الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شالوم

سهيلة بورزق

2008 / 11 / 6
الادب والفن


كان عليّ مغادرة الحانة قبل وصول (نيرمينيا) المتعجرفة، الإسرائيلية الأصل. قبل يومين صفعتها على وجهها لأنني لم أتحمل إسفافها وهي تتحدث عن العرب وتشبههم بالقردة. أنا من أصل أرميني، لكنّني عشت أكثر من عشرين سنة مع العرب، وأتحدث العربية بطلاقة، تلك النيرمينيا القحبة التي لا تتوانى في تقديم جسدها لأيِّ سكير يدفع لها قارورة خمر، لقد هددتها بكشف مرضها الجنسي الحقير لزبائنها المعتوهين، فهي تموت ببطء، وستأخذ معها المئات من طالبي المتعة. أمي كانت صديقة حميمة للعرب، وكانت تصوم مع مسلميهم في رمضان، وتذهب معهم إلى المسجد وتصلي مثلما يصلون، وقبل رحيلها بعامين نطقت بالشهادتين، وأبي وأنا تمسكنا بمسيحيتنا إلى غاية الآن. كانت أمي تحب الله بطريقتها، ومنذ إسلامها لم تتوقف عن الصوم. هل أنا حزينة بمسيحيتي؟ وهل أنا أعيش في حلقة مفرغة، عديمة الفعالية؟.وصلت نرمينيا الساقطة وبين يديها رضيع في أيامه الأولى، كانت حالتها تبعث على الشفقة، سألتها: - هل أنت بخير؟ ردّت وفي عينيها دمع: - لقد أنجبت سفاحاً. قلت: - أيتها الحقيرة كيف تجرئين على فعل ذلك وأنت مصابة بالموت.؟ ردّت: - هل تأخذينه؟ قلت: - ماذا؟ أتريدينني أن أُربّي سفاحاً من بطن إسرائيلية، هل أنت واعية ما تقولين؟ ردت: - إذن سأرميه في أية مزبلة في الشارع. قلت: - ارميه حيث تشائين، لا أريد أن أراك هنا مرة ثانية. بعد أسبوع قرأت في الصحف أن امرأة عجوزاً عثرت على رضيع ميت مرمي في الغابة القريبة من بيتها، لقد قتلته تلك السافلة، فكرت أن أتصل بالشرطة لأخبرهم عن الحقيقة، لكنّني عدلت عن فكرتي، ربّما رحمة بها وربما قد يؤنبها ضميرها يوماً فتعود إلى إنسانيتها. بعد أقل من سنة، رأيت بطنها منتفخاً، مفخخاً، مدججاً بالخطيئة، جاءت تطلب مني سلفة مالية، لكنني رفضت وطلبت منها نسيان اسمي وعنوان حانتي، ردت عليّ بحقارة: - ستغيِّرين رأيك بعد أن تعرفي الفاعل؟ استغربت سؤالها فقلت: ومن يكون هذه المرة البابا كيرلّس؟ ردت بخبث: - بل البابا الموجود في البيت. وقعت كأس زجاجية كانت بين يدي: - ماذا تقصدين أيتها (الـ ...)؟ ردّت والشر في عينيها: - أتدرين أيتها الأرمينية (الـ ...)، لقد حاولت نسيان إهاناتك لي، لكنني لم أستطع، لذلك سأنجب لك أخاً عليلاً نصفه منكم والثاني مني، سأزرع فيه شرّ الدنيا كلّها، وسيكون أغلى هداياي لك بعد عمر.

شعرت بالمكان يدور بي، أنا واثقة من مرضها بالإيدز، لقد أخبرني طبيبها بذلك قبل أكثر من سنتين، وبالتالي إذا كانت محقّة في ما تقول، فلن يعيش… ذاك الذي تدّعي أنّه شقيقي. طردتها، وهي تتوعدني بحرق الحانة وبحرقي، حاولت الاتصال بأبي لأطمئن عليه، أو لأطمئن أنه لم يشاركها الفراش، تلعثم لساني وهو يردّ عليّ بدفئه المعتاد، ويخبرني أنه أكل دجاجة كاملة هذا المساء، وشرب زجاجة خمر... أبي… أبي ، قاطعته: - هل تلتقي بنيرمينيا؟ - ولماذا تسألين؟ - أجبني فقط. - لا لم أرها منذ شهور. - هل حصل بينكما ودّ. - ماذا تقصدين؟ - أووووه …هل عاشرتها يا أبي؟ - أيتها الوقحة ماذا تقولين؟ - اسمعني يا أبي هي مصابة… - اسكتي أيتها الثرثارة، لا أريد أن أسمع منك شيئاً. ……………… قُطع الخط. اصطحبت أبي في الصباح الباكر إلى طبيبه، كانت حرارته مرتفعة، هل هي أعراض ذاك المرض القاتل؟ كنت جدّ متوترة، حتى إنّ الطبيب شعر بذلك فسألني عن السبب، اغتنمت الفرصة، وأخبرته عن مخاوفي. بعد أسبوع اتصل بيّ الطبيب ليخبرني أنّ الوالد بحاجة إلى عروس ليس إلا. آه من تلك الحقيرة… رنّ تلفون البيت حوالي الساعة الثالثة صباحاً، كانت الشرطة على الخط، زفّوا لي خبر احتراق حانتي، كانت هي الفاعلة، فدمُها لن يهدأ إلا إذا أخذتْ معها إلى حتفها الأخضرَ واليابس، وبعدها بيومين وصلنا إشعار لحضور جلسة محاكمة موضوعها إثبات أبوة. يا للعاهرة كيف استطاعت ذلك وهي عليلة القلب والروح والجسد؟ لقد تقدمتْ بشكواها وهي في المستشفى، متهمةً أبي بتخلّيه عن مسؤولية أُبوّته لطفلها. ماتت بعد أقل من شهر، وبقي ذاك السفاح في رعاية المستشفى بعد ثبوت براءة والدي. وصلتني رسالة من المستشفى تقول: (إن الرضيع معافى من مرض أمه وحالته تُعتبر معجزة إلهية، إذا كنت مهتمة بتبنّيه لا تتواني في الاتصال بنا). استغربت طلبهم، لكنني لم أهتم بالأمر، تركت الرسالة على مكتبي وخرجت.
كان عليّ إعادة تشييد الحانة، تعدَّت خسائري النصف مليون دولار، استعنت بسلفة بنكية وبدأت من جديد. مرّت الأيام تباعاً، وفي مرّة رجعت البيت منهكة، وأنا أدير المفتاح في الباب سمعت بكاء رضيع يصلني من الداخل، صُدمت وأنا أرى والدي يحمل رضيعاً بين يديه، سألته بنظراتي، فأجاب: - هذا ابن نيرمينيا لقد تبنّيته؟ ومن قوة الصدمة أُغمي عليّ… استحلفني والدي أن أهتم به وأُربّيه، ولم يكن يعلم أنه فتح جرحي القديم على مصراعيه، مات زوجي وابنتي أوشخين قبل عشر سنوات في حادث سقوط طائرة، ومن ذاك الوقت وأمومتي معوّقة. سميناه قابيل، وبدأتُ أسترجع معه أمومة انسحبت مني عنوة، لكن الفرحة تضاءلت برحيل والدي وقابيل في السادسة من عمره. تخرّج قابيل من الجامعة، وبدأ المرض يأخذ مني راحتي، لم أعد قادرة على تحمل مسؤولية الحانة، لذلك قررت عمل وكالة عامة لابني بالتبني كي يستطيع إدارة حياتنا. كانت أسفار قابيل كثيرة، شعرت بعدم مسؤوليته وطيشه فقررت سحب الوكالة منه، لم يصدق هو ذلك، فراح يهددني بحرق البيت والحانة، شعرت بالخوف، بخوف قديم، قديم وصوت نيرمينيا يعبرني (سأزرع فيه شرَّ الدنيا كلها). عدلت عن فكرتي تفادياً لأي صدام… غاب لأكثر من شهر، وعندما عاد طلب مني جمع ملابسي كلّها في الحقيبة، سألته عن السبب، فأخبرني أنّه سيأخذني معه في رحلة، ركبنا السيارة وبعد ساعة أو أكثر لا أذكر… وصلنا عمارة ضخمة، لم أشأ إزعاجه بأسئلتي، طلب مني الجلوس في قاعة الانتظار، اكتشفت أنني نسيت نظارتي الطبية، التي من دونها لا أستطيع قراءة شيء، لحظتها تذكرت والدي ووصيته لي بتربية قابيل، مرت أمامي السنوات العنيدة، بحلوها ومرّها… اقتربت مني سيّدة أنيقة، مبتسمة تتحدث العربية بطلاقة: - أهلا بك سيّدتي. - أهلاً. - أؤكد لك أنكِ اخترتِ المكان المناسب. - أين ابني قابيل؟ - لا تهتمي سيّدتي سنكون أهلاً لك. - قابييييل. - تعالي معي سيّدتي أنتِ في مركز العجزة الإسرائيلي، وهو أفخم مركز على المستوى… - قاااااااابييييييييييييل... قاااااااابييييييييييل...









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا