الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجل الأسود في البيت الابيض

وديع شامخ

2008 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


اليوم انتهى ماراثون الانتخابات الامريكية ، وتوّجت الأمة الامريكية المرشح الامريكي الافريقي الاصل أوباما رئيسا لها لدورة انتخابية جديدة. سباق البيت الابيض الأمريكي أنتهى بفوز كاسح على منافسه الجمهوري جون ماكين، وبه سيدخل أوباما عرين الرجل الأبيض من بابه الواسع ويؤشر الى دخول الولايات المتحدة حقبة سياسية وأنسانية جديدة.
اوباما، المولود عام 1961 في هاواي الامريكية من أب كيني افريقي وام امريكية بيضاء توفيت مبكرا على أثر أصابتها بالسرطان ، أنهى ماراثون المنافسة الحزبية و فاز بترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الامريكية بعد منافسة شرسة مع السناتور هيلاري كلينتون، زوجة الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون، وعندما فاز بترشيح الحزب كان ذلك حدثا سياسيا كبيرا في الولايات المتحدة.
واليوم كانت الامة الامريكية على موعد مع إستحقاقها الديمقراطي ، بعد أن كثر المشككين في إمكانية فوز الرجل الاسود لرئاسة امريكا العظمى! نعم لقد شكّ البعض في فوز اوباما بحجج لاتخلو من الاسطوانات المشروخة وليس أشهرها " العنصرية الامريكية ، والديمقراطية الزائفة، والتشكيك بأصل وديانة الرجل، وارتباطه باللوبي الصهيوني.. وملل وسأم الامريكيين الدائم .. الخ" .
لقد رقص أوباما وعائلته بعد أن فاز وبجدارة تامة في انتخابات شفافة لم ترافقها تعقيدات الانتخابات السابقة وخصوصا في ولاية جورج بوش الأبن ألاولى ، وهذا يدل ايضا على ان الامة الامريكية كانت واعية لمصيرها للإنحياز الى برنامج الرجل الامريكي الأسود الذي لخصه ب " التغيير" ، بينما كان غريمه الجمهوري ماكين يصر على ارجاع امريكا الى امجاد لا تسرّ الامريكان كثيرا، فكان شعاره" الوطن أولا "، الذي لم يعد يجدي وراء الرغبة الكونية في التغيير .. نعم التغيير ما تحتاجه أمريكا كما قال أوباما.
فوز السيناتور الامريكي الاسود وضع حدا كبيرا لكل الذين شككوا في الاصول الديمقراطية الغربية، والامريكية على وجه التحديد. ولست هنا بموضع الدعاية لهذه الديمقراطية ومناقشتها بما لها وما عليها ، ولكني اريد أن اشير الى مستوى النضج الشعبي والرسمي في أمريكا، مجال تحديد اللحظات الفاصلة في تاريخ الشعوب .
على المستوى الشعبي أعطى الناخب الامريكي لإدارة بوش الجمهورية 8 سنوات لكي تنجز ما انجزته داخليا وخارجيا، وهذه المدة كانت كافية تماما للإنحياز الى المشروع الوطني الذي يمثل الحاجات المستجده للامة الامريكية ، وهو ما فعله الناخب الامريكي بجدارة وأقصى ماكين وحزبه .. وأما النضج على المستوى الرسمي فيتمثل في قبول الطرف الثاني نتيجة الإنتخابات بروح المسؤولية العالية والاقرار بها ..
هذان العاملان هما اللذان يمكن طرحهما على التجربة الديمقراطية العراقية بوصفها " تجربة فتية " .
بعد أن دخل الشعب العراق في خانة الخيار السلمي ، وأختارت الاغلبية هذا المسار فلابد من السير به وبوصفنا مرتبطين شرطيا بنتائج الانتخابات الامريكية أيضا. .. ولكن!! وغالبا ما تحمل هذه ال"لكن" مصائبها !!
نحن نعيّ تماما الفرق الزمني والحضاري بيننا وبين الشعوب الاخرى في التجربة السياسية الديمقراطية ، ونحن ايضا لا نجهل قيمة أنفسنا وموقعنا المتواضع جدا في المجال ، وهذا ليس عيبا ابدا نتيجة لظروف داخلية وخارجية معروفة ولست بصدد مناقشتها الان.
كذلك نعلم ما يحمله السياسي العراقي من أمراض العصور البائدة في الرغبة في التملك والاستحواذ على السلطة والقدرة والقوة معا .
لذا فأن الدرس الأمريكي الجديد سيكون مفيدا للجميع لتعلّم ما يمكن تعلّمه في كيفية ونوعية أيصال العملية السياسية الى بر الامان ، والعمل على إنضاجها داخليا من خلال الاستفادة الواعية والطوعية من المتغيرات التي تحصل في المحيط الخارجي، ولاسيما في قلب الدولة الراعية الاولى للعملية السياسية في العراق ، قبل أن يأتي اليوم الذي نقبل به بالحلول المستوردة جدا وبالعصا أيضا، كما حصل مع نظام العهد البائد.
الدرس الامريكي درس يتكرر على مستوى المسؤولية الرسمية والشعبية ، وعلى"السادة" والمسؤولين في الحقل السياسي العراقي ان ينتبهوا الى ما أفضت اليه النتائج الشعبية وكيف تم احترامها والتسليم بها ، وهذه هي أول ابجديات العملية الديمقراطية التي تتبجح بها الاغلبية في العراق وتنتصر لها النخب السياسية العراقية عموما، وارجو ان لا يتوهم احد من ان امريكا سوف تتحول الى حمل وديع جدا وتغير من سياساتها وبرامجها العسكرية والاقتصادية والسياسية الخارجية بدرجة كبيرة ، لان امريكا لها ثوابت تكاد تكون مقدسة ، ولا يهم من الذي يجيء لدفة إدارتها ، اسود ام ابيض .
الدرس الذي اركز عليه هو ماذا تعنينا هذه العملية؟؟
نحن في العراق أحوج ما نكون الى إدارة متفهمة وواعية وناضجة لمعنى التغيير الذي حصل بعد إزاحة العهد الديكتاتوري البائد، فالشعب العراقي لايمكنه ان يبقى مختبر تجارب لعقائد و" استخارات" ونزوات الحقل السياسي ونخبه الجديدة! لايمكن للعراقي ان يكون ضالا" بين فتاوى السادة ، وشطحات المسؤولين"! .
آن الاوان لكي ينتبه الجميع الى أهمية السير بالعملية السياسية بعد التغيير ووضعها في مسارها الصحيح ، المسار الذي يحد ثوابته الدستور، المحميّ بقوة قانون لتطبيقة ، وبقاعدة جماهيرية واعية للدفاع عن مكتسابها دون النظر من أفق ضيق ومحدود، مهما كانت مسوغاته .. وعلى النخب السياسية ان تعي ديمومة وجودها في قيادة العملية السياسية ليس مرهونا بمباركات آنية من أغلبية جاهلة أو فتاوى دينية أو تمريرات غير قانونية للفوز بنتيجة الانتخابات سواء كانت على مستوى البرلمان أو على مستوى المجالس المحلية أو غيرها ..
ان وجود الاحزاب السيسية والكتل مرهون حقا ببرامجها الاستراتيجية ومصداقيتها ونزاهتها ووعيها ونضجها في تقبل الاخر ..
اليوم الامة الامريكية قدمت درسها للعالم في أختيار الرجل الاسود الذي كان محروما من ممارسة حق الانتخاب والسير في شوارع البيض والجلوس معهم في ذات الباص وذات المطعم . فلابد لنا ان نستفيد من شفافية هذا الدرس على المستوى الشعبي بضرورة الانحياز الى التغيير تماما، والى المستوى الرسمي بضرورة تقبل النتائج مهما بلغت وطأتها على "كراسي" الساسة والسادة معا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيفا يتعهد بإجراء مشورة قانونية بشأن طلب فلسطين تجميد عضوي


.. مجلس النواب الأمريكي يبطل قرار بايدن بوقف مد إسرائيل ببعض ال




.. مصر وإسرائيل.. معضلة معبر رفح!| #الظهيرة


.. إسرائيل للعدل الدولية: رفح هي -نقطة محورية لنشاط إرهابي مستم




.. روسيا تعلن اعتراض أكثر من 100 مسيرة أوكرانية فوق جنوب البلاد