الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة الواحدة

بلكميمي محمد

2008 / 11 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


ان المجتمع المغربي الحديث العهد بالاستقلال أي الخارج للتو من احشاء الاستعمار الكولونيالي لم يكن في شموليته مجتمعا مدنيا ، بل كان منقسما على نفسه الى مجتمعين : مجتمع مدني .. و مجتمع ماقبل مدني .. أي مجتمع طبقي بورجوازي حديث ، ومجتمع ماقبل طبقي بورجوازي قديم .
ان نزوع المجتمع المدني الحديث هو التطور ، لكن تطوره مستحيل ، بدون تقهقر وتراجع المجتمع ماقبل المدني القديم ، فالاول لايمكن ان يتطور الا على حساب الثاني . وهذا شيء طبيعي تماما . فالمجتمع المدني بوصفه حاملا ، لنمط انتاج وعلاقات انتاج وقيم ، من طراز جديد ، فهو بالتالي لايخلق كل ذلك من العدم .
بل يعمل فقط على تحويل القديم الى الجديد ، ولذلك فان المجتمع الماقبل المدني ، الذي هو بمثابة النفي والتجاوز للاول . فالعمال المأجورون مثلا ، الذين هم عماد المجتمع المدني الجديد ، لم يخلقهم هذا الأخير من بطنه . بل هم نفس الفلاحين الذين كانوا عماد المجتمع الماقبل مدني القديم ، أي ان كل ماحصل ، هو تحول العمل من شكله الماقبل راسمالي العتيق ، الى الشكل الراسمالي الحديث .
كذلك فان الملكية البورجوازية ، في اصلها ، هي مجرد انتقال شكل قديم للملكية الى شكل جديد .
واذن .. لان المجتمع المدني المغربي ، لايمكنه ان يعيش ويتطور ، الا على حساب تقهقر وفناء المجتمع الماقبل مدني المغربي ، فلذلك فان العلاقة بينهما هي علاقة صراع وجود . اما بعض الاقتصاديين الاوربيين والمغاربة على السواء ، الذين طالما روجوا للاطروحة القائلة ، باستقلالية وتعايش الزراعة العصرية الراسمالية مع الزراعة التقليدية ، فهذا محض خرافة ايديولوجية لاعلاقة لها بالعلم .
ان المجتمع المدني المغربي ، الخارج من احشاء العهد الكولونيالي ، والمرتكز على الانتاج البضائعي والراسمالي ، لم يكن مطروحا امامه في تلك الشروط سوى طريقا واحدا : طريق التطور الراسمالي .
لكن هذا الطريق الواحد ، كان يحمل موضوعيا شكلين متعارضين لنمط الانتاج الراسمالي : شكل راديكالي وشكل اصلاحي .
ان الشكل الراديكالي كان يعني ، تفكيك الملكية الاقطاعية ، والاستيلاء الفوري على اراضي المعمرين الاوربيين ، ثم توزيع الملكية العقارية على جماهير الفلاحين ، في افق تجميعهم في تعاونيات عن طريق الاقناع والتجربة .
هذا الشكل الراسمالي الراديكالي ، كان سنده الطبقي هو الطبقة الوسطى المغربية ، المتحالفة مع الطبقة العاملة .
اما الشكل الراسمالي الاصلاحي ، فكان يعني من جهة الحفاظ على الملكية العقارية الكبرى ، مع اعادة هيكلتها على اسس راسمالية . ومن جهة اخرى تفويت اراضي المعمرين الاوربيين الى الملاكين العقاريين الكبار المغاربة.
وهذا الشكل الاصلاحي ، كان سنده الطبقي هو الملاكون العقاريون الكبار ، المتحالفون مع البورجوازية المغربية الكبرى .
بالطبع كان لكل شكل من الشكلين المتعارضين ، مواقفه المتعارضة ايضا ، اتجاه الراسمال الامبريالي العالمي ( والفرنسي خاصة ) ، لكن هذا لايعني ابدا ، كما دابت العديد من الاوساط في صفوف الحركة التقدمية المغربية على القول ، بان الشكل الراديكالي كان يستهدف القضاء على التبعية ، فهذا خطأ ، وبكل بساطة لم يكن موضوعيا في مقدوره تحقيق ذلك الهدف . لان جوهر التبعية بالنسبة للبلدان المتخلفة ، يكمن في حد ذاته ، في البنية التحتية الراسمالية الموروثة عن المرحلة الكولونيالية ، وفي امتدادها السياسي الذي هو جهاز الدولة ، الموروث ايضا عن العهد الاستعماري.
من هنا لم يكن التعارض بين جوهرين ، جوهر راسمالي ، بل بين شكلين لجوهر واحد هو الجوهر الراسمالي الموروث ، فبينما كان الشكل الاصلاحي ، يريد تطوير الراسمالية المغربية على قاعدة التبعية ، كان الشكل الراديكالي يسعى الى تطويرها ، على قاعدة الحد من التبغعية الى الحدود القصوى الممكن ان يتحملها نظام راسمالي كمظام راسمالي في بلد متخلف .
وفي تلك الشروط التاريخية المتولدة عن الاستقلال .. شروط غياب الطبقة العاملة المغربية ، المنظمة والمستقلة ايديولوجيا وسياسيا ، كان اقصى ما يمكن ان يطرحه المجتمع المغربي موضوعيا ، هو المشروع الراسمالي الراديكالي ، من هنا ثوريته التاريخية .
هي المرحلة التاريخية التي اعقبت مباشرة استقلال المغرب ، كانت الطبقتان الرئيسيتان الممثلتان للشكلين الرأسماليين المتعارضين ، وهما الطبقة الوسطى ممثلة الشكل الراديكالي ، والملاكون العقاريون ممثلو الشكل الاصلاحي ... كانتا تتمتعان بتوازن طبقي ، كنتيجة لنضالهما المشترك ضمن الحركة الوطنية المعادية للوجود الكولونيالي .
ان هذا التوازن الطبقي قد انعكس سياسيا على جهاز الدولة في شكل توازن سياسي . لذلك يمكن القول : في هذه المرحلة ، كانت الدولة السياسية محايدة بين الطرفين . وهذا مايفسر واقع الحريات السياسية والنقابية التي كانت تتمتع بها الجماهير ، وجرأة اقطاب الحركة التقدمية على توجيه النقد اللاذع للنظام ، وتمكن القوى التقدمية من تشكيل حكومة خاصة بها ذات برنامج اقتصادي جريء .
لكن الدولة السياسية المحايدة ، هي بالطبيعة ، دولة انتقالية غير قارة . فالتعارض بين الشكل الراديكالي للمشروع الراسمالي ، والشكل الاصلاحي ، هو تعارض عميق يقوم على تناقض عدائي .
اذ يستحيل تطبيق المشروع الراديكالي ، بدون تفكيك وتدمير الملكية الاقطاعية ، وبين الاستيلاء الفوري على اراضي المعمرين الاجانب ، وبدون توزيع الاراضي المنتزعة من الاقطاع المغربي والراسمال الفرنسي على جماهير الفلاحين المتعطشين للارض .
كما يستحيل تطبيق المشروع الاصلاحي ، بدون الحفاظ على الملكية الاقطاعية واعادة هيكلتها على اسس راسمالية ، وبدون تفويت الجزء الاعظم من اراضي المعمرين الاجانب الى الملاكين العقاريين الكبار المغاربة ، وبدون بالتالي حرمان جماهير الفلاحين من الارض .
ان هذا الصراع الطبقي الدائر فوق الارض وحول الارض ، لايمكنه الا ان ينعكس سياسيا فوق جهاز الدولة ، الذي يتحتم عليه الخروج من حياده ، للانحياز بشكل صريح الى احد الطرفين المتصارعين .
لقد كان ذلك الصراع في حاجة الى حسم ، اما في هذا الاتجاه او ذاك ، ولقد تم حسمه لصالح الملاكين العقاريين الكبار ، والبورجوازية الكبرى ، ومن ورائهما الراسمال العالمي والفرنسي خاصة .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : شهادة طبيب • فرانس 24 / FRANCE 24


.. -يوروفيجن- في قلب التجاذبات حول غزة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الذكاء الاصطناعي يفتح جولة جديدة في الحرب التجارية بين بكين


.. إسرائيل نفذت عمليات عسكرية في كل قطاع غزة من الشمال وصولا إل




.. عرض عسكري في موسكو بمناسبة الذكرى الـ79 للانتصار على ألمانيا