الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراق الغد : بحث عن اساليب الحوار العابر للثقافات

ابراهيم الداقوقي

2004 / 2 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ادى سقوط نظام صدام حسين الطاغي بمؤسساته وركائزه ، الى خلط اوراق شعوب وحكام المنطقة بكل انتماآتهم ونزعاتهم وايديولوجياتهم وجعلتها تقف وجها لوجه امام استحقاقات نصف قرن من التخلف والاستبداد واقصاء الاخر من جهة وامام خيارات التغيير والاصلاح – بضغط القوى الداخلية والخارجية معا – وتصفية الحسابات ، نتيجة تشابك المصالح ، من جهة اخرى . وقد ادى ذلك الخلط بشعوب المنطقة – العرب والمسلمين – المقهورة الى اعادة النظر في اوضاعها المأساوية باتخاذ آليات جديدة في صراعها مع القابضين على السلطة من المستعمرين الداخليين والى قيام الانظمة الحاكمة باعادة النظر في سياساتها وتوازناتها الداخلية والخارجية ، لاسيما بعد ان اصبحت الولايات المتحدة الاميركية ، جارتها المدعوة طوعا لاحتلال موقعها الجديد في المنطقة العربية حفاظا على مصالحهما -  أي الاستعمارين الداخلي والخارجي -  المشتركة معا .  وعلى حساب شعوب المنطقة وانتهاكا لكرامتهم ولسيادة بلادهم بالاحتلال والغزو الفكري ومحاولات تنفيذ خططها المستقبلية في المنطقة من خلال ( مشروع الشرق الاوسط الكبير ) الذي قدمته واشنطن الى الدول الصناعية الثماني لمناقشتها توطئة لضمها الى ( الشراكة ) لتحقيق المنافع – او لاعادة استعمار المنطقة من جديد – بحجة " ان الاستبداد المستشري في المنطقة والجهل ( الامية الحضارية ) وعدم احترام المرأة وانتهاكات حقوق الانسان ، تهدد المصالح الوطنية لكل اعضاء مجموعة الدول الثماني الصناعية " .             
واذا كان مشروع الشرق الاوسط الاوسط الكبير الاميركي – التي تريد مشاركة المجموعة الصناعية المتقدمة فيها ايضا – يوضح اسس الاصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية المطلوبة في البلاد العربية – الاسلامية ومساءلة الدول المذكورة حول مسؤولياتها حفاظا على حماية الامن القومي للدول المتقدمة ودرءاً لاخطار الارهاب باعادة ترتيب اوضاع تلك البلدان الداخلية  – المتهمة بتفريخ الارهاب وحمايته – عن طريق قوة – او قوى خارجية – فان العراق المحتل سيكون النموذج الامثل للديموقراطية الاميركية ، بعد دفعه الى الحضانة الغربية – كما اكد الباحث صلاح الدين حافظ -  من جديد ،  بليبراليتها الجديدة القائمة على الهيمنة والاستغلال والاستبداد ، ودون التطرق الى عقدة ديموقراطية الشرق الاوسط المتمثلة بالمشكلة الفلسطينية .
واذا كان تقرير الامم المتحدة حول التنمية الانسانية العربية – الذي شارك بعض الباحثين العرب في اعداده -  لعام 2003 قد حدد اولويات الاصلاح ، عبر :
• تشجيع الديموقراطية والحكم الصالح كاطار تتحقق بداخله التنمية البشرية .
• بناء مجتمع معرفي ، بتنمية القدرات الفردية التعليمية والمعرفية ليكونوا ادوات صالحة لاجراء التنمية في اطار ثقافة الحوار .
• توسيع الفرص الاقتصادية ، من خلال المبادرات في مجال الاعمال والتي ستكون ماكينة التنمية .....
فان الاستعمار الداخلي الذي مارسه صدام حسين طيلة 35 عاما في العراق ، هو الذي مهد للاستعمار الخارجي لكي يكلكل على العراق ويحمل اليه مخاطر لا نهاية لها : تحطيم البنى التحتية للدولة العراقية مع البشر والحجر وترك العراق لعصابات المافيا من سراق خزائن الموروثات الحضارية الى تجارة الرقيق الابيض والمخدرات والاطفال والقتل العشوائي  -  وقد بلغ عدد العراقيين المقتولين اكثر من 15 الف نسمة -  والاغتصاب والاذلال ، ولزرع بذور الفتن الطائفية والعنصرية في ارض السواد ليستكمل بذلك عقود الدكتاتورية والظلم والحروب الطاحنة لمصلحة الاخرين ، اضافة الى الفراغ السياسي الذي لم تستطع قوات الاحتلال الغازية املاءه ولا استطاع مجلس الحكم الانتقالى تحقيق الامن والاستقرار في البلاد ، رغم مرور اكثر من عشرة شهور على الاحتلال وسقوط النظام الكارثة في العراق .
واذا كان العالم الفرنسي غوستاف لوبون ، قد اكد في كتابه ( روح الجماعات ) بان البشر يكتسب روح القطيع عندما يداهمه الخطر ،  في التكتل والتضامن الاجتماعي ... فان علماء النفس يرون ان البشر تتفرق – نفسيا – شيعا ويحاولون الحفاظ على مصالحهم عندما يخافون من المجهول القادم ،  فيحاولون اتخاذ التدابير الوقائية للتغلب على الخطر المذكور بالتكتل الاجتماعي والتلاحم الطائفي اوالعنصري او المذهبي . ومن هنا فان المهمة الدموية التي جند البعض نفسه للقيام بها ضد الآخرين بشهوة النقمة او الانتقام او القتل العشوائي ... هي نابعة عن الخوف من المستقبل والذعر والكراهية وعدم الثقة بالنفس وبالآخرين .
وقد دفع هذان العاملان : الاجتماعي والنفسي ، بعد سقوط النظام الدكتاتوري الذي ارهب الجميع وقمعهم لاكثر من ثلاثة عقود متتالية .... والخوف من المجهول القادم ، الى واجهة الاحداث مختلف الجماعات المشتتة والمستفيدة من النظام ، سواءا اكانت سياسية ام دينية اوعرقية او عسكرية ، الى التكتل مع الافغان العرب وزعماء مافيا التجارة والاسلحة والمخدرات – سواءا بالاتفاق اونتيجة انسجام المصالح – لمقاومة قوات الاحتلال وقتل المتعاونين معها بالاضافة الى نشر الفوضى بالاستمرار في تدمير البنى التحتية للبلاد ونهب الثروات واثارة النعرات الطائفية والعنصرية واطلاق المطاليب التعجيزية . ومما لاشك فيه بان قوات الاحتلال تساهم بشكل غير مباشر في كل تلك الانتهاكات بمواقفها السلبية او اتخاذها موقف المتفرج منها او تشجيعها – احيانا – للطروحات الطائفية او العنصرية او التعجيزية لخلط الاوراق من جهة ولدفع العراقيين الى اليأس والقنوط والعجزواثارة الخوف وعدم الاطمئنان الى نوايا الآخرين من الوان الطيف السياسي – الاثني العراقي ، من اجل دفعهم الى ارتكاب الاخطاء السياسية او اعادة اخطاء الماضي المقيت ، لابتزازهم ولاستثمارها من اجل تثبيت اقدامها  ، من جهة اخرى . ومن هنا فقد حذر الدبلوماسي الدولي الاخضر الابراهيمي ، رئيس بعثة الامم المتحدة الى العراق ، في ختام لقائه مع اعضاء مجلس الحكم الانتقالي ببغداد ( 13/2/2004 ) بضرورة تقدير ظروف العراق وايجاد الاجواء المناسبة والاعداد الجيد لكل شئ لكي لا يحدث ما حدث في لبنان وفي الجزائر -  لاسيما وان احدا لم يكن يتصور ان تندلع  فيهما حرب اهلية  -  من خلال تأكيده  " ناشدت مجلس الحكم واناشد – الان – كل عراقي ليتفهم بان الحرب الاهلية لا تندلع بقرار من شخص وانما تحصل لوجود اشخاص انانيين وجماعات تفكر في نفسها اكثر مما تفكر في بلادها " .
وقد حاول الابراهيمي ، من خلال تلك اللقاءات في العراق ، البحث عن حل داخلي تجمع عليه الوان الطيف السياسي – الاثني العراقي  "  التي اكدت دعمها لجهود الامم المتحدة لايجاد الحلول الامنية الكفيلة بوقف حالة الاحتراب ، ومنها ايداع مهمة توقيت الانتخابات الى الامين العام للامم المتحدة ، لاسيما بعد ان ترك الزعيم الديني الشيعي آية الله السيستاني ، كرة الانتخابات في ملعب الامم المتحدة  " .
واذا كان الابراهيمي قد اكد – في المؤتمر الصحفي الذي عقده في بغداد قبل المغادرة – بان جميع الزعماء العراقيين الذين التقاهم " يدعون الى ضرورة التفاهم والتعاضد لحل كافة المشاكل "   ... فان ثمة العديد من الحقائق ، في الواقع العراقي ، يجب اخذها بنظر الاعتبار عند محاولة التفاهم لحل مشاكل العراق المزمنة والمتراكمة منذ اكثر من ثمانين عاما ، وهي :
1 – ثمة اكثرية شيعية تسكن الجنوب وتشكل ( حوزة النجف العلمية )  المرجعية الرئيسية للشيعة في العالم الاسلامي ، لقدمها الراسخة في المذهب الإمامي الاثني عشري من جهة ، ولاختلافها عن المرجعية الشيعية الايرانية في عدم اعترافها – أي حوزة النجف – بنظرية ولاية الفقيه ورفضها تسييس المذهب او اضفاء الصفة القومية عليه ، لان الشيعة العراقيين يؤمنون باممية الاسلام ووحدته ضمن التعددية المذهبية – وليست القومية – قيه ،  من جهة اخرى . ولكن ائمتهما يشتركان معا في انهم مع تطلعات الراي العام الشيعي بمواجهة السلطة ، لانهم يعيشون على اموال الزكاة – التي تعد اعظم مؤسسة تمويل شيعية مستقلة – وبالتالي فانهم لا يعدون انفسهم موظفين لدى الدولة – كأئمة السنة الذين يتناولون رواتبهم من وزارة الاوقاف– لينفذوا اوامرها . ومن هنا كان ولاء الشيعة لأئمتهم شديدا نظرا للمصداقية التي يتمتعون بها تجاه الرأي العام الشيعي من جهة ، ولأن اولئك الائمة هم المضحون الاوائل من اجل مطاليب تلك الجموع الشعبية من خلال قيادتهم للمظاهرات او التصدي للمستبدين واهل الجاه والسلطة الغادرين ، من جهة اخرى .
وانطلاقا من واقع الشيعة العراقية ، يمكننا التاكيد بان الاكثرية الشيعية عندما تطالب اليوم باجراء الانتخابات قبل نقل السلطة الى العراقيين ، فانها لا تريد تسييس المذهب وانما ترغب في إعادة – بعض -  حقوقها المغتصبة  في تلك الحقبة الطويلة من تاريخ العراق المعاصر .  ولكنها في هذه المطالبة – وهي من حقها – يجب ان تقدم الضمانات الكفيلة بعدم هضم حقوق الاخرين اونبذ التعددية السياسية واقصاء الآخر ، من خلال بحثهم عن القواسم المشتركة بين العراقيين  تنفيذا لالتزام  الشيخ عبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق ، عندما اكد :  "  ان الدستور العراقي الموقّت ينبغي ان يحترم الهوية المسلمة للشعب العراقي (...) وان الدستور والقوانين ينبغي ألا تأتي معاكسة للاسلام (...) لكن هذا لا يعني اننا ضد الديانات الاخرى، بل بالعكس اننا نحترمها". ومن هنا فان الشيعة العراقيين – لاسيما المراجع الدينية الرئيسية – لا يريدون اقامة " نموذج حكم ايراني آخر في العراق " لعلمهم بالواقع الفسيفسائي للمجتمع العراقي من جهة ، ولأن الشعب العراقي – وبكل فئاته – معجون بالتسامح والتعايش السلمي والتصالح مع الآخر العراقي . ومن هنا فقد شدد السيستاني – في تصريحاته الى مجلة درشبيكل الالمانية في 21/2/2004 -  على ان " التيارات السياسية والاجتماعية الكبيرة لا تطالب بحكومة ذات لون ديني" وان " الائمة الشيعة مقتنعون بان على رجال الدين ألا يهتموا بالمسائل السياسية وألا يقبلوا مناصب حكومية".. كما رفع المتظاهرون – من جماعة الشيخ السيستاني المؤيدين لاجراء الانتخابات  -  شعارات كتب فيها: "لا للانقسامات الطائفية".  وقد كانت هذه النظرة المتسامحة والعلمانية – الى حد بعيد في التصالح الاجتماعي وعدم تسييس الدين – سببا في فشل نظام صدام حسين المقبور ،  في اثارة الاحقاد الطائفية والنعرات المذهبية من خلال ممارسته للتطرف القومي والشوفينية المقيتة والظهور بمظهر المتمسك بالدين ، لاضطهاد القوميات والاثنيات والطوائف العراقية الاخرى .
2 – ناضلت الاكثرية الكردية في شمال العراق – الكردستان الجنوبي -  منذ العام 1937 لنيل حقوقها الثقافية والقومية ضمن الوحدة العراقية ، وقدمت مئات الالاف من الضحايا على مذبح الحرية في دهاليز(  لعبة الامم ) الجارية في الشرق الاوسط الكبير الممتد من نواكشوط غربا الى افغانستان شرقا ، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، عندما اصبحوا  ضحية مساومات الدول الكبرى منذ ان وجد النفط في باباكركر ( كركوك ) بالاضافة الى استبداد دول المنطقة واستغلالها للاكراد ضد بعضها البعض  او في صراعها مع الدول الاخرى ،  لتحقيق مصالحهما الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة . ولقد تعرض الاكراد – مثل كل العراقيين – الى اشد انواع التنكيل في عهد دكتاتورية نظام صدام حسين الساقط ، ضمن عمليات الابادة في حروب ( 1963- 1988 )  وحملات ( الانفال ) و ( حلبجة ) الى ان استطاعوا ، بعد حرب الخليج الثانية – وبحماية قوة المطرقة الحليفة المتمركزة في قاعدة اينجيرلك الجوية التركية – اقامة حكم ذاتي حقيقي ، بعيدا عن نفوذ بغداد ، ليخوضوا تجربة ديموقراطية فريدة في المنطقة من خلال اقامة المؤسسات الدستورية وبرلمانين منتخبين بحرية ونزاهة وحكومتين محليتين لهما ، ولكن دون اتاحة الفرصة للاثنيات القومية الاخرى في التمثيل فيهما.  غير ان  الخلاف النفعي الذاتي سرعان ما دب – وبتشجيع من النظام الساقط او دول الجوار -  بين حاكمي الاقليمين بعقليتهما العشائرية ، في السليمانية واربيل ، في قتال ضار استمر – بشكل متقطع -  لاكثر من عشرة اعوام ، الى ان تدخلت واشنطن ووضعت حدا لاقتتال الاخوة الاعداء في كردستان العراق عام 2000 .
واذا كان القائدان الكرديان مسعود البرزاني وجلال الطالباني يسعيان اليوم لتوحيد حكومة الاقليمين الكرديين وبرلمانهما ومؤسساتهما في حكومة محلية واحدة ، فان مطالبتهما بـ ( الفيدرالية القومية ) بدل ( الفيدرالية الجغرافية ) المتفق عليها  ، والمطالبة بضم كركوك الى منطقة الحكم الذاتي قد اثار مخاوف الاخرين من جديد ، فبدأت اتهامات الانفصالية والعمالة والشوفينية تنهال عليهم من كل الجهات : الشيعة والسنة والتركمان العراقيون وبلدان الجوار ، اضافة الى العرب الاخرين من الخليج الى الخليج . بحيث اضطرت ادارة الاحتلال المدنية الى " تأجيل بحث الموضوع في مجلس الحكم بترك القضية للحكومة العراقية القادمة ،  بعد نقل السلطة اليها في حزيران / يونيو القادم " .
3 – عاش المستطيل السني الذي يفصل بين كردستان العراق وجنوبه الشيعي ، والممتد من محافظة ديالى شرقا الى محافظتي الموصل – شمال غرب العراق – والانبار غربا ، وضعا مأساويا وحرجا -  بعد سقوط الطاغية – بين مساندة بقايا النظام الساقط – ومعها كل الارهابيين والقتلة ومافيا السرقات والتجارة والمخدرات والاسلحة – والانخراط في المقاومة وبين الاتعاظ بالتجارب السلطوية غير السليمة وغير الديموقراطية ، التي مارستها السنة منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى اليوم ... والتي بلغت ذروتها في عهد الدكتاتور صدام حسين الذين اسبغوا عليه قاعدة كبيرة من التأييد والمساندة . وبالمقابل فقد اتّبع الرئيس المخلوع ( صدام حسين ) نظام المحاصصة لتوزيع فتات موائده من المغانم والمنافع على الطبقة الضيقة المحيطة به من ابناء ذلك المستطيل – كالسور الحافظ في تبادل مصالح ونضال مشترك حتى الموت ضد المعارضين لها – باكثريته السنية واثنياته ومذاهبه ودياناته المختلفة . فقد حصر صدام حسين شؤون الاقتصاد – بكل انماطها التجارية والمالية والاستيراد والتصدير – بذويه  وبعشيرته ثم بابناء مسقط رأسه وسكان محافظة تكريت ، واودع شؤون الثقافة والاعلام الى الشيعة من سكنة المستطيل او من المنتمين الى الحزب وقريبي الصلة بتنظيم ( صدام حسين ) في بدايات صعوده السياسي المخطط لتبؤ مقاليد السلطة . في حين كان ( القائد الضرورة ) ربان سفينة السياسة من اجل تحقيق الوحدة والحرية والاشتراكية ، حتى وإن كان ذلك عن طريق القوة القسرية او الاحتلال او الدكتاتورية او الحروب العبثية لمصلحة الآخرين بإسم الوحدة العربية او حماية البوابة الشرقية او الحفاظ على الامن القومي العربي .
واذا كان معظم سكان المستطيل السني يشعرون بالخجل – اليوم - من تنصّلهم عن قائدهم الضرورة (صدام حسين) ومن طريقة التعامل غير الديموقراطي وغير الانساني مع الآخر العراقي في المضمار السياسي والاقتصادي والثقافي بعد ان اصبحوا بوقا لصوت سيدهم ... فان الكثير من المثقفين البعثيين : شفيق الكمالي وعلي الحلي وعزيزالسيد جاسم وعبد الرحمن منيف وغيرهم ، قد تنبهوا الى انهم اصبحوا ادوات لتنفيذ مخططات صدام حسين الشريرة – ولكن بعد فوات الاوان – فحاولوا الابتعاد عن ممارسة اللعبة حتى النهاية بحجج مختلفة ، ولكن تلك المحاولة قد ادت الى ان يدفع كل من عزيز السيد جاسم وشفيق الكمالي حياتهما ثمنا لذلك التنصل ، بينما استطاع المثقفون البعثيون والاخرون المعارضون بالصمت ، التسلل الى الخارج والتكفير عن ذنوبهم بفضح اساليب صدام حسين وزمرته الباغية في الاستعمار الداخلي للشعب العراقي .
4 – ثمة امر واقع اميركي في العراق يتمثل بالاحتلال المدعم من الامم المتحدة وبوجود حاكم مدني هو السفير بول بريمر الذي يمارس سلطاته بمنطق الاستعمار الاجنبي الذي استدعته المعارضة العراقية والعرب اللذين عجزا عن ازاحة الاستعمار الداخلي الذي مارسه صدام حسين وزبانيته طيلة 35 عاما ضد العراقيين ، فكان الانهيار المريع لكل شئ في العراق نتيجة الاحتلالين ومساهمة العراقيين ودول الجوار في خلق اجواء عدم الثقة بين القوى الرئيسة في العراق : من خلال الطروحات الانانية وغير المنطقية او غير الواقعية للعراقيين وقيام دول الجوار بخلط الاوراق او التهديد بالتدخل في شؤون العراق في حال تحقيق مناوئيها بعض المكاسب السياسية او عرقلتها لخطوات التقارب والانسجام بين تلك القوى الرئيسية في البلاد .من اجل سيادة الفوضى والقتل العشوائي او الاغتيالات الانتقامية التي اصبحت لغة الخطاب اليومي بين القوى السياسية العراقية من جهة وبينها وبين قوات الاحتلال من جهة اخرى .
ان مطالبة العراقيين باقامة الديموقراطية وفق اهوائهم وقيام اخوتنا العرب بالمزايدة على العراقيين في هذا المضمار ، هي محاولة للهروب الى الامام للتملص عن تحمل المسؤوليات لحل مشاكل العراق الرئيسية المتراكمة منذ 80 عاما ، بصدق وموضوعية وعدم التحلي بالشجاعة في مواجهة المشاكل الطائفية والعرقية والعشائرية من اجل ارساء قاعدة بناء صلدة وصحيحة لعراق الغد ، بدل المطالبة ببناء الديموقراطية الهلامية على رمال صحراء الجنوب . لاسيما بعد ان اكد ( بريمر ) بمرجعيته القانونية في شؤون العراق ، لان الغزو الاميركي للعراق – الذي اسبغت عليه الامم المتحدة صفة الاحتلال – قد ولّد حقوقا مكتسبة له ولدولته المحتلة ، لا يمكنه التهاون في حمايتها او الانتقاص منها ، وفي مقدمتها ( حق الفيتو ) على قرارات مجلس الحكم . لان الاحتلال – وهونوع جديد من الاستعمار الحديث – يغري بممارسة جميع انواع الموبقات والآثام والانتهاكات وصنوف الاذلال والاستبداد ، دون ان يستطيع المستعمر – بفتح الميم – من محاسبته او مساءلته ، لان من يرضى بدعوة بعض الاستعمار – اي المحتل – لانقاذه من العبودية الداخلية ، ليس من حقه معارضة او مناوأة بعضه الآخر الذي يعده سيئا او اثما او مستبداً . ونحن لا نسوق هذا الامر من اجل المقارنة بين نظام صدام حسين الدكتاتوري ونظام الاحتلال المقيت لمعرفة ايهما افضل من الاخر ، لان كليهما سيئان ، وانما للتاكيد على ان الديموقراطية التي يريدها بريمر ، ليست الديموقراطية التي يريدها العراقيون ...رغم الحريات التي يتمتع بها العراقيون اليوم والتي تحمل في تضاعيفها الكثير من الممارسات التي لا يرغب فيها العراقيون . فقد اكد بريمر بانه " لا يوافق على جعل الدين الاسلامي مصدرا للتشريع العراقي " ( 12/2/2004 ) وبانه " لن يكون هناك دستور عراقي اذا لم اوقّع عليه " ( 18/2/2004 ) وبان الانتخابات " سوف لن تجرى في العراق قبل سنة من نقل السلطة الى العراقيين " ( 21/2/2004 ) . ومن هنا كان من الطبيعي ان يقوم الاحتلال بتجذير الطائفية في العراق ، من خلال تقريب هذه الطائفة وإبعاد الاخرى ، توطئة لاشعال نار الحرب الاهلية ، التي حذر منها الدبلوماسي الدولي الاخضر الابراهيمي . ومن هنا فان دعوى واشنطن وتبجحها بانها تريد تحقيق التحول الديموقراطي في العراق ليكون النموذج المحتذى في الشرق الاوسط الكبير ، هي مجرد هراء ومحاولة للتنصل من حل عقدة الديموقراطية الرئيسية في المنطقة ، ونعني بها المشكلة الفلسطينية .  لاسيما وانه لا يمكن تصدير انظمة ديموقراطية جاهزة من قبل الاخرين ، الى دول الشرق الاوسط الكبير .... لأن الديموقراطية تراكم  ممارسات حضارية نابعة من ثقافات الشعوب ، ومن هنا كان اختلاف الديموقراطيات اليابانية والصينية والكمبودية والتايلندية ، بعضها عن البعض الاخر رغم انتمائها جميعا الى التراث البوذي . ورغم ان الديموقراطية لم تعد تقبل اي تأجيل في العراق بخاصة وفي العالمين العربي والاسلامي بعامة ، فان دخول الامم المتحدة كطرف ثالث في قضيتي الانتخابات وتشكيل الحكومة الانتقالية القادمة في العراق لتكون مرجعية احتكام سياسي بين العراقيين وسلطات الاحتلال ، ستدفع بهما الى ترك المزاجية والطروحات والمناورات غير المجدية وغير الواقعية ، لصالح ايجاد الحلول اامنطقية لهاتين القضيتين الشائكتين .
5 – اقامت المعارضة العراقية في الخارج ، نوعا من التوازنات السياسية – نتيجة الاعتراف المتبادل بالحقوق والواجبات -  فيما بينها اولا ... ثم بينها وبين الاوساط السياسية والامنية الاميركية لتسيير مقاليد الامور في العراق في فترة ما بعد صدام حسين . ولكن تطرف بعض تلك القوى المعارضة في طروحاتها ومزايداتها في الاصالة او الانتماء الديني والقومي على الصعيد الداخلي او في مطاليبها من واشنطن ، قد اخلت بتلك التوازنات وزرعت الريبة والشكوك من نوايا الواحدة تجاه الاخري ، وبالتالي ادت الى اختلال العملية السياسية وارتباك آفاق ايجاد الحلول الصحيحة والواقعية الموضوعية للمشاكل المعلقة بين الاطراف المعنية .  فتحولت عناصر قوة الفرقاء المعنيين الى مدعاة للضعف ولزرع الهواجس لدى الاخرين وزيادة مخاوفهم حول نياتهم المستقبلية . فعندما طرحت القيادة الكردية فكرة الفيدرالية القومية – بدل الفيدرالية الجغرافية المتفق عليها – سارعت القوى الشيعية والسنية – من العرب والتركمان – الى رفضها ، بل ان الشيعة والسنة اتفقتا على رفض مطالبة القيادة الكردية بإلحاق  مدينة كركوك بمنطقة الحكم الذاتي ، خوفا من ان تكون الخطوتان سبيلا للانفصالية في المستقبل . وبالمقابل رفض الاكراد والعرب والتركمان – ومعظمهم من السنة – فكرة اجراء الانتخابات النيابية العامة في العراق – التي اقترحها المرجع الديني الشيعي الشيخ السيستاني – قبل نقل السلطة الى العراقيين في حزيران / يونيو القادم ، خوفا من فوزالشيعة بالاكثرية في تلك الانتخابات . ويجب التنويه هنا ، بان اثارة الشكوك والهواجس والخوف من نوايا بعض اطراف القوى السياسية العراقية نابعة من جهود قادة الاحتلال في اثارة الاحقاد بينهم ، ومن اخطاء بعض القوى العراقية في الرهان على وعود بعض دول الجوار او على العامل الخارجي ، اللذين يحرصان على مصالحهما قبل مصلحة الوطن العراقي . ولعل اغتيال بعض السياسيين والزعماء الدينيين العراقيين ، الدليل القاطع على النوايا الشريرة لجميع تلك الاطراف التي لا تريد استقرار الاوضاع في العراق ، او اعادة اعماره بالشكل المطلوب . ولذلك فقد اكد رئيس ديوان الوقف السني عدنان محمد سلمان في تعليقه على اغتيال احد زعماء السنة "  ان هذا العمل فظيع وجريمة نستنكرها وندينها بشدة . واضاف ان باعثه اثارة الفتنة وتفريق صف العراقيين واطالة امد الاحتلال وتخريب البلاد " ( 23/2/2004 ) في حين قال دونالد رامسفيلد –  من ايرلندا -  في تعليقه على الحادث " ان مسلحين في العراق – وهم على الاكثر من القاعدة -  يحاولون اثارة صراع بين الجماعات الدينية والعرقية المختلفة في محاولة لايقاف خطوات ارساء الديمقراطية " .
ان العراقيين الذين خبروا الاستعمارين الخارجي والداخلي ثم الغزو والاحتلال ، خلال الثمانين عاما الماضية يعرفون بتجاربهم الثرية ومن خلال تراثهم الحضاري الذي يمتد لاكثر من ستة الاف سنة وبروحهم الوثابة والمتسامحه والمستلهمة لمآثر الحسين الشهيد في التضحية من اجل المبادئ والقيم النبيلة في رفض الظلم والطغيان والاستبداد ، ومواقف البطل الكردي صلاح الدين الايوبي في الدفاع عن البلاد العربية ضد الغزو والهيمنة ،  ثم تراث وبطولات ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني واخيرا انتفاضة الشيعة في الجنوب والاكراد في الشمال ضد الدكتاتورية والقمع والاستبداد عام 1991 ، سوف تقضي على جميع مناورات سلطات الاحتلال في تحديد مصير العراق بدل شعبه الابي . عندما يعود العراقيون الى اصالتهم ونقائهم الحضاري بالبحث عن اساليب الحوار المتمدن ، العابر للثقافات ... بعيدا عن النرجسية وعبادة المصالح الذاتية ، للاتفاق على القواسم المشتركة بشجاعة واصرار لتجاوز العجز عن مواكبة التحولات الداخلية والخارجية ، في اطار رؤية مستقبلية قادرة على دفع المجتمع العراقي للتلاحم مجددا ، لتكون بلادهم واحة الامان والاستقرار على طريق التقدم والرقي .  وذلك من خلال التمسك بشرطين ، لا ثالث لهما ، هما :
1- عدم الاستسلام للقدر الارهابي – الغازي ، الذي يراد فرضه عليهم بالاغتيالات والقتل العشوائي وتخريب البنى التحتية ومستلزمات الحياة اليومية الضرورية للعراقيين ، او بمحاولات اثارة الطائفية والعنصرية في البلاد .
2- البحث عن سبل اعادة الثقة بين كافة المجموعات السياسية – الاثنية - الدينية لاطراف الموشور السياسي العراقي  وبمبادرة ائمة الشيعة – وهم حكماء العراق وقادة الراي الحر فيه – وعلى رأسهم الشيخ السيستاني ،  بدعوة ممثلي القوى الدينية ( الشيعية والسنية والمسيحية) والقومية ( العربية والكردية والتركمانية والكلدو – اشورية ) لعقد المؤتمر الوطني للقوى الوطنية العراقية كـ ( هيئة سياسية مستقلة ) من اجل المصالحة الاجتماعية باعتباره (  المرجعية السياسية الشعبية الاستشارية  ) ولتوجيه نداء (  بإسم الوطنية ) الى كافة الفصائل العراقية لوقف الاحتراب لمدة شهر في هدنة شاملة  ،  لكي يعمل  اعضاء المؤتمر من الخبراء ، على شكل ( لجنة انتخابية حرة  ) لا علاقة لها بسلطات الاحتلال ولا بمجلس الحكم ، ولتقوم تلك ( الهيئة السياسية المستقلة )  المنتخبة من بين اعضاء المؤتمر الوطني -  على ان يكون عدد اعضائه مساويا لعدد اعضاء مجلس الحكم -  بعقد جلسة مشتركة لانتخاب اعضاء الحكومة العراقية الانتقالية وبالتصويت السري ، وليقوم اولئك الاعضاء بانتخاب رئيس الوزراء اولا ثم هيئة رئاسة الحكم الثلاثية توطئة لاجراء الانتخابات القادمة باشراف الامم المتحدة والجامعة العربية معا . 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يؤكد أن نيكي هيلي ليست في قائمة المرشحين لمنصب نائب ال


.. هل انهارت مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس؟




.. الناطق باسم الدفاع المدني بغزة: القصف الإسرائيلي لم يتوقف دق


.. فلسطيني يوثق استشهاد شقيقه بقصف الاحتلال




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يهتفون بـ -انتفاضة- في طوكيو