الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جبران خليل جبران .... ج / 2

حسن جميل الحريس

2008 / 11 / 6
الادب والفن


لاحظنا مما سبق أن الأخلاق ركن هام من أركان العقائد السماوية المقدسة وهي كائنة بشكلها الفطري ضمن ذات الفرد نفسه ، بينما وجدنا العادات مواد دخيلة على ذات الفرد وليست نابعة من ذاته ، وعلى هذه الصورة النقية خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان على فطرته ، ولا يمكن لأحدكم أن يصف أخلاق طفل وليد أنه يتمتع بالغدر والكذب والمراوغة والسرقة والشهوة والجريمة وماشابه هذا لأنه في الأصل تم تخليقه وفي جعبة ذاته الفردية أخلاق البراءة والصدق والسكينة والصفاء وماشابه هذا ، من هنا نستطيع أن نحدد جهة مسار المسلكين معاً ، إذ نرى مسار الأخلاق يتوجه من داخل الفرد لينتشر نحو محيطه الخارجي على هيئة انبعاث نور حقيقي يدل على عذرية أخلاقه الطيبة ، بينما نرى مسار العادات التي اكتسبها قد توجهت من محيطه الخارجي لتستقر في حنايا ذاته ، مما يجعلنا نؤمن بأن الوليد سيتعرض لقوتين مؤثرتين لهما مسارين متعاكسين تماماً ، من هذا نكتشف وجهاً آخر لمسألة ( أبواه يهوّداه أو ينصراه ) بعدما نسقط تلك المأثرة البليغة على التمايز الحقيقي بين الأخلاق والعادات ، فمن استطاع أن يوافق بين كنز أخلاقه ومصرف عاداته عاش هانئاً بظل شجرة طيبة أنشأ جذرها من أخلاقه الحسنة ورعى ساقها وأوراقها من عاداته الحميدة التي اكتسبها من محيطه مما سيجعله ذواقاً للذة ثمارها بطمأنينة لا متناهية ، ومن لم يستطع أن يوافق بينهما سيحيا حياة غير مستحبة وربما تكون بأسرها حياة عصيبة وعاقرة ، إن وجوه الإختلاف بين الأخلاق والعادات كثيرة جداً وقد لا نستطيع إحرازها كلها ، ولكننا سنكتفي بعرض بعضها بمثالنا التالي :
- هنالك من اعتاد على احتساء القهوة بشكل مفرط ، وآخر اعتاد على شرب الشاي كذلك ، وأحدهم اعتاد على تناول اللحوم بشراهة مفزعة ، وآخرون يتناولون النبات فقط ، وبعضهم اعتادوا على الكسل والتواكل ومقارعة الخمرة والزنى والرشوة والفساد وحب التسلط وممارسة السلطة ، بينما آخرين اعتادوا على سلب أموال الناس والقتل والجريمة المنظمة !!!!!! فهل ولدتهم أمهاتهم كذلك ؟؟؟ وهل تم تخليقهم على تلك النقائص كفطرة ؟؟؟ بالطبع لا ... ولا أحد يستطيع أن يؤكد أنهم ولدوا كذلك !!! إذاً من أين لهم هذا وعلى ماذا حصلوا حتى أصبحوا بمثل ذلك ؟؟؟ لقد نهلوا من محيطهم أفكاراً مادية ماكرة جعلتهم على ماهم عليه ليصبحوا على هيئة دواب نفقت بصائرها الجانحة ، وقد يتبادر لذهن أحدنا سؤالاً (( لماذا تم تزويدهم بأفكار مخادعة ولم يورثوا من محيطهم أخلاقاً طيبة ؟!! )) وجوابه بسيط جداً وهو أن أخلاق الإنسان تتخلق مع روحه الفطرية وأن مسار أخلاقه محدد الوجهة ينطلق من باطنه الذاتي نحو محيطه ولا يمكن أن يكون إلا هكذا ، إذاً من المسؤول عن تنمية أخلاق الوليد وتوجيهها نحو غايتها الطيبة ؟؟؟ ومن المسؤول عن عاداته التي اكتسبها ؟؟ أبواه طبعاً ... فإذا كانا ممن تفكر وتبصر نال ولدهما حظه السعيد منهما أما لو كانا كدابتين ليس إلا فسيكون هو كدابة حرناء تستأنس بروثها وتحنق على ظلها ، نكتشف مما سبق أن معتقد الوليد سيكون من معتقد أبويه وأن أخلاقه الفطرية ذات طبيعة روحية بحتة بينما عاداته التي سيكتسبها من والديه ذات طبيعة مادية صرفة ، ومن هذه الأيديولوجية تنسل أفكار العقائد المادية الصنعية لداخل ذات الأسرة بشكل غامض ومخادع من أجل تذويبها كي تصبح كصفحات بيضاء يسهل الكتابة عليها مجدداً ، من هنا تظهر أيديولوجية عبارتهم التالية (( المحبة في الله والله في المحبة )) !!!!! لاحظوا أن مقولتهم هذه محبوكة بدقة فائقة ، إنهما عبارتان مدمجتان بعبارة واحدة فضلاً عن تنافرهما في المكانة والنتيجة معاً ، لنأخذ العبارة الأولى (( المحبة في الله )) ولندقق في طبيعتها ، سنلاحظ بأنها عبارة ذات طبيعة روحية صرفة لأنها جعلت المحبة كمادة من المواد التي خلقها الله الخالق وكجزء مملوك بيد ( للكل ) وهذا بديهي بمجمل العقائد السماوية المنزلة لأن كل ما هو موجود بالكون هو مخلوق أبدعه الله سبحانه ، بينما لو أخذنا العبارة الثانية (( والله في المحبة )) لوجدناها غير صحيحة إطلاقاً لأنها جعلت مرتبة ( الكل ) بمقام جزء واحد كأحد الأجزاء المكوّنة للجزء الذي هو في الأصل تابع ( للكل ) !!! ولهذا فالعبارة الثانية ذات طبيعة مادية صرفة لأنها انتهكت مكانة الله وجعلته بمقام جزء مادي كأحد الأجزاء المكوّنة لمادة المحبة ، بينما الصحيح أن المحبة مثلها كسائر المخلوقات التي خلقها الله سبحانه ، أما وأن تأتي العبارة الثانية وتقول ( أن الله مخلوق من مخلوقات المحبة فهذا مالايستطيع أحد أن يرسم في مخيلته صورة ذهنية واعية متوافقة !!! ) ، ولكي تتضح صورة عبارتهم الفاشلة دعونا نضرب عليها مثالاً بسيطاً تقبل به أذهان البشر :
- لوأدخلنا في العبارة الأولى مفهومهم المادي لصارت هكذا (( إن باب المحبة في بيت الله )) ، عندها يستطيع الذهن البشري أن يرسم بمخيلته صورة ذهنية هي أقرب إلى حقيقة الواقع الملموس لأنه من الطبيعي أن ننسب (( الباب ليكون جزءاً كأحد الأجزاء التابعة للبيت )) ولهذا نجد أن العبارة الأولى لها مسلك وحيد ذو وجهة سهلة ، بينما لو أنزلنا ذات المنهاج على العبارة الثانية لصارت العبارة هكذا (( وبيت الله في باب المحبة )) !!! وهنا نكتشف الغموض المدمج بحنكة لا متناهية !!! لأن العبارة الثانية ستضعنا أمام مسلكين غامضين تماماً ولانعرف كيف سنختار أحدهما ؟؟ أما المسلك الأول فهو >>> أن العبارة الثانية أرادت أن تقول لنا (( أنك إذا أردت أن تحيا في بيت المحبة فما عليك إلا أن تدخل من باب الله وتتبع سبيله )) وهذا صحيح لو أن العبارة أشارت إلى ماهية القائم على الباب الذي أرشدتنا إليه بأنه باب الله ، ولكنها عمدت أن تخفي عنا هذا كي تصبح عبارتها دسيسة غامضة يسهل عليها خداعنا ، فقد أغفلت عنا توصيف القائم على الباب وماهيته ، ولا أظنها ستقول لنا بأن ماهية القائم على الباب هو واحد أحد لا شريك له !!! لأنها لوقصدت هذا لأسقطت عن نفسها معتقداتها ، إنما أردت منا أن نردد عبارتها تلك لنغدو كبهبهانات نقرّ بها بشكل عفوي أن لله شركاء كآلهة مثله ، مما يجعل هذا الإحتمال مرفوض لديهم ولدينا معاً لأن مسألة وحدانية الله سبحانه هي من أهم الإختلافات الجوهرية القائمة بيننا ، ولهذا لن يرقى المسلك الأول ليكون بمثابة فلسفة أو فكر حول المحبة ذاتها بل سيكون خديعة ماكرة !!! وكلما شعر أحدهم أن فلسفته وفكره قد وصلتا لطريق مسدود استنجد بأيديولوجية ( المحبة ) الماكرة الغامضة !!! وهكذا سنرى كيف استنجد بها جبران عندما أراد أن يضع نهاية درامية كعظة عامة لقصة السيدة وردة !!! وأما المسلك الثاني الذي طرحته العبارة الثانية سيكون على شكل أيديولوجية ( اجمع ماهو مبعثر) ، وهو مبدأ رمزي يرمز إلى إدخال البشرية ببرامج تأويل الأقوال المتناقضة ثم الإيمان بها كي تتشتت وتذوب ذاتياً ، إذ لا يمكن للذهن البشري أن يتخيل أن البيت صار بمكانة جزء كأحد الأجزاء المؤلفة للباب !! ولهذا لن يقبل الذهن البشري بهذه المفارقة المستحيلة مما سيدفع مؤلفي تلك العبارة ليظهروا علينا بفلسفة تأويل المتناقضات على أنها رؤيتهم الخارقة لما وراء طبيعة الأشياء ، وهذا بحد ذاته يمثل أيديولوجية الماسونية وبروتوكولات حكماء صهيون كما سبق وذكرناهما آنفاً ، وسنرى لاحقاً كيف استطاع جبران وأستاذه أن يفعلا ذلك في فلسفتهما المارقة !!! وعليه نستنتج أن المسلك الثاني للعبارة الثانية مستحيل القبول به لأن رؤيته متناقضة ولاتتحقق إلا بعالم الخيال فضلاً عن كونه ذو طبيعة مادية بحتة ، وهكذا نرى أن العبارة الأولى ذات طبيعة روحية طيبة والعبارة الثانية ذات طبيعة مادية صرفة وكلاهما من حيث توجيه دفتا مساريهما متعاكسين وغير متجانسين مما يؤكد أن عبارتهم تلك والتي يعتبرونها شاملة وكاملة ليست إلا كلاماً ركيكاً لايتصف بالواقعية ولا بالحقيقة التي أرادوها غامضة ، إنما هي كضرب من الجنون العبثي المنظم والموّجه !!! ...... يتبع









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس


.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم




.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب


.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي




.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت