الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقيقة الأقليات والمزايدات الجارية؟

أحمد العبيدي

2008 / 11 / 4
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


منذ قيام الدولة العراقية الحديثة في بدايات القرن الماضي كانت هناك مكونات معروفة في الدولة التي تكونت من العرب والأكراد وأقلية صغيرة من التركمان من الناحية العرقية والقومية، أما من ناحية الأديان فهناك المسيحيون والصابئة المنادئيون واليزيدية التي كانت تعتبر حتى قبيل احتلال العراق وسقوط النظام بعدة سنوات واحدة من الفرق الإسلامية ذات الاصول العربية الاموية حسبما كان يؤكد الكثير من مؤرخي تلك الحقبة من تاريخ العراق، حيث تعتبرهم هذه القوى أي القوميين العرب المتشددين سواء في حزب البعث أو غيره من الحركات القومية العربية الأخرى، تعتبرهم عربا مستكردين.
وليس هناك أدنى شك في وجود هذه المكونات العرقية والدينية رغم ما حصل ويحصل اليوم من تشويه للحقائق وتصنيع مكونات جديدة على أسس لا يعرفها إلا الراسخون في أهدافها وأسرارها والغرض منها، كما يحصل الآن في تحويل كثير من العشائر الكردية أو العربية إلى قوميات وشعوب، وليس ادعاء بعض تجار الأقليات من المزايدين على حقوق الإنسان في إن الهورمانيين في السليمانية والشبك واليزيديون في الموصل ودهوك وربما الشروك والمعدان في الناصرية والعمارة، قوميات وشعوب وكونهم أعراقا لا صلة لها بالعرب أو الكرد إلا دليل على هذا التشرذم والتشتت، والمزايدات التجارية والسياسية ذات الأهداف الشخصية التي ترتبط بمجموعة من الأشخاص دخلوا العملية السياسية من منافذ مشبوهة، فمنذ سقوط النظام السابق واحتلال العراق من قبل القوات الأمريكية ومن حالفها، بدأت ظاهرة تصنيع الأقليات والقوميات تحت ذريعة حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية.
ومما سهل هذه المزايدات التجارية في عملياتهم لشرذمة وتشتيت المجتمعات العراقية هي قوات الاحتلال والكثير من الأحزاب السياسية المتناحرة فيما بينها على السلطة ومناطق النفوذ، بالتعاون مع بعض مخابرات دول الجوار ذات العلاقة المباشرة بالملف العراقي أو بوضعها الداخلي وتخوفها من نجاح التجربة العراقية وتعميمها أو انتقال شظاياها إليها.
وإلا كيف لنا أن نفهم تحول الشبك مثلا وهم مجموعة عشائر ذات أصول وولاءات متباينة بين العرب والأكراد وبين السنة والشيعة، إلى قومية مستقلة يحاول مدعيها خلق الكراهية المذهبية والفتنة الطائفية ومعاداة الكرد والعرب السنة، وهي أي هذه العشيرة ضاقت مرارة الترحيل والتهجير لكونها من القومية الكردية وقطع جذورها من الموصل وإبعادها إلى منطقة حرير في شمال العراق أو تصحيح القومية من الكردية إلى العربية، وكذا الحال مع اليزيدية ذات الأصول المزدوجة بين العرب والأكراد، حيث يدعي القسم الأكبر منهم بالأصول الكردية ويدعم ذلك تاريخهم ولغتهم وديانتهم، بينما يرى الآخرون وجلهم من بيت الإمارة بأنهم من بني أمية العربية، ورغم ذلك طلع علينا بعد احتلال العراق من يريد تحويلهم إلى قومية بل إلى أمة وارض وربما دولة؟
إن ما يجري اليوم من مزايدات على تخصيص مقاعد لليزيدية والمسيحية والشبك، إنما هو تجني على حقيقة التكوين العراقي وقوانين الانتخابات وعملية تفضيل لا مبرر لها على حساب المواطن العادي وسياقات العملية الانتخابية التي تعتمد عدد السكان والاستحقاقات السكانية على الأرض، فاليزيدية يشكلون أكثر من ثلاثمائة ألف نسمة في كل من سنجار والشيخان رغم ادعاء البعض بأنهم يتجاوزون النصف مليون نسمة، وتتيح لهم نسبة الناخبين أن يكون لهم ممثلين في كل من مجلس المحافظة ومجلس النواب، فلماذا إذن المطالبة بحصة مقررة في القانون بصرف النظر عن حصتهم المستحقة عبر صناديق الانتخابات؟ إلا إذا كانوا يرغبون في الاستحواذ على مقاعد باسم الانتماء القومي تارة والديني تارة أخرى؟
وكذا الحال مع الشبك وهم أكثر من مائة ألف نسمة في الموصل وأطرافها ( ويعتقد البعض أيضا دونما أساس وثائقي إن عددهم يتجاوز الربع مليون نسمة ) ولهم استحقاقاتهم الانتخابية من خلال عدد الناخبين لديهم سواء كونهم كردا أو شيعة أو قومية مستقلة كما يذهب البعض منهم، فلماذا أيضا هذا الإصرار على حجز مقعد باسمهم في مجلس المحافظة أو مجلس النواب، إلا إذا كان هناك مخطط طائفي مذهبي الغرض منه تمزيق نسيج الموصل والمجتمعات العراقية عموما.
كان من الأولى بهؤلاء الذين يزايدون على هذه العشائر أو الأديان البحث والعمل من أجل ضمانات دستورية للحفاظ عليها من الانقراض أو عمليات التكفير والتهجير القسري تحت طائلة الدين أو المذهب أو الانتماء القومي، وليس الوقوع في فخ التشرذم والمحاصصة التي أنهكت العراق وستنهكه لأجيال قادمة، بل إن الإقرار بتحويلهم إلى أقليات هو استهانة بحجمهم واستحقاقهم الانتخابي.
إن الدول التي سبقتنا في تجربتها الديمقراطية عملت على الاهتمام بتشريع قوانين وعهود للحفاظ على المكونات الآيلة للانقراض والتي لا يرتقي عددها إلى مجموع ما يؤهل المرشح للوصول إلى مجلس النواب أو المقاطعة أو الولاية مثل ما لدينا هنا في العراق في عدد الصابئة المندائيين الذين لا يرتقي عدد ناخبيهم إلى ما يؤهلهم للوصول إلى مقاعد المجالس النيابية فيفضل صياغة قانون يضمن لهم مقعدا في هذه المجالس بصرف النظر عن عدد ناخبيهم الذي لا يوصلهم إلى تلك المقاعد ( عددهم إجمالا لا يتجاوز عشرين ألف نسمة )، لا أن نصدر قوانين أو تعليمات تمنح مئات الآلاف من السكان مقاعد بصرف النظر عن عددهم إضافة إلى استحقاقاتهم الانتخابية على خلفية عدد الناخبين لكل مقعد.
إن العراق اليوم أحوج ما يكون إلى التوحد والانسجام وإشاعة التسامح والمواطنة والعمل بجدية ومثابرة من اجل عهود وضمانات وقوانين دستورية تضمن فعلا حق العبادة والمعتقد والتفكير والرأي واحترام أصحابها، وحماية المكونات الصغيرة جدا في عدد نفوسها والعمل على تطويرها والمحافظة عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا تحظى سيارة بيك أب بشعبية كبيرة؟ | عالم السرعة


.. -بقنابل أمريكية تزن 2000 رطل-.. شاهد كيف علق حسام زملط على ت




.. عودة مرتقبة لمقتدى الصدر إلى المشهد السياسي| #الظهيرة


.. تقارير عن خطة لإدارة إسرائيلية مدنية لقطاع غزة لمدة قد تصل إ




.. قذائف تطلق من الطائرات المروحية الإسرائيلية على شمال غزة