الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رقصات مياه الصرف الصحي على أنشودة المطر

إبتهال بليبل

2008 / 11 / 6
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


..قالها يوماً :( بدر شاكر السياب ) أتعلمين أي حزن يبعث المطـــر ؟ وكيف تنشج المزا ريب إذا انهمـر؟وكيف يشعر الوحيد فيه بالضيـاع؟ بلا انتهاء - كالدم المراق ، كالجياع كالحب كالأطفال كالموتى - هو المطر
هنا ، نجد اهتزاز أضواء الشوارع بعنف ، تكاد أخصان الأشجار العارية المديدة تهجم على نافذة الأقدار في اندفاع العصف بها ، أنها تثقل الحزن على النفوس بثقل التاريخ على الحجارة ... ضوء شاحب متراقص بقسوة ، متقطعاً والليل خضم من الظلمة المتأرجحة ولجج الموت تقترب لتكسحنا .... يناديها ... ليخبرها عن الحزن الذي يرجرج نافذته إلى جانب هطول المطـــر ، وهو يعير السمع للصوت المفاجئ الذي تفرقعه المزا ريب ، ومن الزاوية البعيدة ، ينبجس الصوت حاداً ، مدوياً ، كنبع في الشتاء محاط بثلوج الشتاء ... يرهف ثم يشتد ثم يتكسر ، ولكنه شبه مكبوت على وشك أن ينفجر .... العاصفة تزداد عنفاً ، وأشباح الأرواح الوحيدة تخترق النفوس ، والصوت السابح في الفضاء يزداد نعومة ورقة ، معلن بداية السكوت والصمت ... وكلما ازدادت العاصفة هياجاً ، ازداد فضاء النفوس سكوناً وصمتاً .... هكذا طل علينا الشاعر بدر شاكر السياب بأنشودة المطر ، التي تمطر بكثافة الأسئلة، يصوغ بجرأة أصابعه غيوم الشعر كما لو أن الكتابة في الأصل عطب ما مع الوجود ، والسؤال بداية الحزن والمطر قميصه الأبدي. من عمق المساء الطفولي تدير مقبض النافذة، تصافح غيمة وتقفز لتمتطي الألم في داخل النفوس وتمسك بخيوط المطر لحظة التشظي السحري. والمدهش، أنه يرسم بلمسات أبعد من الخيال ، هيكل الشتاء، جمجمة القمر وأسنان الخريف ، هذه هي أنشودة المطر التي تنبئ بها السياب قبل رحيلهُ ، ولكن ؟؟ هل لنا بمعرفة عن أي شيء تنبئ ؟؟
ربما هي معاناتنا الأخيرة التي حصلت لكثرة دعاء أمهاتنا وجداتنا كي يرزقنا الله بهطول الأمطار ، فما أن هطلت الأمطار بغزارة حتى فاضت الشوارع الرئيسة وغرقت البيوت القديمة المتعبة وما أكثرها ، وطفحت مياه ( الصرف الصحي ) بطريقة تعلن عن انتفاضة كبيرة ..
عندما كنت أحاول السير في الشوارع قاصدة الرجوع إلى منزلي ، شاهدتُ من المواقف والصور التي أقف أمامها ، وأنا ، لا استطيع قول كلمة واحدة سوى ( لا أله إلا الله ، أنا لله وأنا إليه راجعون ) ، وحقيقة هي ليست كلماتي فقط بل هي عبارات يرددها جميع المارة ، مركبات معطلة وأصحابها يحاولون تشغيلها أو سحبها ، جزر صغيرة متباعدة يحاول الجميع القفز منها واليها تخوفاً من السقوط في بحيرات مياه الأمطار، اختناقات مرورية ، الجميع يبحث عن وسيلة ، للرجوع إلى منازلهم ، ينتظرون دون أمل فقد اختفت حافلات نقل الركاب و( الكيات ) ، وابرز أصحاب المركبات ( الخصوصي ) عضلاتهم ، لاستغلال الموقف في طلب ما يحلو لهم من أجرة لنقلهم ، كل ذلك ممكن تحملهُ ، لكن أن تدخل منزلك وتجده عبارة عن بركة من المياه التي تتدفق بشدة دون توقف ، ومن أين ؟؟ أنها مياه الصرف الصحي !!!
هذا ما أكده لي المواطن وائل كاظم الفريجي من سكنه مدينة الصدر حيث قال " في أول نزول للمطر على البيوت البغدادية ، ترى عدة عوائل تحزم قوتها اليومي وتهرب إلى سطوح المنازل ، لان منازلنا قديمة وفي مستويات منخفضة عن الشوارع ، لذلك شكلت الأمطار غزو أخر من الغزوات التي غزت بغداد ، لتتناغم الأمطار مع زعيق الحال ...
وسائق ( التاكسي ) المواطن محمد رضا ، أكد عن معاناتهُ المريرة لعطل سيارتهُ في الشارع الرئيسي بسبب مياه الأمطار التي أغرقت الشوارع ، مما أدى إلى عدم خروجه للعمل للحصول على قوته اليومي ، لمدة ثلاث أيام ، ونحن نعلم أن سائق التاكسي رزقهُ محدد بخروجه للعمل في السيارة .. وأما عن بعض المؤسسات التي تم بناءها حديثاً فلا تجد سوى المركبات الخاصة بسحب المياه وهي واقفة بالقرب منها ... ناهيك عن سقوف المنازل التي منها تسربت مياه الأمطار ليغتسل بها كل ما في المنزل من أثاث وأجهزة كهربائية ...
أننا اليوم في دهشة وحزن .. ولماذا ؟؟ ، لا نُدهش ، والأمر أشبه بكارثة لنا !!! ندابات كوارثنا لا تبكي أبناءنا وإنما تبكي أبطالنا ، الذين لا يقهرون ، ولكنهم قهروا ، أنها تبكي الحلم لا الرجل ، تبكي الوهم والأسطورة وتركع أمام قبر الأسطورة ، لا قبر الولد وحسب ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة