الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن - أدب المنفى- وليس الخارج !

جمعة الحلفي

2004 / 2 / 26
الادب والفن


علاقة الكتابة بالمنفى علاقة جدلية تتيح للمبدع الحقيقي فرصة كتابة جديدة، فالمنفى يأخذ من الكاتب بعضاً من تماسه الحسي مع حياة شعبه ومن أجواء بيئته المحلية ومن مفردات حياته اليومية، لكنه يعطيه، في المقابل، هامش الحرية الذي يفتقده، وفرصة الإطلاع والتجريب ومستجدات المكان، مثلما يعطيه قارئاً جديداً بتكوينه المختلف ثقافياً واجتماعياً وذوقياً.
من هنا تتبدى جدلية علاقة الكاتب بالمنفى بوصفها فرصة كتابة جديدة يمكن للكاتب أن يوظفها في صالح كتابته إذا ما استطاع تمثل المتغيرات والمعطيات الروحية والثقافية وإعادة إنتاجها إبداعياً.  ولأن الأمر كذلك فإن تجليات المنفى في الكتابة الإبداعية، تختلف من كاتب إلى آخر، فالشعور بالغربة أو بالفقدان، وهو التعبير الأول لحياة المنفى، يمكن أن يجذر الكتابة ويعمّق إبعادها الروحية والنفسية، لدى كاتب يسكنه ذلك الشعور، أصلاً، بوصفه باعث ومحرض على التعبير والإبداع.  لكن هذا الشعور قد يتحول، لدى كاتب آخر، إلى مكوّن  لحالة فصام نفسية تحوّل الكتابة، تالياً، إلى عملية اجترار وإعادة إنتاج لخزين الذكريات والإشـارات الراكدة فـي دواخل النفس، الأمر الذي سيضع موهبة الكاتب على حافة النضوب، لأن الذاكرة يمكن ان تهترىء إذا ما انقطعت عن التواصل مع الجديد من تجليات ومعطيات الحاضر.  ولهذا هناك عدد من الكتاب العراقيين المهمين، أو الموهوبين، في أقل تقدير، توقفوا تماماً عن الكتابة في المنفى، والتوقف عن الكتابة هنا سيبدو، في صورة من صوره، تعبير عن توقف صلة الكاتب بوطنه وبيئته المحلية، وتجلياتها الروحية والثقافية، من جانب، مثلما هو تعبير عن عجز الكاتب عن استيعاب وهضم وإعادة إنتاج حاضر المنفى وتجلياته الخاصة، من جانب آخر.  والى عوامل وبواعث كثيرة أخرى، حياتية ونفسية، قد تلعب هنا وهناك في تعطيل وكبت حالة التعبير الإبداعي، إلا أن ثراء الموهبة وغنى التجربة الحياتية، وهما عدة عدد كبير من الكتاب والمبدعين العراقيين، كانا عاملاً جوهرياً في دوام واتقاد العملية الإبداعية وتطورها  في مختلف الظروف والأحوال.
وفي مثالنا (العراقي) حيث الثقافة، التي كانت سائدة في ظل النظام السابق، لم تفرز، أو تراكم شيئاً مهماً على صعيد الإبداع الأدبي، ولا تلك التي تحت السطح، في القاع أو في الزوايا الخلفية، كانت قادرة على الإنتاج الحر والمساهمة في رفد ذلك الكائن، الذي كان ينمو خارج نطاق المكان وسطوته، وبعيداً عن مخالب السلطة، لهذا فقد كان لأدب المنفى (وليس أدب الخارج كما يشاء البعض) دوراً حيوياً وضرورياً في إعادة تركيب المشهد الثقافي ـ الإبداعي العراقي ولملمة شظاياه فكرياً وأدبيا وفنياً، إنتاجاً ونشراً وعرضاً، وهو ما كرس، خلال العقدين الماضيين خاصة، تراكماً إبداعياً خلاقاً كان من شأنه إعادة الاعتبار لدور الثقافة العراقية ومكانتها المرموقة في الثقافة العربية والعالمية. ولو كان هناك من يعنيه الأمر، حفظاً وتوثيقاً، فرداً كان أم مؤسسة، لكان تحت أيدينا اليوم ما يوفر البرهان على القول الفصل في أن ما أنتج من إبداع شعري وقصصي وروائي وفني، في منفى الثقافة العراقية خلال هذين العقدين، إنما يوازي في قيمته الإبداعية وحجمه وتنوعه، ما يمكن ان ينتجه شعب مستقر وآمن، وليس جمهرة مثقفين ومبدعين يتناثرون المنافي والشتات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في