأردنية"، وربما غداً في سورية أو مصر.
وهذا أساس لأن تصبح قضية "السكان" في الأردن هي قضية واحدة ضد المشروع الصهيوني، كما هي واحدة على المستوى الطبقي لدى الطبقات الشعبية ضد الليبرالية. وخصوصاً أن الليبرالية ذاتها تتكيف مع المشروع الصهيوني وتتوافق معه. وهي جزء من الرأسماليات العربية التابعة التي تعمل ضمن إطار المشروع الإمبريالي.
بعد ذلك، أي بعد هزيمة المشروع الصهيوني يعاد تموضع الفلسطينيين وفق ما يرغب كل منهم. وبالأساس تعاد صياغة كل المنطقة على أسس جديدة. رغم أن أوضاع فلسطينيين كثر بحاجة إلى حلول، وبالتالي إلى نضال في الأردن، وهي ما تشير الوثيقة إليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الهولندية تعتدي على نساء ورجال أثناء دعمهم غزة في لاه


.. بسبب سقوط شظايا على المبنى.. جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ت




.. وزارة الصحة في غزة: ما تبقى من مستشفيات ومحطات أوكسجين سيتوق


.. مسلمو بريطانيا.. هل يؤثرون على الانتخابات العامة في البلاد؟




.. رئيس وزراء فرنسا: أقصى اليمين على أبواب السلطة ولم يحدث في د